بعد اربعة عقود لا زال العالم ينظر بإعجاب واحترام لهذه الشخصية العظيمة الاستثنائية شخصية الإمام الخميني (رض)، سيما في ابعاد ما طرحه من رؤية استراتيجية لدعم الشعوب المستضعفة في وجه الانظمة الاستعمارية الاستكبارية التي نهبت وتنهب ثروات الشعوب من افريقيا الى فلسطين المحتلة.
وقد نجح الإمام الخميني (ره) في ترسيخ وتثبيت هذه الرؤية الاستراتيجية، لذلك إيران ومنذ نجاح ثورتها المباركة تدفع اثمانا باهظة وتقدم خيرة أبنائها شهداء في سبيل الحق؛ فحادثة اغتيال المستشارين الإيرانيين في دمشق على يد العدو الصهيوني ليست عنا ببعيدة، والتي تعتبر محاولة فاشلة من الكيان المؤقت للتغطية على هزائمه العسكرية والاقتصادية وأزماته وانقساماته الداخلية الحادة.
وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر، حواراً صحفياً مع رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، المُفكِّر والكاتب السياسي الأستاذ "معن بشور"، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
** القضية الفلسطينية مرٌت بمراحل عديدة وحاول العدو أن يختزلها ويجعلها متعلقة فقط بالفلسطينيين؛ أي اختزالها من قضية أممية تخص احرار العالم وقضية إسلامية وقومية ووطنية، إلى قضية تخص الفلسطينيين فقط، لكن الامام الخميني(رض) ارادها قضية المسلمين والمستضعفين حول العالم... هل ترى ان الربط بين عقيدة الامة الدينية والجهاد لتحرير فلسطين افاد القضية، وما هي ماهية الصراع برأيكم؟
قضية فلسطين منذ بدايتها هي قضية وطنية أراد أعداء الامة من خلالها اغتصاب وطن وتشريد اهله.
وهي قضية قومية مرتبطة منذ بدايتها في أواخر القرن التاسع عشر منذ المؤتمر الصهيوني في مدينة بال السويسرية عام 1897 ووعد بلفور 1917، وقبله وعد بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا العظمى 1840 بإقامة حاجز بشري بين مشرق الوطن العربي ومغربه.
وفلسطين قضية إسلامية ايمانية منذ ان استهدف الصهاينة القدس والاقصى وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية.
وفلسطين قضية عالمية منذ ان ادرك الفلسطينيون ارتباط المشروع الصهيوني بالمشروع الاستعماري العالمي الذي اخذ على عاتقه انشاء هذا الكيان الغاصب على ارضنا ودعمه بكل أسباب القوة.
لذلك حين ركّز الامام الخميني (رض) على إسلامية القضية وجمال عبد الناصر والحركة العربية على عروبة القضية، والوطنيون الفلسطينيون على وطنية القضية، اتى "طوفان الأقصى" اليوم ليؤكد على عالمية القضية فهذا دليل حرص الجميع على ابراز التكامل بين الوطني والقومي والإسلامي والأممي لهذه القضية لانهم يدركون ان أعداء امتنا كانوا دائماً يتسللون للتآمر على قضايانا وحقوقنا من خلال الإيقاع بين الابعاد المتعددة لهذه القضية، واثارة التناقضات بينها وبين حامليهم.
** اعتدنا على سماع مناسبات مثل "اليوم الوطني، ذكرى استقلال، يوم المرأة، وذكرى الانتصارات وإلخ..." فما هي القيمة المعنوية والفكرية لتخصيص يوم في العام باسم القدس ومقدساتها؟ وما الذي اراده الامام الخميني رضوان الله عليه من الدعوة لاحياء هذا اليوم على الصعيد الشعبي؟
حين اختار الامام الخميني رحمه الله، الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس كان يريد بذلك أن يؤكد على موقع القدس في ضمير الإيرانيين والمسلمين والاحرار في العالم بل على موقع فلسطين في مسيرة الثورة الإسلامية وأهدافها وهي التي كان من اول إنجازاتها اغلاق السفارة الصهيونية في طهران وفتح سفارة فلسطين بعد أيام من نجاح الثورة.
طبعاً ان يخصص الامام الخميني(رض) يوماً عالمياً للقدس لم يكن يقصد ان ينحصر الاهتمام بالقدس في يوم واحد بل ان تكون كل أيامنا اياما للقدس ولفلسطين، وذلك عبر استمرار الجهاد المقدس على طريق تحريرها وتحرير كل فلسطين.
**يوم القدس، اصبح عالميا بالفعل وتجاوز الحدود الايرانية.. ومع ذلك لا يزال هناك أنظمة تكابر وتمنع شعوبها من احياء هذه المناسبة.. لماذا برأيك؟ وهل اصبح الالتزام بقضية فلسطين ومقدساتها محرجا لبعض الانظمة ومقياسا للتمييز بين دعاة التطبيع والمتمسكين بحقوق الشعب الفلسطيني؟
كثيرون من المرتبطين بحكومات التطبيع والتخاذل يحاولون تصوير اعتراضهم على اليوم العالمي للقدس على انه مبادرة إيرانية اطلقها الامام الخميني(رض)، وفي الحقيقة ان الاعتراض ليس على "إيرانية" المبادرة و"خمينيتها" بقدر ماكان الاعتراض على الامام الخميني نفسه، وعلى الجمهورية الإسلامية هو بسبب تمسكهم بالقدس والدعوة الى تخصيص يوم عالمي لها.
والكل يعرف ان الذين يهاجمهون الجمهورية الإسلامية اليوم كانوا أصدقاء لحكم الشاه المرتبط بالمشروع الاستعماري وذي العلاقة القوية مع الكيان الصهيوني وان الاعتراض على ايران وثورتها ودعوتها هو بسبب المكانة التي تعطيها للقدس ولفلسطين وللدعم الذي تقدمه من اجل المقاومة على طريق القدس وفلسطين.
**يدعي البعض أن إعلان الإمام الخميني (رض) عن يوم القدس العالمي كان "عملية استعراضية اعلامية"، بينما يؤكد كثيرون انه شكٌل عنوانا لاستراتيجية سياسية وعسكرية التزمت بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كيف تعلقون على ذلك؟
لو كان اعلان الامام الخميني(رض) عن يوم القدس العالمي عملية استعراضية لما استمرت فعاليات هذا اليوم منذ 46 عاماً، ولما جرى تشكيل فيلق القدس الذي قدّم قائده الشهيد قاسم سليماني وعدداً كبيراً من قادته شهداء على طريق القدس، ولما لعب هذا الفيلق دوراً ميدانياً هاماً في معارك المقاومة كلها في فلسطين ولبنان وسورية وصولا الى اليمن والعراق، بل لما وجدت المقاومة اللبنانية والفلسطينية في فيلق القدس (كما في الجمهورية الإسلامية) سنداً ودعماً طيلة هذه السنوات.
**ما هي الرسائل التي يحملها اليوم العالمي للقدس، ومشاركة ملايين المسلمين في عدد واسع من بلدان العالم في احياء هذه المناسبة؟ والى اي حد شكل هذا اليوم حصانة للقضية الفلسطينية بكل ابعادها السياسية والوطنية في مواجهة محاولات الالغاء والتهميش التي تعرضت لها ؟
رسائل عدة يحملها اليوم العالمي للقدس والمشاركات المليونية فيه في كافة انحاء العالم .
أن قضية القدس هي قضية الإنسانية جمعاء وأن دور المسلمين في حملها هو دور الريادة والطليعة، بل ان هذا اليوم يذكر العالم كله بمقدساته الإسلامية والمسيحية الموجودة في القدس والحث على الدفاع عنها ولولا هذا الاهتمام بالقدس لما اختار المقاومون الفلسطينيون الابطال في كتائب عز الدين القسّام اسم "طوفان الأقصى" لواحدة من أطول واشرس الحروب في الصراع بين أمتنا والعدو الصهيوني وشركائه وداعميه.
ان التفاف جماهير الامة واحرار العالم حول يوم القدس العالمي، وقبله حول يوم الأرض، شكلا بالتأكيد حصانة كبرى لقضية فلسطين التي كان مطلوباً ان تضيع في غياهب النسيان لولا المقاومة وبطولاتها والذاكرة الحيّة ومفاعيلها.