الحمد لله أنيس الذاكرين في جميع عوالم الوجود والصلاة والسلام وعلى شفعاء دار البقاء محمد وآله الطيبين الطاهرين. وها نحن نبدأ اللقاء بتعريفكم بعناوين هذه الفقرات وهي:
- آثار احكام الدين في العوالم والمنازل
- سرعة الحساب الالهي وظهور آثار الأعمال
- قيمة الأعمال بين الظاهر والباطن
- حضور الولاء في عوالم الوجود
الترابط وثيق مستمعينا الاكارم بين الدنيا والآخرة وربهما واحد احد هو الله تبارك وتعالى.
ومن مظاهر هذا الترابط الآثار التي تنتج عن احكام الدين التي يلتزم بها الانسان في الحياة الدنيا.
*******
وهذا هو موضوع الفقرة الاولى من البرنامج وقد اخترنا لها عنوان:
آثار احكام الدين في العوالم والمنازل
من الخصوصيات المهمة التي تميز التشريعات الالهية عن التشريعات البشرية هو ان الشرائع الالهية تهدف الى تحقيق مصلحة الانسان وسعادته في جميع عوالم وجوده وحياته وليس في حياته الدنيا فقط.
بمعنى ان الشرائع السماوية تهدف الى تحقيق سعادة الانسان الحقيقية في عالم الدنيا بمختلف منازله ومراحله من المهد الى اللحد.
كما تهدف الى تحقيق سعادة الانسان الحقيقية في البرزخ بمختلف منازله من سكرات الموت الى يوم البعث والنشر.
وايضاً تهدف جميع احكام الشرائع الالهية الى تحقيق سعادة الانسان الحقيقية في عوالم الحشر والحساب والخلود في الجنة والانقاذ من النار.
هذا الامر يصدق على جميع أحكام الاسلام - وهو سيد الشرائع الالهية فمثلما ان الصلاة تحقق للانسان مرتبةً من السعادة في جميع هذه العوالم؛ وكذلك الحال مع الزكاة او الجهاد والأمر بالمعروف وغيرها من الفرائض.
كذلك الحال مع المحرمات مثل حرمة الكذب واكل مال اليتيم او الربا او الظلم بمختلف انواعه او شرب الخمر، وغير ذلك فكل منها يسبب نوعاً من الشقاء للانسان في جميع عوالمه الدنيوية والآخروية، واجتنابه يحقق له الأمن والسعادة المقابلة في جميع عوالمه.
ولا يخفى عليكم مستمعينا الافاضل ان الانسان لا يحيط علماً بآثار الاعمال في مختلف عوالم الوجود، بل ولا بالآثار الكاملة لواحد منها كما يشير لذلك آية الله الشيخ الوحيد الخراساني في مقدمة رسالته منهاج الصالحين من جلد ۱: ٥٦۰ حيث يقول:
«ومن الطبيعي ان ادراك الحكمة في قوانين دين شرع احكامه لسعادة الانسان في عوالم حياته كلها يتوقف على احاطتنا بهذه العوالم، ومعرفة حاجات الانسان فيها وطرق تأمينها، بل الانصاف ان ادراك الحكمة بشكل كامل لحكم شرعي واحد لا يتيسر للانسان لان هذا الحكم جزء من برنامج للانسان في عوالم حياته جميعاً».
اجل احباءنا، ولكن صدق الايمان بحكمة الله المحيطة بكل الأشياء والعوالم والمنازل، ولطفه بعباده، تجعل الانسان يندفع الى العمل باحكام شرع الله سعياً للنجاة في جميع عوالم حياته وان يعرف تفصيلاً كل تلك الآثار.
وهذه حقيقة التعبد الخالص لله عزوجل الذي هو غاية خلق الانسان ومفتاح الفوز بكل خير وطي معارج الكمال.
تواصلوا معنا بمشاركاتكم فيه واسئلتكم التي يمكنكم ارسالها لنا عبر بريدنا الالكتروني وعنوانه هو: ([email protected]).
*******
وها نحن ننقل الميكرفون الى زميلنا ليعرض بعض اسئلكتم على سماحة الشيخ محمد السند في الاتصال الهاتفي التالي:
المحاور: اهلاً بكم ومرحباً مستمعينا الافاضل مع هذه الفقرة من فقرات برنامج عوالم ومنازل معنا على خط الهاتف مشكوراً سماحة الشيخ محمد السند للاجابة عن اسئلتكم التي تردنا في شأن موضوعات هذا البرنامج، سماحة الشيخ رسالة موقعة باسم الاخ اياد كاظم يسأل عن معنى كون الله تبارك وتعالى سريع الحساب يقول هل يمكن ان يعني ذلك ان الله تبارك وتعالى يظهر آثار الاعمال خيراً كانت او شراً حتى في الحياة الدنيا يعني ان يكون الحساب حاصل حتى في الحياة الدنيا الحساب الالهي؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، في الحقيقة سرعة الحساب لا تعني سرعة الجزاء سرعة الحساب امر وسرعة المجازات امر آخر، سرعة الحساب تعني فيما تعنيه ان الباري تعالى يحيط علماً بصدور الاعمال وبالتالي تداعياتها واثارها نظير ما في قوله تعالى «قُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»، فالحساب هنا ليس بمعنى تصفية الحساب والمجازات.
المحاور: اذن الحساب شيء آخر غير الجزاء؟
الشيخ محمد السند: نعم الحساب هنا شيء آخر غير الجزاء.
المحاور: ما المراد من الحساب، الحساب يعني اشبه ما يكون مثلاً في العالم المعاصر قضية مثلاً المحاكمة والقضاء؟
الشيخ محمد السند: نعم ولكن على الطابع التكويني تأخذ بمعنى التداعيات والآثار التكوينية لها ايضاً.
المحاور: ما المقصود من هذه العبارة سماحة الشيخ؟
الشيخ محمد السند: ان الاعمال التي يقبل الله عز وجل كونها محرمة او واجبة او ما شابه ذلك او مكروهة او مستحبة تلك لها تداعيات وحلقات تكوينية في العوالم المختلفة سواء في عالم الدنيا او عوالم اخرى بالتالي تظهر بسرعة لما قد نبهت عليها الشريعة الاسلامية المقدسة فبالتالي الانسان يقع في اسر تلك المحاسبة واسر تلك التداعيات واسر تلك الملفات واسر تلك الصحائف والكتب ام ان هل هذا هو الجزاء النهائي تصفية نهائية هذا امر اخر قد تناله الشفاعة قد تناله التوبة، مثلاً لذلك لدينا ان التوبة باب مفتوح حتى تبلغ الروح التواق قبيل سكرات الموت وما شابه ذلك، وهذا لا ينافي سرعة الحساب اي ان الاثار السيئة ان كانت لاعمال سيئة او الاثار الحسنة ان كانت لاعمال حسنة تظهر بسرعة ولكن لا تعني هذه تصفية نهائية ولا تعني هذه مجازات نهائية وانما هي نوع من الانطباعات والتداعيات الجزائية المؤقتة نستطيع ان نعبر عنها.
المحاور: سماحة الشيخ لعل الاخ في سؤال آخر يسأل عن هذا الموضوع نوكله على الحلقة المقبلة، ولكن فيما يرتبط بهذه الحلقة اذن ما الهدف من اصل الحساب هل ان سريع الحساب يقصد به ما ورد على لسان امير المؤمنين عليه السلام عندما سأله سائل كيف يحاسب الله الخلق على كثرته فقال صلوات الله وسلامه عليه كما يرزقهم على كثرتهم؟
الشيخ محمد السند: لا يخفى على الله من اعمال خافية ولا يغلطه لسان عن لسان او شأن عن شأن او شيء عن شيء، وبالتالي ايضاً هناك ارادة ايصال هذا المعنى ان تلك الاعمال لها ربما نسمي جزائيات متوسطة الان يكون الانسان اسيرها وبالتالي قد تداعى الى ان تهوي بالانسان لا سامح الله الى الهاوية كما ورد بان الذي يخطأ وتحيط به خطيئته قد يطبع على قلبه وما شابه ذلك.
المحاور: اعاذنا الله واياكم وجميع الاخوة والاخوات سماحة الشيخ محمد السند شكراً جزيلاً، احباءنا تفضلوا مشكورين لمتابعة ما تبقى من فقرات برنامج عوالم ومنازل.
*******
اخترنا للفقرة اللاحقة عنوان:
قيمة الاعمال بين الظاهر والباطن
روى الشيخ ابو الفتوح الرازي في تفسيره ان العبد اذا تصدق بكسرة خبز او بشق من التمر يربيها الله عزوجل وينميها حتى تصير كجبل احد، اي بثقله في اشارة الى قيمة هذه الصدقة.
ثم قال الشيخ ابو الفتوح: وعندما يؤتى بالعبد يوم القيامة ويوقف عند الميزان، ويحاسب فيرى كفة حسانة خفيفةً فيتحير ويتوجه الى الله عزوجل.
فيؤتى بصدقة فتوضع في كفة حسناته فتثقل وترجح على كفة سيئاته، فيقول العبد: يا الهي ما هذه الطاعة الثقيلة التي لا ارى نفسي قد عملتها؟
فيأتي النداء من الله تعالى: هذا ثواب شق التمر الذي تصدقت به لوجهي في اليوم الفلاني، كنت اربيها لك الى وقت حاجتك لكي تغيثك في مثل هذا اليوم.
ومثل هذه الروايات وهي كثيرة ايها الاخوة والاخوات تنبهنا الى حقيقة ان الاعمال التي تثقل ميزان حسنات الانسان هي التي يتوفر فيها الاخلاص لله تعالى فهو الذي يربي الصدقات مهما كانت صغيرةً مادامت خالصةً لوجهه الكريم.
لنلاحظ ما يقوله في هذا المجال الفقيه التقي الشهيد الثاني في رسائله المطبوعة (رسائل الشهيد ص۱٥۳)، قال (رضوان الله عليه):
ان العمل الواحد ربما كان يترجح به ميزان حسناته (الانسان) لو خلص [اي كان خالصاً لله].
ثم قال (رحمه الله): فإذا فسد [العمل] بالرياء حول الى كفة السيئآت لترجح به ... ويهوى الى النار.
ثم قال (قدس سره): فلو لم يكن في الرياء الا احباط عبادة واحدة لكان ذلك كافياً في معرفة ضرره... هذا مع ما يتعرض له [المرائي] في الدنيا من تشتت الهم بسبب ملاحظة قلوب الخلق فإن رضاء الناس غاية لا تدرك.
والشواهد على الحقيقة المتقدمة مستمعينا الاكارم كثيرة ترينا حقيقة ان بعض الاعمال تبدو في ظاهرها عظيمةً لكن فقدان الاخلاص لله فيها يفقدها اي قيمة وتتضح حقيقتها على رؤوس الاشهاد يوم القيامة.
والعكس صحيح ايضاً، والعبرة المستفادة هي ان المهم اولاً في كل عمل حفظ سلامة النية منذ البدء واثناء القيام وبعد ذلك، فالمن يبطل الصدقات والعجب يحبط العبادات كما جاء في الاحاديث الشريفة.
مستمعـينا الاكـارم الفقـرة الاخيـرة من برنامج عوالم ومنازل ادبية تحمل عنوان:
حضور الولاء في عوالم الوجود
مستمعينا الاكارم من بديع القصائد التي تبين دور التمسك بولاية اولياء الله المقربين في النجاة من مختلف العوالم والمنازل في الدنيا والآخرة هي قصيدة ولائية للأديب والعالم الجليل ابو الحسن علي بن حماد العبدي البصري.
وهو (رضوان الله عليه) من اعلام اتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) في القرن الرابع الهجري، من حفظة الحديث النبوي ومشائخه وشهد له علماء الرجال بالوثاقة والتبحر في العلم والحديث.
قال (رحمه الله) في بعض ابيات هذه القصيدة (من الغدير ۱٥۸:٤) مخاطباً النبي وآله صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين:
وانتم لنا نعم التجارة لم نكن
لنحذر خسراناً عليها ولا غبنا
ومالي لا اثني عليكم وربكم
عليكم بحسن الذكر في كتبه اثنى
وانتم لنا غوث وامن ورحمة
فما منكم بد ولا عنكم مغنى
ثم انتقل الشيخ ابن حماد العبدي (رضوان الله عليه) الى بيان آثار صدق موالاة محمد وآله صلوات الله عليهم اجمعين في منازل الآخرة.
فأشار اولاً الى كونه وسيلة جعل الأعمال الصالحة تقع على الوجه الصحيح الذي يريده الله عزوجل، فتحظى بقبوله تبارك وتعالى.
كما اشار (رحمه الله) الى ان الولاية وقبول الأعمال ببركتها سبب لان يكون حشر الموالين يوم القيامة في ظل لواء الحمد الذي ينشره يومذاك المصطفى على يد وصيه المرتضى (عليهما وآلهما السلام) كما ورد في كثير من الأحاديث الشريفة. قال (رضوان الله عليه):
ونعلم ان لو لم ندن بولائكم
لما قبلت اعمالنا ابداً منا
وان اليكم في المعاد ايا بنا
إذا نحن من اجداثنا سرعاً قمنا
وان موازين الخلائق حبكم
فأسعدهم من كان اثقلهم وزنا
وموردنا يوم القيامة حوضكم
فيظما الذي يقصى ويروى الذي يدنى
وامر صراط الله ثم اليكم
فطوبى لنا إذ نحن عن امركم جزنا
نشكر لكم مستمعينا الافاضل جميل الاصغاء لفقرات هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل.
استمعتم اليها من اذاعة الجمهورية الاسلامية في ايران كونوا معنا في الحلقة المقبلة، والى حينها نستودعكم الله بكل خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******