الحمد لله الخبير بعباده وما يصلحهم الحكيم اللطيف في فعله، والصلاة والسلام على موازين الاعمال محمد وآله الطيبين الطاهرين.
والسلام عليكم اعزاءنا المستمعين ورحمة الله وبركاته؛ واهلاً بكم وشكراً لكم وانتم تبدأون معنا جولةً جديدةً في برنامج عوالم ومنازل.
عناوين فقرات هذه الحلقة من البرنامج هي:
- الصلوات المحمدية وثقل الميزان
- من معالم يوم الحشر
- موازين لا ميزان الاعمال
- حياة المعروف في القيامة
- ما لا غنى عنه لطلاب الفلاح
اثرنا في الحلقة السابقة سؤالاً عن العلاقة بين الاكثار من دعاء الصلاة على محمد وآله (عليهم افضل الصلاة والسلام) وبين ثقل موازين الأعمال.
*******
وقد وعدناكم بالاجابة عن ذلك في هذه الحلقة من البرنامج وهذا ما نسعى اليه فيه الفقرة التالية التي انتخبنا لها عنوان:
الصلوات المحمدية وثقل الميزان
روى الشيخ الصـدوق رحمـه الله في كتاب (ثواب الاعمال) مسنـداً عن نبي الرحمـة (صلى الله عليه وآله) انه قال:
«انا عند الميزان يوم القيامة، فمن ثقلت سيئآته على حسناته جئت بالصلاة علي حتى اثقل بها حسناته».
وروى الشيخ الكليني في الكافي بسند صحيح عن احدهما اي الباقر او الصادق (عليهما السلام) انه قال:
«ما في الميزان شيء اثقل من الصلاة على محمد وآل محمد، وان الرجل لتوضع اعماله في الميزان فتميل به فيخرج ]رسول الله[ (صلى الله عليه وآله) الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجح به».
وفي الامالي وعيون الاخبار مسنداً عن الامام الرضا (عليه السلام) انه قال: «من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه، فليكثر من الصلاة على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدماً».
وروي في كتاب الدعوات للقطب الراوندي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: «من صلى علي كل يوم ثلاث مرات وفي كل ليلة ثلاث مرات حباً لي وشوقاً لي كان حقاً على الله عزوجل ان يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم».
وكما تلاحظون فإن الاحاديث الشريفة تصرح بأن الصلوات على محمد وآله (عليهم السلام) هي اثقل ما يوضع في موازين اعمال الانسان وبالتالي تكون من اهم وسائل نجاته في حياته الاخروية.
فما السر في ذلك؟ وهل المراد مجرد الدعاء اللساني وطلب الصلاة عليهم؟ ام ان الامر يشمل اموراً اخرى ينبغي الالتفات اليها؟
الاجابة عن هذه الاسئلة نجدها مستمعينا الاكارم واضحة في الحديثين الاخبرين من الاحاديث الاربعة المتقدمة.
ففي الحديث الرابع نجد الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) يصرح بأن الصوات عليه التي تؤدي الى غفران الذنوب هي التي تكون بدافع الحب له والشوق اليه (صلى الله عليه وآله).
ولا شك بأن حبه (صلى الله عليه وآله) هو مفتاح السعي للتحلي بأخلاقه والاجتهاد في التأسي به، وهذا خير ما يبعد الانسان عما لا يرضاه الله عزوجل ورسوله؛ من الذنوب والمعاصي التي تسبب خفة ميزان الاعمال.
وهذا هو ما يشير اليه الامام الرضا (عليه السلام) في الحديث الثالث حيث يقول: «... فليكثر من الصلاة على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدماً».
من هنا يتضح مستمعينا الاكارم سركون الصلاة على محمد وآله اثقل شيءٍ في ميزان الاعمال يوم القيامة، فهي التي تجهز الانسان بوقود الاقبال على الاعمال الصالحة التي هي سبب ثقل موازين الاعمال يوم القيامة.
وهنا ايضاً يتضح ان المراد من الصلاة على محمد وآله ليس مجرد الذكر اللساني، بل التوجه الى الله عزوجل بدعاء الصلاة عليهم بقلب مفعم بحبهم والتشوق لأن تكون حياة المصلي عليهم حياتهم ومماته مماتهم.
*******
قد حان الآن موعدكم مع فقرة اللقاء بخبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند، للاجابة عن اسئلتكم وها نحن ننقل الميكرفون الى زميلنا وهذا الاتصال الهاتفي.
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا ها نحن وسماحة الشيخ محمد السند في هذه الفقرة وهو يتفضل مشكوراً بالاجابة على اسئلتكم، سماحة الشيخ من الاخت رقية احمد كاظم وردنا سؤالنا عبر البريد الالكتروني السؤال هو قوله تعالى «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ»، تقول هل هذه الآية الكريمة اشارة الى حشر بعض البشر من اصحاب المعاصي على هيئة حيوانات كما ذكرتم في حلقات سابقة تفضلوا؟
الشيخ محمد السند: في الحقيقة ذكرنا مفاد الآية في حلقات اخرى سابقة مراراً ونضيف ونزيد في بيان هذه الآية الكريمة انه في روايات وردت ان بعض اهالي المعاصي يحشروا في صورة قبيحة يحسنوا عندها صورة القرد وصورة الخنزير يعني تكون اقبح من صورة القرد والخنزير والقرآن الكريم في الحقيقة في آيات عديدة اخرى يشير الى ان الاعمال لها تمثلات على مظهر وجسم الانسان في الاخرة بل في الحقيقة ان يشاهد باطن الانسان يعني يشاهد جسم الانسان البرزخي او تبعات اعمال الانسان وهي اجسام مرتبطة وملاحقة الانسان كما قد يراها الرائي في منامه كثير من المكلفين ربما يرون ان في الرؤية هناك نوع من الحيوانات او نوع من الموجودات المنفورة تلاحقهم وتتابعهم في مواقع عديدة ففي الحقيقة هذه لا اقول دوماً اقول قد تكون اذا كانت رؤية صادقة هي تمثلات الى اعمال وصور الاعمال او ما يجنيه الانسان من نوايا وصفات، كذلك هناك القرآن الكريم يشير الى آكل الربا او المتعامل بالربا لا يقومون الا كالذي يتخبطون في الشيطان من المسخ، وهناك روايات عن الرابي والمرابي يوم القيامة يحشرون كالمجانين يقعون تارة ويقومون اخرى يعني حالة المعتوه وحالة ذوي الصرع وما شابه ذلك، فالاعمال اذن لا ريب ان في القرآن اشير الى تمثلات لها في الآخرة.
المحاور: يعني كلاهما اعمال الخير واعمال الشر الخير بصوة حسنة والشر والعياذ بالله بصوة قذرة.
الشيخ محمد السند: كما في آية اخرى يسعى نورهم بين ايديهم ربنا اتتم لنا نورنا.
المحاور: اذن سماحة الشيخ فيما يرتبط بهذه الآية الكريمة «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ»، ظاهر الآية له يمكن الاخذ به باقي الخلائق تحشر ايضاً من غير الانسان ام ان هذه الآية خاصة بالانسان؟
الشيخ محمد السند: لا مانع من استفادة الظهور على مراتب من المعاني انه لكل شيء حشر يوم القيامة ما من طائر يطير جناحين له من امثالكم فهي لها حشر معين ولها معادن معينة كما في آيات اخرى ان الله آخذ بناصية كل دآبة وانه كل شيء الى الله راجع ولكن لا ينافي ذلك المعايير الاخر من الظهور لان الظهور ذو درجات وذو مراتب ويستفاد من الشواهد المتعددة ولا تنافي بين المعاني ما دامت مستقاة من موازين في الدلالة او من حجج شرعية اخرى.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً لكم، وشكراً لكم احباءنا تفضلوا مشكورين لمتابعة ما تبقى من فقرات هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل.
*******
نتابع اعزاءنا المستمعين تقديم هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل بأثارة سؤال عن سر استخدام القرآن الكريم لتعبير «موازين» وليس «ميزان» الاعمال؟
القرآن الكريم صريح في ان لكل انسان «موازين» اعمال، فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فهو من المفلحين وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فهو من الخاسرين.
وهذا يعني ان لكل عمل ميزانه الخاص به وينبغي للمؤمن ان يجتهد وان يتقن كل عمل يقوم به ورحم الله من عمل عملاً صالحاً فأتقنه كما جاء في الدعاء النبوي.
وهذه هي الاجابة الاجمالية على السؤال المتقدم اما الاجابة التفصيلية فستأتيكم ان شاء الله في الحلقة المقبلة من البرنامج فكونوا معنا.
*******
اما الآن فإلى الفقرة الروائية التالية التي اخترنا لها عنوان:
حياة المعروف في القيامة
روى ابن ابي الدنيا وهو من حفاظ الجمهور في كتابه (قضاء الحوائج) مسنداً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال:
ان الله ليبعث المعروف يوم القيامة في صورة الرجل المسلم، فيأتي صاحبه إذا انشق عنه قبره، فيمسح عن وجهه التراب ويقول ]له[: ابشر يا ولي الله بأمان الله وكرامته لا يهولنك ما ترى من اهوال يوم القيامة.
فلا يزال يقول له: احذر هذا، واتق هذا يسكن بذلك روعه حتى يجاوز به الصراط.
فاذا جاوز به الصراط عدله ولي الله الى منازله في الجنة ثم ينثني عنه المعروف فيتعلق به فيقول: يا عبد الله من انت؟ خذ لني جميع الخلائق في اهوال القيامة غيرك فمن انت؟
فيقول: اما تعرفني ... انا المعروف الذي عملته في الدنيا، بعثني الله خلقاً لاجازيك به يوم القيامة...
*******
جعلنا الله واياكم مستمعينا الافاضل من اهل المعروف والاحسان للناس فهم اهل الفوز والنجاة في الحياة الخالدة.
اللهم أمين والسبيل لذلك هو ما تهدي اليه الفقرة الادبية التالية التي اخترنا لها عنوان:
ما لا غنى عنه لطلاب الفلاح
للعالم الأديب الشيخ حسن الدجيلي (رضوان الله عليه) قصيدة دالية مؤثرة في بيان سبل النجاة جاء فيها:
هي النفس رضها بالقناعة والزهد
وقصر خطاها بالوعيد وبالوعد
وجانب بها المرعى الوبيل ترفعاً
عن الذل واحملها على منهج الرشد
فما هي الا آية فيك اودعت
لترقى بها اعلى ذرى الحمد والمجد
ثم يشير (رحمه الله) الى سبيل الرقي بالنفس الى معارج الكمال فيقول:
ففجر ينابيع العلوم وغذها
من المهد بالعلم الصحيح الى اللحد
وحب الهداة الغر من آل احمد
هم الأمن في الأخرى من الفزع المردي
هم عصمة اللاجي وهم باب حطة
وهم ابحر الجدوى لمستمطر الرفد
هم سفراء الله بين عباده
ولاؤهم فرض على الحر والعبد
فأولهم شمس الحقيقة حيدر
وآخرهم بدر الهدى الحجة المهدي
فلا تقبل الأعمال الا بحبهم
وبغض معاديهم على القرب والبعد
وليس هذا الخلق عن حبهم غني
كما لا غنى في الفرض عن سورة الحمد
وها نحن نصل بفضل الله وحمده الى ختام هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. نترككم برعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******