الحمد لله بارىء النفوس بعد الموت، والصلاة والسلام على احب خلقه واقربهم اليه محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته، نلتقيكم فيها وفقرات ثلاثاً تشتمل الوسطى على اجابات ضيف البرنامج سماحة الشيخ محمد السند عن بعض اسئلتكم. عناوين فقرات هذه الحلقة هي:
جوع يوم الحشر وعطشه
المستثنون من صعقة النفخ في الصور
يوم تبدل الوجوه وتبلى السرائر
مستمعينا الاعزاء، لكل عالم من عوالم الوجود قوانينه واحكامه الخاصة.
ومن قوانين منزل الحشر الاكبر وعالم القيامة طول مواقفه وصعوبة اهواله، ومنها موقف اول الحشر اي النشر والخروج من القبور.
ولكن رحمة الله الواسعة هدتنا الى سبل النجاة من جميع هذه الصعوبات واهوال هذه المنازل، وعلينا ان نفتح قلوبنا لهذه الهداية الربانية ونسلك سبلها.
*******
كونوا معنا واولى فقرات هذه الحلقة، عنوانها هو:
جوع موقف الحشر وعطشه
روي عن ابن مسعود (رضوان الله عليه) قال: كنت جالساً عند امير المؤمنين (عليه السلام) فقال: ان في القيامة لخمسين موقفاً، كل موقف الف سنة.
ثم قال (عليه السلام): فأول موقف (اذا خرجوا من القبور) حبسوا الف سنة عراةً جياعاً عطاشى.
ثم قال (عليه السلام): فمن خرج من قبره مؤمناً بربه ومؤمناً بجنته وناره، ومؤمناً بالبعث والحساب والقيامة مقراً بالله مصدقاً بنبيه (صلى الله عليه وآله) وبما جاء من عند الله عزوجل نجا من الجوع والعطش.
يتضح من هذا الحديث الشريف ان حالةً من الشعور بالجوع والعطش تسيطر على الانسان وهو يبعث الى المحشر، وتستمر هذه الحالة لفترة طويلة، يستمر فيها الشعور بالجوع والعطش وصعوباتهما.
ولا يخفى ان هذه الحالة من الشعور بالجوع والعطش شبيهة بما نألفه من جوع وعطش الحياة الدنيا، لكنها اشد منها بما لا يمكن تصوره، ولذلك فإن تحملها شاق للغاية يزيد بأضعاف مضاعفة عن مشقة تحمل الجوع والعطش في هذه الدنيا.
وإذا كان تحمل الجوع والعطش ليوم أو يومين في هذه الحياة الدنيا شآق وصعب تكاد تزهق معه النفوس، فكيف مع تحمل الجوع والعطش ومن نوعه الأخروي الشديد؟ وليس ليوم او يومين، بل لألف سنة من سني الأخرة، خاصةً مع أنه لاموت معه يريح النفس من مشقاته!
اذن فالأمر شديد وهوله عظيم في موقف البعث والنشور والخروج من القبور، فما السبيل للنجاة من هذا الهول العظيم والعذاب الشديد؟
ان الله تبارك وتعالى عادل رحيم، ومقتضى عدله ان العذاب - بأي مرتبة من مراتبه- لا ينزل بأحد الا اذا كان مستحقاً له، وعليه يتضح ان هذه الحالة الشاقة لموقف الخروج من القبر هي نتيجة لعمل الانسان وما يكشفها هو الانسان بتوفيق ايمانه الثابت المستقر.
وهذا ما نبه اليه مولانا امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) في الحديث المتقدم حيث قال: فمن خرج من قبره مؤمناً بربه ومؤمناً بجنته وناره، ومؤمناً بالبعث والحساب والقيامة مقراً بالله مصدقاً نبيه (صلى الله عليه وآله) وبما جاء من عند الله عزوجل نجا من الجوع والعطش.
الحديث هنا اعزاءنا هو عن الخروج من القبر بهذه الحالة من الايمان وهذا يعني ثبات الايمان في قلبه بهذه الأصول، اي أن ايمانه حقيقي بقي مستقراً في القلب عبر منازل الموت والعديلة والبرزخ وهذا هو الايمان المستقر المنجي من هول النشور والحشر.
ان الذي ينجي من عطش يوم القيامة وجوعه هو الايمان، فمن كان له نصيب منه نجا من ذلك العطش والجوع بمرتبة تتناسب مع درجة ايمانه، واصحاب المراتب العليا من الايمان هم الذين لا يصيبهم شيء من ذلك العطش والجوع.
والناس بعد ذلك متفاوتون في ذلك بحسب مراتبهم فكلما إزداد ايمان الفرد علت مرتبة نجاته من الجوع والعطش يوم القيامة، اي كان له مرتبة اعلى من الشعور بالأمن يومذاك.
ولذلك فأن من المهام الاساسية لكل راج للنجاة ان يسعى بأستمرار لتقوية ايمانه بالعقائد الحقة ويرسخه في قلبه بالعمل الصالح ومراقبة حاله ومحاسبة نفسه على ذلك.
لنتدبر معاً في قول الامام الصادق (عليه السلام) المروي في امالي الطوسي عنه انه قال: الا فحاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا، فإن في القيامة خمسين موقفاً، كل موقف مثل الف سنة مما تعدون.
ولنردد معاً بقلوب متضرعة الدعاء المروي عن مولانا زين العابدين انه كان يكرره طوال ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان وهو:
(اللهم ارزقنا التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل حلول الفوت).
ايها الاخوة والأخوات، اخبرتنا الآيات الكريمة ان النفخ في الصور يقترن بحالة من الصعق والاماتة لعامة المخلوقات تسبق النفخة الثانية التي يكون فيها الإحياء والبعث والخروج من القبور.
كما صرحت الآيات الكريمة بأن ثمة استثناءً للذين شاء الله ان يستثنيهم من اثار هذا الصعق، فمن هم وما معنى استثنائهم؟
*******
هذا ما يجيب عنه سماحة الشيخ محمد السند في الاتصال الهاتفي التالي الذي اجراه معه زميلنا، نستمع معاً:
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند وهو يتفضل بالاجابة عن سؤال للاخ امجد النهدي او المهدي بشأن المستثنون الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم من صعقة نفخ الصور، الصعقة الاولى، من هم هؤلاء؟ وما هي الدلالات المستفادة من استثناءهم هل لهم حياة اخرى تختلف عن عما الفناه من حياة؟ سماحة الشيخ محمد السند تفضلوا بالاجابة.
الشيخ محمد السند: نعم الذي نشاهده نحن من الروايات وربما من اشارات الاية ان سيد الانبياء (صلى الله عليه وآله) اسبي به وعرج به، بحياته هذه الدنيوية وبدنه الشريف، عرج به الى السماوات وعرج به الى الجنان، وعرج يعني ادخل الاخرة والبرزخ ولم يتغير عليه احوال تلك العوالم، مع تلك الحياة المتعلقة روحه الشريفة ببدنه.
مما يدلل على انه للنبي (صلى الله عليه وآله) نوع من الخاصية والامتياز، بالتالي التي تختلف عن بقية افراد البشر وان كان النبي (صلى الله عليه وآله) ذكر القرآن في حقه كميت وانهم لميتون هذا صحيح ولكن في حياته البرزخية او في حياته الروحية ليست هناك كما ورد في روايات الفريقين وكتب الفريقين وحتى في البخارى ان النبي (صلى الله عليه وآله) تنام عينه ولا ينام قلبه، فحالة المنامية التي هي نوع من الموت والموتان، هذه لا تتسلط ولا تسيطر على النبي (صلى الله عليه وآله) ومنهم من آل بيته الذين هم مطهرون ومجهزون تكويناً بنفس التجهيز الذي جهز به سيد الانبياء (صلى الله عليه وآله)، فالمقصود اياً ما كان ان يشير القرآن الكريم بالروايات والدلالات والشواهد في الشريعة على ان النبي (صلى الله عليه وآله) روحه ليست كبقية الارواح، تصيبها نحو من الغيبوبة ونحو من الحالة المنامية المماتية بل هم لديهم ادراك وقدرات روحية معينة تختلف عن بقية القدرات، كما ورد ذلك ايضاً في صفات الامام المعصوم ان تنام عينه ولا ينام قلبه وان الرسول صلى الله كان كما ورد ذلك في صفات الرسول (صلى الله عليه وآله) وكذلك ورد في صفات الرسول صفة الامام ايضاً ان الرسول (صلى الله عليه وآله) والامام يرى من خلفه كما يرى من امامه، فهذه طبيعة وامتيازات لبعض الارواح لاريب في ذلك، ارواح الاصفياء والمقربين من النبي واهل بيته تختلف قدراتهم وجهوزيتهم التكوينية عن بقية الارواح ومن ثم لا تؤثر فيهم تلك الصعقات او تلك الزلازل، ثقلت في السماوات وهي الساعة لا نهم في الواقع بما يتمتعون به من قابلية روحية عظيمة جداً، ماتوا قبل ان يموتوا، ورأوا الصعقة ورأوا كل المنازل قبل ان يراها بقية البشر.
المحاور: طيب سماحة الشيخ، هل ما تفضلتم به يعني له النمط من الحياة يختلف حيث ان مرتبة من الموت لا تصدق عليهم، يعني مثلاً عندما يصعق نبي الله موسى (سلام الله عليه) في هذه الحياة الدنيا فهل تكون هذه الصعقة سبب لنجاته من الصعقة في نفخ الصور كما اشرتم الى ذلك انه نوع آخر من الحياة لاولياء الله تبارك وتعالى يختلف عن الحياة المألوفة لدينا؟ تفضلوا:
الشيخ محمد السند: الحقيقة ان حالة الموت لا نريد ان نذكرها في النبي واهل بيته وبقية المصطفين، انك ميت وانهم لميتون، انما الذي نريد ان نشير اليه هو ان كما ان منامهم يختلف عن منامنا، حيث ورد كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون فأذا كانت الحالة المنامية عند النبي واهل بيته ليست حالة اغراق في تمجيد الشعور والغيبوبة وانما هي حالة فيها غيبوبة نسبية، كذلك الحال في موتانهم، في الواقع هذا لا يؤدي، ورد لدينا ان الميت إذا نام وهو مؤمن يخاطب من الملك نم كنوم العروس، فنومة الميت تنتابه نوع من الغيبوبة عن الشعور بدار الدنيا وماشابه ذلك فيما حوله ولكن في نوع الرسول (صلى الله عليه وآله) او موته ونوم وموت اهل بيته اذن تختلف تلك الحالة لان لا تكون فيها نوع من القصور في ارواحهم عن الادراك والشعور بالمحيط بهم، هذا المراد حينئذ بأن لا تنتابهم الصعقة كغيرهم.
المحاور: شكراً لكم الشيخ السند، يمكن ان نفهم ان ما تفضلتم به ان هذا النمط من الحياة الذي يختص به المعصومون والمؤمنون بمراتب متدينة هو الذي ينجيهم من صعقة النفخ في الصور والتأثر بالصعقة وكذلك الفزع الاكبر، شكراً لكم.
*******
وكونوا معنا ونحن ننقل لكم روايةً جامعةً من روايات موقف الحشر في الفقرة التالية التي اخترنا لها عنوان:
يوم تبدل الوجوه وتبلى السرائر
روى الطبرسي (رحمه الله) في تفسير مجمع البيان ان معاذ بن جبل كان جالساً قرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منزل ابي ايوب الانصاري فسأل رسول الله عن قوله عزوجل«يوم ينفخ في الصور فتأتون افواجاً...».
اجابه (صلى الله عليه وآله): يا معاذ سألت عن عظيم من الأمر، ثم أرسل عينيه (اي بكى) وقال: يحشر عشرة اصناف من امتي اشتاتاً قد ميزهم الله من المسلمين وبدل صورهم.
اي انهم ظهروا في المحشر بصور غير الصور الانسانية المألوفة ثم اخذ (صلى الله عليه وآله) ببيان الصورة التي تظهر فيها كل طائفة وسبب تصورها بهذه الصورة، قال (صلى الله عليه وآله):
بعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير.
وبعضهم منكسون ارجلهم من فوق ووجوهم من تحت ثم يسحبون عليها.
وبعضهم عمي، وبعضهم صم بكم لا يعقلون.
وبعضهم يعضون السنتهم، فيسبل القيح من افواههم لعاباً يتقذرهم اهل الجمع.
وبعضهم مقطعةً ايديهم وارجلهم.
وبعضهم مصلبون على جذوع من نار.
وبعضهم اشد نتناً من الجيف.
وبعضهم يلبسون جباباً سابغةً من قطران لازقةً بجلودهم.
ثم بين (صلى الله عليه وآله) سر حشر هذه الطوائف من الناس على هذه الصور القبيحة والغريبة حتى قبل الحساب.
فقد ذكر (صلى الله عليه وآله) الأعمال التي كان كل منهم قد اعتاد ممارستها فغيرت صورته الملكوتية الى احدى تلك الصور القبيحة.
قال (صلى الله عليه وآله):
فأما الذين على صورة القردة، فالقتات من الناس.
والقتات - مستمعينا الأكارم- هو النمام الذي يسمع الكلام من الناس فينقله الى آخرين قيل فيهم، اي الذي ينم بنقل كلام هذا في ذا وذا في هذا والقتات اشد من النمام، فهو الذي يتسمع كلام القوم دون ان يعلم ثم ينقله الى الذين قيل فيهم.
اي ان القتات يجمع بين النم وبين التجسس اعاذنا الله من ذلك.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): واما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت.
والسحت هو ما يسحت الدين اي يستأصله، واطلق على الكسب الحرام مثل الرشوة ونظائرها؛ فأكل المال من الكسب الحرام يسلب الغيرة ويجعل صورة الانسان الملكوتية كالخنزير.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): واما المنكسون على رؤوسهم فأكلة الربا.
والعمي [هم] الجائرون في الحكم.
والصم البكم المعجبون بأعمالهم.
والذين يمضغون بألسنتهم فالعلماء والقضاة الذين خالفت اعمالهم اقوالهم.
والمقطعة ايديهم وارجلهم الذين يؤذون الجيران.
والمصلوبون على جذوع من نار، فالسعاة بالناس الى السلطان.
اي الذين يتجسسون على الناس ويثيرون السلطات الجائرة عليهم.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): والذين هم اشد نتناً من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات، ويمنعون حق الله في اموالهم.
والذين يلبسون الجبات فأهل الفخر والخيلاء.
اعاذنا الله واياكم مستمعينا الكرام من فعال هذه الطوائف ورزقنا توفيق الطاعات التي تجعلنا من الذين يسعى نورهم بين ايديهم يوم القيامة. اللهم آمين، الى لقائنا المقبل نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******