الحمد لله نور النور ومنور القلوب بخالص النور، والصلاة والسلام على نبيه المحبور محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة الله وبركاته، هذه هي الحلقة الثانية والستون من برنامج عوالم ومنازل، فأهلاً بكم.
نخصص هذه الحلقة احباءنا للحديث عن الاعمال المنجية من هول ساعة النشور، والأعمال المشددة من هول هذه الساعة وصعوباتها، فننتحدث اولاً عن المنجيات رزقنا الله العمل بها ونختم اللقاء بمعرفة المرديات اعاذنا الله واياكم منها.
وبينهما يجيب سماحة الشيخ محمد السند عن سؤال وردنا بشأن معنى وحقيقة النفخ في الصور وهو الاعلان الرباني عن قيام القيامة.
*******
مستمعينا الاكارم، نأمل ان تقضوا وقتاً مباركاً مع فقرات هذه الحلقة، فالى الفقرة الأولى من البرنامج وقد اخترنا لها عنوان:
رفاق السلام عند النشور
روى الكليني والصدوق والطوسي والمفيد (رضوان الله عليهم) حديثاً مسنداً عن مولانا الصادق (عليه السلام) وصف فيه حالة بعض المؤمنين عند بعثهم من القبور، فقال:
اذا بعث الله المؤمن قبره خرج معه مثال يقدمه امامه، كلما رأى المؤمن هولاً من اهوال القيامة قال له المثال: لا تفزع ولا تحزن وابشر بالسرور والكرامة من الله عزوجل.
ايها الأخوة والأخوات، المقصود من « المثال» في هذا الحديث الشريف هو الصورة الملكوتية لوجود معين برافق المؤمن ساعة خروجه من قبره التي تعد من اصعب الساعات التي تمر بالانسان.
ويبين الامام الصادق (عليه السلام) ان هذا المثال يبقى مرافقاً للمؤمن حتى يدخل الجنة حيث قال، في تتمة الحديث:
حتى يقف بين يدي الله عزوجل فيحاسبه حساباً يسيراً ويأمر به الى الجنة والمثال امامه.
فيقول له المؤمن: يرحمك الله نعم الخارج خرجت معي من قبري مازلت تبشرني بالسرور والكرامة من الله حتى رأيت ذلك فيقول: من انت؟
فيقول: انا السرور الذي كنت ادخلته على اخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله عزوجل منه لأبشرك.
اذن - مستمعينا الأفاضل-،يتضح من هذا الحديث الشريف ان من اهم الاعمال التي تخفف هول البعث بعد الموت والخروج من القبر هو الاهتمام بأدخال السرور على المؤمنين بمختلف الصور.
وهذا من الأعمال ذات البركات الكثيرة، وأتذكر انه قد نقل ان احد المؤمنين اتخذه وسيلة للفوز بلقاء مولانا المهدي (عجل الله فرجه)، وتحقق له ما اراد بعد ان التزم اربعين يوماً بأدخال السرور على قلوب خمسة اشخاص من الصغار والكبار يومياً، سواء بكلمة طيبة او هدية بسيطة او بإعانة في عمله او في عبور الطريق او حتى بمزحة لطيفة وغير ذلك.
وروى الشيخ الصدوق وثقة الاسلام الكليني (رضوان الله عليهما) عن الامام الصادق (عليه السلام) حديثاً آخر يعرفنا بعمل آخر قريب من هذا العمل وله تأثير مشابه، اذ قال (عليه السلام):
«من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كرب الآخرة، وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد» اي آمن من هول البعث والنشور مسروراً به.
اعزاءنا المستمعين، وعرفتنا الأحاديث الشريفة بأعمال اخرى مؤثرة في مباركة ساعة خروج المؤمن من قبره وجعلها ساعةً مفعمة بالبهجة خاليةً من الرهبة، لاحظوا الحديث الصادقي الثالث، وقد رواه عنه ثقة الاسلام الكليني في كتاب الكافي.
وفيه قال (سلام الله عليه): من كسا اخاه كسوة شتاء او صيف كان حقاً على الله ان يكسوه من ثياب الجنة وان يهون عليه سكرات الموت وان يوسع عليه في قبره وان يلقى الملائكة اذا خرج من قبره بالبشرى...
ومن الأعمال العبادية المنجية من هول الخروج من القبر ما رواه السيد علي بن طاووس في كتاب الاقبال عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
«... ومن قال في شهر شعبان الف مرة: لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون... يخرج من قبره يوم القيامة ووجهه يتلألأ مثل القمر ليلة البدر وكتب عند الله صديقاً.
ومثل هذا الأثر روي لقراءة الدعاء المعروف بأسم الجوشن الكبير في شهر رمضان، فقد روي في الحديث النبوي: «... ومن دعا به بنية خالصة في اول شهر رمضان رزقه الله ليلة القدر... وبعث له عند خروجه من قبره سبعين الف ملك...».
وقريب من الأثر جعله الله عزوجل للمشاركة بنية خالصة في التشييع فقد ورد في حديث الامام الباقر عليه السلام المروي في كتاب «ثواب الأعمال» انه قال: «كان فيما ناجى به موسى (عليه السلام) ربه: يا رب ما لمن شيع جنازة؟
قال جل وعلا: اوكل به ملائكة من ملائكتي معهم رايات يشيعونهم من قبورهم الى محشرهم».
نسأل الله لنا ولكم اعزاءنا توفيق الاهتمام بهذه الاعمال المباركة والمبادرة اليها بنية خالصة وابتغاء مرضاة الله عزوجل.
كما نسأله جل جلاله ان يجنبنا الاعمال المضادة لها والتي تزيد من هول البعث والنشور وشدة ساعة الخروج من القبر.
*******
هذه الاعمال المضادة عرفتنا بها ايضاً احاديث بيت الرحمة (عليهم السلام) كما سنرى لاحقاً وبعد ان نستمع لاجابة ضيف البرنامج سماحة الشيخ محمد السند عن النفخ في الصور، وذلك في الاتصال الهاتفي التالي الذي اجراه معه زميلنا.
المحاور: وصلتنا رسالة من الاخ احمد المهتدي يسأل عن النفخ في الصور ماهو وما علاقته بالنفخة الاولى ونفخت فيه من روحي؟
الشيخ محمد السند: النفخ في الصور عبارة عن الاحياء، احياء وبعث الارواح في الاجساد وهو يقوم به اسرافيل الموكل بذلك كما ورد في الروايات، طبعاً هناك نفختان كما ذكرت في الآيات والروايات النفخة الاولى نفخة اماتة وصعق من السماوات والارض الا من شاء ربك، والنفخة الثانية هي نفخة احياء الاموات وبعثهم وبعث الارواح في الاجساد يقوم به اسرافيل، في الحقيقة النفخ هو عبارة عن نوع من الاحياء واحياء الموتى وبعث الارواح الى يوم المعاد والمبعث ما يسمى البعث، فالنفخ هو احياء للارواح واحياء للاجساد ببعث الارواح فيها، يتقارب في الحقيقة ما يقال من ونفخت فيه من روحي فان النفخ هناك ايضاً نوع من ايجاد الروح في البدن كما ان الله عز وجل قد وكل في الاماتة عزرائيل عليه السلام كذلك وكل في الاحياء، احياء الارواح ونفخ الارواح اسرافيل وهذا التوكيل طبعاً ليس كما قد يظن نوع من عزلة الباري تعالى عن فعله وانما هو توكيل بلا العزلة لان فعله تعالى داخل في تلك الافعال لا بالممازجة وخارجاً عنها لا بالمزايلة والمباينة بل هو عز وجل يجري هذا الفعل على يد اسرافيل من النفخ والاحياء كما يجري هذا الفعل الاخر والاماتة على يد عزرائيل، وكما قال امير المؤمنين عليه السلام ان الله عز وجل انما يوكل الملائكة هو املك بهم فيما اقدره عليه منهم فاسناد هذا الفعل الى اسرافيل لا ينافي اسناده بنحو اتم الى الله عز وجل كما ورد في القرآن الكريم الله يتوفى الانفس حين موتها وايضاً اسند الموت يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم وكذلك اسند الى الملائكة توفتهم رسلنا وهم لا يفرطون فهذه الاسنادات ليست متضاربة ولا متخالفة وانما هي حقيقية في طول بعضها البعض لان فعلهم حيث كان بامرهم تعالى وباقداره لهم فكان فعلهم فعله بل هو في الحقيقة فعله تعالى يجريه على يدهم.
المحاور: الاخ السائل احمد له سؤال اخر فيما يرتبط بان النفخ ونفخت فيه من روحي كانت بالنسبة لشخص واحد وهو آدم عليه السلام نفخ الله تبارك وتعالى فيه من روحه يسأل يقول كيف الحال بالنسبة للنفخ في الصور والنفخ في الصور لا يتعلق بشخص واحد في جميع الخلائق من الاولين والاخرين كيف يكون هذا الامر ممكن مثلاً في دفعة واحدة او بنفخة واحدة يتحقق كل ذلك؟
الشيخ محمد السند: ان يقال ونفخت فيه من روحي او ينفخ في الصور واحياء جميع الارواح لان هذه القدرة لا تعي الله ان يقدرها الملك اسرافيل كما هو الحال الملك عزرائيل فان قبض الارواح قد تم في الآن الواحد في اللحظة الواحدة لالآف والملايين في الحروب للارواح فبالتالي كما مكن الله عزرائيل من قبض روح او عشرات الارواح المئات او الالاف او ملايين يمكنهم من قبض الارواح في فجئة واحدة لما اوتوا من قدرة اقدرها الله عز وجل وهذه القدرة بالاصح هي قدرة الله يجريها على يدي عزرائيل ومن ثم تسند اولاً حقيقة الى الله ومن ثم تسند الى عزرائيل الملك الذي موكل كقابل يقبل هذه القدرة من الله عز وجل فتجرى على يده كذلك الحال في اسرافيل اذ اقدره الله عز وجل ان ينفخ في روح واحدة او ارواح في الواقع تلك القدرة ليست تعيي الساحة الالهية ان يقدرها بشكل واسع وشمولي لكل الارواح، سواء ارواح الانس او الجن او الحيوانات او النباتات كل الارواح بمقدرة من الله عز وجل، في الحقيقة نفخ الروح في الحدوث ليس هو باصعب من استمرار احياء الارواح حياة الارواح في الابدان هناك حالة نفخ مستمرة فيها لان الروح قائمة وجودها وايجادها بالله تعالى، فبالتالي هذه الحياة للارواح المتزامنة لبعضها البعض هو نوع من النفخ المستمر وبالتالي هو نوع من الاحياء ولكن في مرحلة الاستمرار لجميع الارواح فلا غرابة اذاً موجودة في البين بعدما نشاهد الارواح الان حية وفي حالة حياة وهي في الواقع معتمدة وقائمة على نفخ الله وايجاد الله يجريه على يد اسرافيل.
*******
اما الآن فالى الفقرة التالية وقد اخترنا لها عنوان:
ذنوب تزيد من هول البعث
مستمعينا الأكارم، عرفتنا الاحاديث الشريفة بمجموعة من الاعمال المنجية من هول ساعة البعث والخروج من القبور وقد نقلناها لكم في الشطو الاول من البرنامج، ولا حظنا ان اهمها ما يرتبط بادخال السرور على قلوب المؤمنين واعانتهم، واهم الادعيه ما يرتبط بترسيخ التوحيد الخالص في القلب مثل دعاء الجوشن الكبير او دعاء التهليل الشعباني.
وفي المقابل بينت لنا احادث اهل بيت الرحمة (عليهم السلام) الامور التي تشدد وتزيد من هول النشور من القبر، واهمها ما يرتبط بالحرمان من ولاية ومحبة اولياء الله عزوجل، كما يشير الى ذلك الحديث النبوي التالي المروي عن طرق الفريقين.
اجل فقد روى المفيد في الامالي وابن شيروه من حفاظ الجمهور في كتاب الفردوس مسنداً عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «الشاك في فضل علي بن ابي طالب عليه السلام يحشر يوم القيامة من قبره وفي عنقه طوق من نار فيه ثلاثمائة شعبة على كل شعبة منها شيطان يكلح في وجهه...».
احباءنا المستمعين، الحديث المقتدم يبين لنا اهم الذنوب العقائدية التي تشدد من صعوبة ساعة الحشر وهي التشكيك وبالولاية التي فيها كمال التوحيد والنبوة وبالتالي كمال الدين وتمام النعمة.
وهناك ايضاً ذنوب عملية لها آثار مشابهة اهمها البخل والاعراض عن الانفاق في سبيل الله، كما ورد في حديث الامام الباقر (سلام الله عليه) الذي رواه الشيخ الكليني في الكافي، نتدبر معاً في كلماته النورانية قال عليه السلام: ان الله تبارك وتعالى يبعث يوم القيامة ناساً من قبورهم مشدودة ايديهم الى اعناقهم لا يستطيعون ان يتناولوا قيد أنملة معهم ملائكة يعيرونهم تعييراً شديداً يقولون: هؤلاء الذين منعوا خيراً قليلاً من خير كثير، هؤلاء الذين اعطاهم الله فمنعوا حق الله في اموالهم.
مستمعينا الافاضل، ويستفاد من الاحاديث الشريفة ان الذنوب التي لها تأثير خاص في الاساءة للعلاقات الاجتماعية، تؤدي الى صعوبة ساعة الحشر وزيادة هو لها، نقرأ بقلوبنا الاحاديث التالية:
روى الشيخ الصدوق عن ابن عباس عن النبي في حديث طويل، قال (صلى الله عليه وآله): «ومن مشى في نميمة بين اثنين سلط الله عليه في قبره ناراً تحرقه الى يوم القيامة، واذا خرج من قبره سلط الله عليه تنيناً اسود ينهش لحمد حتى يدخل النار...» .
احباءنا وللمفاسد الأخلاقية بالغ الأثر في تشديد حالة الحشر والخروج من القبر، ففي الحديث النبوي، قال (صلى الله عليه وآله): «من ملأ عينيه من امرأة حراماً حشاهما الله عزوجل يوم القيامة بمسامير من نار وحشاهما ناراً حتى يقضى بين الناس ثم يؤمر به الى النار».
وروي عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال: «ان شارب الخمر يجي يوم القيامة مسوداً وجهه، مزرقة عيناه سائلاً لعابه، دالعاً لسانه من قفاه».
اعاذنا الله واياكم احباءنا من ارتكاب ما لا يرضاه الله ورزقنا صدق محبته ببركة التوسل اليه عزوجل بصفوة خلقه محمد وآله الطاهرين. شكراً لكم اعزاءنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******