الحمد لله الذي اكرم عباده بطاعته وهداهم الى ما فيه خيرهم وصلاحهم في دنياهم وآخراهم، والصلاة والسلام على أمنائه في عوالمه ومظاهر رحمته بعباده وخلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة الله وبركاته، نستعرض في مطلعها عناوين فقراتها:
مجالسة المؤمنين لآل محمد وانتظار فرجهم
تواصل أهل البرزخ مع اهاليهم
كيف يتعارف اهل البرزخ فيما بينهم
كيف تعامل الدنيا اهلها

*******

مستمعينا الاكارم تعرفنا في الحلقات السابقة على جملة من مظاهر اكرام الله عزوجل للمؤمنين في عالم البرزخ.
ونختار لهذه الحلقة نموذجاً اخر هو من اسمى مظاهر تكريم المؤمنين بعد ان يتوفاهم الله عزوجل، فكونوا معنا في الفقرة الأولى وعنوانها هو: 

مجالسة آل محمد وانتظار فرجهم

ايها الأخوة والاخوات من الأمور التي اكرم الله عز ذكره بها عباده المؤمنين هو ان ارواحهم تخطى برؤية ومجالسة آل محمد في عالم البرزخ.
اجل هذا ما اتحفتنا به احاديث اهل بيت النبوة عليهم السلام، منها ما رواه الشيخ الأجل الفضل بن شاذان وهو من اصحاب الائمة الرضا والجواد والهادي والعسكري (سلام الله عليه).
روى (رضوان الله عليه) في كتاب القائم او اثبات الرجعة بسنده عن مولانا الامام الصادق (سلام الله عليه) انه قال:
ان ارواح المؤمنين ترى آل محمد (صلى الله عليه وآله) في جبال رضوى، فتأكل من طعامهم وتشرب من شرابهم وتحدث في مجالسهم حتى يقوم قائمنا نحن اهل البيت، فاذا قام قائمنا بعثم الله واقبلوا معه يلبون زمراً فزمراً، فعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحل المنتحلون وينجو المقربون.
في هذا الحديث الشريف ايها الاخوة والاخوات اشارة الى ان الله عزوجل يبقي باب الفوز بكرامة نصرة الامام المهدي (عجل الله فرجه) لمن يتوفاهم قبل ظهوره، ويبقي لهم باب الفوز بالعيش في ظل دولته العادلة رزقنا الله واياكم ذلك احباءنا. 

*******

اما الآن فنتقل الى الفقرة الثانية وعنوانها هو:

تواصل اهل البرزخ مع اهاليهم

ثبت في المجاميع الفقهية والروائية لمختلف المذاهب الاسلامية استحباب زيارة القبور بعد ان روت المصادر المعتبرة ان من سنة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) زيارة‌ القبور والدعاء لأهلها.
ولكن ما نريد التحدث عنه هنا هو اطلاع اهل البرزخ على احوال اهل الدنيا واستماعهم لكلام من يخاطبهم فقد روي في النجاري والكامل في التأريخ والسيرة الجلية وغيرها من المصادر تصريح النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) بأن الموتى حتى الكافرين يسمعون كلام من يخاطبهم.
اجل فقد روت هذه المصادر وغيرها ان النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) امر بالقاء جثث قتلى المشركين في معركة بدر في القليب ثم اخذ يناديهم رجلاً رجلاً ويقول لهم:
هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فاني وجدت ما وعد ربي حقاً، بئس القوم كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وآخر ججتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس
وهنا قال له عمر مستغرباً: يا رسول الله اتنادي قوماً قد ماتوا؟
فقال (صلى الله عليه وآله): ما انتم بأسمع لما اقول منهم ولكنهم لا يستطيعون ان يجيبوني.
اجل، مستمعينا الاعزاء، ان الأحاديث الشريفة تصرح بأن اهل البرزخ يتأثرون بزيارة وخطابات اهل الدنيا لهم ويأنسون بهم او يتأذون منهم.
فمثلاً روي في امالي الشيخ الطوسي مسنداً عن الامام الباقر (عليه السلام) ان احد اصحابه سأله عن زيارة القبور.
فأجاب (عليه السلام): اذا كان يوم الجمعة فزرهم فانه من كان منهم في ضيق وسع عليه ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس، يعلمون بمن اتاهم في كل يوم.
وهنا سأل الراوي الامام الباقر قائلاً: فيعلمون بمن اتاهم فيفرحون به؟ 
فاجاب (عليه السلام): نعم ويستوحشون له اذا انصرف عنهم.
واكثر من ذلك ايها الاخوة والاخوات تصرح الاحاديث الشريفة ان اهل عالم البرزخ يزورون ارحامهم من سكنة عالم الدنيا، وهذا ما اخبرتنا به جملة من احاديث اهل بيت النبوة.
فمثلاً روى ثقة الاسلام الكليني في كتاب الكافي مسنداً عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: ‌ان المومن ليزور اهله فيرى ما يجب ويستر عنه ما يكره، وان الكافر ليزور اهله فيرى ما يكره ويستر عنه ما يحب.
وفي رواية اخرى عنه (عليه السلام) قال: ما من مؤمن ولا كافر الا وهو يزور اهله عند زوال الشمس، فاذا رأى [المومن] اهله يعملون بالصالحات حمد الله على ذلك، واذا رأى الكافر اهله يعملون بالصالحات كانت عليه حسرة.
اعزاءنا المستمعين، ثمة مجموعة من العبر العملية يمكن استفادتها من الأحاديث الشريفة المتقدمة، نلخص اهمها بعد الاستماع للفقرة التالية وهي اتصال هاتفي اجراه زميلنا مع سماحة الشيخ محمد السند يتفضل فيه مشكوراً بالاجابة عن سؤال بشأن كيفية تعارف اهل البرزخ فيما بينهم.
المحاور: سماحة الشيخ الاخ عمار الجنابي من العراق يسأل كيف يعرف اهل البرزخ بعضهم بعضاً وقد تغييرت صورهم التي كانوا عليها في الحياة الدنيا تفضلوا:
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين وآل بيته الطيبين الطاهرين، ان ما ذكره الاخ من اختلاف صور اهل البرزخ عن صورهم واجسامهم في دار الدنيا الظاهر انه ليس بصحيح لانه ما ورد من الروايات في صور اهل البرزخ انهم يبعثون في صور ابدانهم التي كانوا عليها في دار الدنيا حتى ان اهل البرزخ وهم الذين سبقوا من المؤمنين عندما يشاهدوه يقولون هذا فلان او ان المؤمن يبعث بصورة اشد نورانية‌ مما كان عليها في دار الدنيا بخلاف الكافر او المنافق او الفاسق فأنه يقتم لونه وتظلم روحه ويظلم جسمه وهذا ما دعمته المشاهدات والرؤى التي تواترت من مشاهدة اهل البرزخ وانهم على اي حال يشاهدون بنفس الصورة التي كانوا عليها.
المحاور: سماحة الشيخ للاخ عمار الجنابي سؤال آخر يقول الكافر يعذب في عالم البرزخ والمؤمن ينعم في عالم البرزخ، روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران فكيف يكون توجيه العدل الالهي بالنسبة للكافر الذي مات قبل الاف السنين والكافر الذي يموت قبيل يوم القيامة بقليل، والمؤمن الذي يتوفى قبل الاف السنين والذي يتوفى قبيل يوم القيامة والبعث يعني مدة التنعم ونزول العذاب كيف يمكن توجيه هذه الحالة؟
الشيخ محمد السند: ان النعيم والتنعيم كما ان العذاب لا يعتمد في درجته على المدة الزمنية والكمية بل هناك دلالات في الايات القرآنية ‌والاحاديث النبوية واحاديث المعصومين من اهل بيته ان الكيفية او الشدة والضعف هي ايضاً من ضمن الدرجات المؤثرة في نوعية‌ التنغيم والنعيم ونوعية العذاب والتعذيب وربما يكون متأخراً ولكنه سابق من حيث الرتبة، في الدرجات،«السابقون السابقون / ثلة من الاولين / وقليل من الآخرين» وان كانوا آخرين زمناً ولكنهم سابقون رتبة يتنعمون درجات عالية‌ من حيث الكيف والموقعية لا سيما وان البرزخ في جنب الآخرة ليس الا قطرة في بحر قمقام.
المحاور: سماحة الشيخ هل ان عامل الزمان في عالم البرزخ مشابه لعامل الزمان في عالم الدنيا؟
الشيخ محمد السند: باعتبار كون البرزخ نوع من الوجود الجسماني اللطيف فهناك له مقادير وحركات ونفذ ومقدارية وعينية وتناسب تلك المادة اللطيفة الاثيرية وبالتالي لها مقياس وان تلك المقادير اما تلك المقادير منطبقة على المادة‌ الغليظة طبعاً لا، الآن في عالم الدنيا هناك مقادير ونسب زمانية موجودة حتى في الاجسام الفيزيائية في دار الدنيا مثلاً حركة البلوتون والبروتون والمنظومة والذرة ‌زمان معين وشبه ذلك من حيث الصغر واللطافة تختلف من حيث الصغر واللطاقة بالاجسام الغليظة والكبيرة مثل الكواكب والمجرات بالتالي الازمة والمقادير مقايسيها ونسبها تختلف اختلافاً شاسعاً بسبب لطافت وغلظت ونوعية المادة بحسب كل نسبة في العالم الجسماني.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند هنالك اسئلة‌ اخرى نوكلها الى لقاء مقبل ان شاء الله شكراً جزيلاً، احباءنا الى ما تبقى من فقرات البرنامج.

*******

طيب اعزاءنا ننتقل الآن الى تلخيص اهم العبر المستفادة بشأن الروايات التي نقلناها آنفاً ولا حظنا انها تصرح باطلاع اهل البرزخ على احوال هاليهم في الدنيا وتأثرهم باعمالهم.
اولى هذه العبر هي ان على الاحياء ان لا ينسوا موتاهم ولا يغفلون عن التاصل معهم بزيارة قبورهم او فعل الخيرات لهم.
والعبرة الثانية هي ان على الاحياء ان يدخلوا السرور الى قلوب موتاهم بأن تكون اعمالهم صالحات بعيدة عنه كل ما يؤذي موتاهم فهؤلاء يطلعون عليها.
اما الآن فالى الفقرة الختامية في هذا اللقاء‌وهي ادبية وعظيمة اخترنا لها عنوان:

كيف تعامل الدنيا اهلها

عجيبة هي العلاقة بين الانسان والدنيا، فهي تعذب من غرق في حبها بعذاب سابق لعذاب الآخرة لكنها تنحني اجلالاً للمتحرر من أسرارها، لا حظوا اعزاءنا هذا المعنى مجسداً في الأبيات التالية لأحد شعراء الحكمة حيث يقول:

ارى الدنيا لمن هي في يديه

عذاباً‌كلما كثرت عليه

تهين المكرمين لها بصغر

وتكرم كل من هانت لديه

اذا استغنيت عن شيء فدعه

وخذ ما انت محتاج اليه

ويروى ان حيونه الزاهدة الأهوازية انها كانت تكثر ومن زيارة المقابر، فقيل لها يوماً: ما تعملين في المقابر، فأجابت شعراً:

وليس للميت في قبره

فطر ولا اضحى ولا عشر

بان من الأهل على قربه

كذاك من مسكنه القبر

فما اجدر بالاحياء ان يتابعوا فيما بينهم وبين الأموات من احبائهم وذوي الحقوق عليهم بفعل الخيرات واهداء ثوابها لهم. ختاماً نستودعكم الله احباءنا بكل خير والسلام عليكم ورحمة‌ الله وبركاته.

*******