الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على صفوته من خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم مستمعينا الاكارم ورحمة الله وبركاته، نعرفكم في مطلعها بعناوين فقراتها:
اجابة من الله على منكر ونكير
الآثار التكوينية للذنوب والتوبة
موت الفجأة وعبادة الطاغوت والدنيا
ولا نكن من الغافلين
اهلاً بكم احباءنا مرةً اخرى وشكراً لكم على جميل مرافقتكم لنا في فقرات هذا البرنامج
ارفدونا مشكورين ملاحظاتكم ومساهماتكم في البرنامج، ابعثوها لناعلى عناوين الاذاعه: ايرن - طهران - صندوق بريد ٦۷٦۷-۱۹۳۹۰.
وبريدنا الالكتروني وهو: [email protected].
وندعوكم لمتابعة حلقات البرنامج من الحلقة الاولى على صفحه اسلاميات في موقع الاذاعة على شبكه الانترنت وعنوانه هو: www.arabic-irib.ir.
*******
فالى الفقرة الاولى اعزاءنا وعنوانها هو:
اجابة من الله على منكر ونكير
تحدثنا في حلقات سابقة - ايها الاخوات والاخوة- عن الاعمال المعينة للانسان على اجتياز منزل مساءلة منكر ونكير في القبر بسلام.
وقد عرفنا جملة من هذه الأعمال استناداً الى ما جاء في كلام اهل بيت النبوة (عليهم السلام)، وعرفنا ان بعضها يقوم بها الانسان بنفسه في حياته الدنيا، كإحياء ليلة القدر او صوم تسعة ايام من شهر شعبان ونظائر ذلك.
وبعض تلك الاعمال يعينه بها محبوه عند وفاته وقبيل وبعد الدفن واهمها التلقين مع مراعاة الآداب الشرعية المذكورة.
ومن عظيم رحمة الله عزوجل بعباده ان هداهم في هذا المجال ايضاً الى عمل: لو فعلوه لفتح لهم باب ان يكون هو - وهو تبارك وتعالى ارحم الراحمين- الذي يتولى تلقين المؤمن ما يجيب به على اسئلة فتاني القبر.
فكيف تكون نجاة المؤمن في هذا المنزل الصعب لو كان الملقن له رب العالمين جل جلاله؟ تدبروا اعزاءنا في الرواية القيمة الآتية بعد قليل.
جاء في كتاب التفسير المنسوب لمولانا الامام ابي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) عن جده مولى الموحدين علي بن ابي طالب سلام الله عليه الحديث التالي الذي يعرفنا بالعمل المنجي بالكامل من صعاب منزل المساءلة.
قال (عليه السلام): من قوى مسكيناً في دينه، ضعيفاً في معرفته على ناصب مخالف فأفحمه، لقنه الله يوم يدلى في قبره ان يقول: الله ربي ومحمد نبي وعلي وليي والكعبة قبلتي والقرآن بهجتي وعدتي والمؤمنون اخواني والمؤمنات اخواتي.
ثم قال (عليه السلام): فيقول الله (عزوجل) [مخاطباً عبده]: ادليت بالحجة، فوجبت لك اعالي درجات الجنة.
ثم قال (سلام الله عليه): فعند ذلك يتحول عليه قبره انزه رياض الجنة.
*******
مستمعينا الاعزاء، ننقلكم الآن الى فقرة اخرى هي عبارة عن اتصال هاتفي اجراه زميلنا مع خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند، لنستمع معاً:
المحاور: سماحة الشيخ من الاسئلة التي وردت الى البرنامج من الاخ قاسم الحائري من مدينة كربلاء المقدسة يسأل عن مغفرة الذنوب كون الله تبارك وتعالى غفار الذنوب، يقول هل ان مغفرة الذنب تشمل ازالة الاثار التكوينية للذنب كما يفعل والعياذ بالله شرب الخمر تزول آثاره التكوينية بمغفرة الله تبارك وتعالى ام لا؟ تفضلوا.
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين، في الحقيقة ازالة التوبة الى الآثار التكوينية للذنب ربما يظهر من الادلة والايات انها بحسب درجة التوبة ودرجة الاستقامة على التوبة ودرجة التعالي في الكمال بعد ذلك على التوبة، كما لدينا...
المحاور: حبذا لو تكون الاجابة سماحة الشيخ من خلال مثال توضيحي في صدق التوبة، التوبة النصوح المقصود منها ام ان التائب يطلب من الله تبارك وتعالى ان يزيل اثار ذنوبه السابقة ام شيء آخر؟
الشيخ محمد السند: في الحقيقة التوبة هي من الرجوع والرجوع الى الباري تعالى على مدارج ودرجات من القرب والبعد وربما التائب يستغفر ويندم ويقلع عن ما ارتكبه من ذنب وهذا المقدار ادنى شرائط صحة التوبة ولكن ربما التائب يمضي قدماً متعالياً في درجات الخير واضداد المعصية التي كان عليها فلا ريب ان هذه التوبة رجوع اشد الى درجة قريبة من ذلك وهلم جرى.
المحاور: في هذه الحالة تكون للتائب اثار اكثر من مجرد رفع العقاب الاخروي عنه؟
الشيخ محمد السند: نعم.
المحاور: يعني يكون رفع العقاب الى جانب العقاب الاخروي ازالة الاثار التكوينية بأعتبار ان بعض الذنوب لها آثار تكوينية في الاخرة؟
الشيخ محمد السند: طبعاً بعض الآثار للمعصية كما ورد في الحديث النبوي «من ارتكب كبيرة فارقه عقل لا يرجع ابداً» حتى بعد التوبة حتى بعد الآخرة، يعني شعبة من شعب العقل تفارقه ولا ترجع اليه ابدا وهذه حرمان وفي الاية الكريمة تشير الى مثل هذا الاختلاف في الاثار الى قدرة وقوة التوبة على التغيير رغم ذلك تشير الآية الكريمة «ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين امنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون» مما يدلل على ان ارتكاب المعاصي والسيئات ولو يستغفر الانسان ويتوب ينجو بالتالي من سوء العاقبة وينجو من العذاب والعقوبة ولكن لا ريب ان امتيازات المتقي الموقن والمحافظ على الاستقامة والغير ملوث نفسه ولو بدرجة من الذنب لا ريب انه يكون اوفر حظاً في الآخرة وفي الدنيا....
المحاور: ولكن يبقى الباب مفتوحاً، يعني التائب من الذنب كمن لاذنب له؟
الشيخ محمد السند: طبعاً التائب ينتشل نفسه من الحضيض وينتشل نفسه من الهوان وماشابه ذلك ويرتقي ولكن لا ريب ان الاستقامة والمحافظة والحيطة تلك اكثر تعالياً.
المحاور: سماحة الشيخ لعلكم اجبتم ضمنياً عن الشطر الثاني من سؤال الاخ قاسم الحائري من كربلاء المقدسة عن معنى ابدال الله تبارك وتعالى سيئات التائبين الى حسنات وهل يمكن القول بأن هذه مرتبة عالية من مراتب ازالة آلاثار التكوينية للذنوب؟
الشيخ محمد السند: طبعاً هذا لطف الهي عظيم وربما تفسيره في الجانب والبعد الفلسفي والمعنوي يحتاج الى معونة واقتدار لكن ربما يقرب مفاد هذه الآية ما في بعض الروايات بأن اصحاب الجنة يرون مواضعهم في النار لو عصوا، واهل النار بحسب دركاتهم يرون مواضعهم في الجنة لو كانوا قد اطاعوا ومن الواضح ان كل من توغل شدة في الدركات لو كان قد عصى كان قد تعالى سمواً في الدرجات وبعبارة اخرى ان الملكات والقدرات في المخلوق يمكن ان يوظفها في طريق الخير ويمكن ان يوظفها في طريق الشر فبالتالي تلك الملكات اذا فرض تحلى الانسان بها ثم وظفها في طريق الخير بالتالي مثلاً اذا افترضنا ان عالماً في الذرة النووية ولكن يوظف هذا العلم الخطير في سفك دماء الشعوب وماشابه ذلك فهذا كثير من شدة الشر في آثار عمله ولكن لو بدل اتجاه عمله الى نفع البشرية وفي الموارد السلمية، الصحة والبيئة الزراعية وتوليد الطاقة الكهربائية فنفس الملكة التي كانت في طريق الشر تكون متلأ لئة نورانية في جانب الخير اذن الملكة بما لها من صفات عملية وعلمية وكذلك لو افترضنا ضابط جيش ولكن كان في جيش دولة الجور والظلم ولكن بعد ذلك تحول الى ضابط في دولة الحق وسبل السلام واستفاد من تلك المهارة التي لديه.
المحاور: فهذا نوع من اللطف الخاص والهداية الخاصة؟
الشيخ محمد السند: نعم يستطيع ان يوظف ملكاته في طريق الخير وتتبدل من سيئات الى حسنات.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً جزيلاً.
احبائي تفضلوا مشكورين لمتابعة ما تبقى من البرنامج.
*******
ما تستمعون له اعزاءنا هي الحلقة الخمسون من برنامج عوالم ومنازل وقد حان موعد لقائكم مع احدى غرر الروايات بشآن احوال عالم البرزخ كما عرفنا بها نبي الله عيسى (عليه السلام).
فكونوا معنا والفقرة التالية التي اخترنا لها عنوان:
موت الفجأة وعبادة الدنيا والطاغوت
(موت الفجأة) هو-مستمعينا الافاضل- من الظواهي التي امرتنا الاحاديث الشريفة بان نستعيذ بالله منه، وعرفتنا بالذنوب التي تسبب للانسان هذا النمط الخطير من الموت، واهمها المفاسد الأخلاقية.
ومثلما ان موت الفجأة يصيب الافراد، فانه قد يصيب المجتمعات ايضاً كما اخبرتنا بذلك روايات قصص الانبياء والامم السالفة: وبينت لنا بان موت الفجأة هو نتيجة لانماط معينة من الذنوب الاجتماعية.
وموت الفجأة اذا نزل بالمجتمعات يشمل حتى المتورعين عن الذنوب الاجتماعية التي سببته، وهذه من السنن القرآنية التي تشير اليها الرواية التالية والتي تحمل اكثر من عبرة مهمة.
روى ثقة الاسلام الشيخ الكليني في كتاب الكافي مسنداً عن مولانا الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: «مر عيسى بن مريم (عليه السلام) على قرية قدمات اهلها وطيرها ودوابها فقال: اما انهم لم يموتوا الا بسخطة ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا».
اي ان اهل هذه القرية - مستمعينا الافاضل- قد ماتوا فجأة نتيجة لعذاب الهي ما حق نزل بهم فلم يجدوا الفرصة لدفن جثثهم. وهنا يشير الامام الصادق (عليه السلام) الى ما ينبغي للمؤمن ان ينتبه اليه وهو يستمع للقصص الحق وهو ان يحصل على العبرة المطلوبة منها ويستفيد منها عملياً كما فعل حواريو عيسى عندما سمعوا قوله
قال (عليه السلام): «فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته، ادع الله ان يحييهم لنا، فيخبرونا ما كانت اعمالهم فنجتنبها».
فدعا عيسى (عليه السلام) ربه، فنودي من الجو ان نادهم، فقام عيسى (عليه السلام) بالليل على شرف من الارض [اي مرتفع]، فقال: يا اهل هذه القرية!
فأجابه منهم مجيب: لبيك يا روح الله وكلمته.
فقال [عيسى متسائلاً]: ويحكم ما كانت اعمالكم؟
قال [الرجل مجيباً]: عبادة الطاغوت وحب الدنيا مع خوف قليل وامل بعيد وغفلة في لهو ولعب.
وهنا ايها الاخوة والاخوات اخذ نبي الله عيسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام- يسأل الرجل عن طبيعة هذه الذنوب لكي يحسن الحواريون اجتنابها والتورع عنها.
فقال (عليه السلام): كيف كان حبكم للدنيا؟
قال [الرجل مجيباً ببيان دقيق]: كحب الصبي لامه، اذا اقبلت علينا فرحنا وسدنا واذا ادبرت عنا بكينا وحزنا.
قال [عيسى (عليه السلام) متسائلاً عن الذنب الثاني ومصداقه]: كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟
قال [الرجل مبيناً مصداق عبادتهم للطاغوت]: الطاعة لأهل المعاصي.
قال [عيسى (عليه السلام)]: كيف كانت عاقبة امركم؟
اجاب الرجل: بتنا ليلةً في عافية واصبحنا في الهاوية!
قال: وما الهاوية؟
قال: سجين
قال (عليه السلام): وما سجين؟
قال: جبال من جمر توقد علينا الى يوم القيامة.
ثم سأل عيسى (عليه السلام) الرجل عما جرى لهم بعدما رأوا مصيرهم في عالم البرزخ وهل حاولوا النجاة منه، قال: فما قلتم، وما قيل لكم؟
اجاب الرجل: قلنا: ردنا الىالدنيا فنزهد فيها، فقيل لنا: كذبتم.
اجل، فهذه كلمة يقولها الانسان بعد الموت عندما تكشف عن عينه أعظية الانشغال بالدنيا.
فيقول: رب ارجعون لعلي اعمل صالحاً، ولكنها كلمة خالية من الصدق ولذلك ترفض لأن صاحبها لو عاد الى الدنيا لا نشغل بها وغفل عن الآخرة مرةً اخرى.
نرجع احباءنا الى رواية مولانا الصادق (عليه السلام) فقد ذكر في تتمتها: آخر اسئلة عيسى المسيح (عليه السلام) للجرل: قال: كيف لم يكلمني غيرك من بينهم؟
اجاب الرجل: يا روح الله وكلمته، انهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد، واني كنت فيهم ولم اكن منهم، فلما نزل العذاب عمني معهم، فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم، لا ادري اكبكب فيها ام انجو منها!
اي ان هذا الرجل لم يكن عمله عمل اولئك المذبين بلجام النار فهو لم يكن منهم، ولكن رغم ذلك فقد شمله موت الفجأة وبقي في برزخه على خطر.
وعلى اي حال، يقول الامام الصادق (سلام الله عليه) في آخر الرواية: فالتفت عيسى (عليه السلام) الى الحواريين فقال: «يا اولياء الله اكل الخبز اليابس بالملح الجريش، والنوم على المزابل خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة».
هذه الرواية جديرة مستمعينا الأكارم بالمزيد من التأمل والتدبر والتفكر المنجي من اسر الغفلة عن حقائق الوجود والنجاة من مخاطر الانشغال بالدنيا وقيودها.
*******
وهذا المعنى تتضمنه الفقرة الادبيةالتالية والتي اخترنا لها عنوان:
ولا نكن من الغافلين
نلتقي اولاً في هذه الفقرة مع تجربة حكيم ابصر الدنيا وعرف حقيقتها فصاغ تجربته في هذه الأبيات البليغة، قال:
ومن يذق الدنيا فاني طعمتها
وسيق الينا عذبها وعذابها
فلم أرها الا غروراً وباطلاً
كما لاح في ظهر الفلاة سرابها
وما هي الاجيفة مستحيلة
عليها كلاب همهن اجتذابها
فان تجتنبها كنت سلماً لأهلها
وان تجتذبها نازعتك كلابها
ونقرأ لشاعر آخر من شعراء الحكمة تصويراً جميلاً لحال الغافل عن دار البقاء الذي نصب نفسه وسعيه لدار النفاء، قال:
عجبت للمرء في دنياه تطمعه
في العيش والأجل المحتوم يقطعه
يمسي ويصبح في عشواء يخبطها
اعمى البصيرة والآمال تخذعه
يغتر بالدهر مسروراً بصحبته
وقد تيقن ان الدهر يصرعه
ويجمع المال حرصاً لا يفارقه
وما درى انه للغير يجمعه
تراه يشفق من تضييع درهمه
وليس يشفق من دين يضيعه
واسوء الناس تدبيراً لعاقبة
من انفق العمر في ما ليس ينفعه
وقانا الله واياكم اعزاءنا الغفلة وويلاتها وشكر لكم عنه طيب متابعتكم لهذا البرنامج في حلقته هذا تأمل ان تكونوا معنا في الحلقه المقبلة بأذن الله، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******