بسم الله الذي هو في السماء اله وفي الارض اله، رب الآخرة والأولى البر اللطيف، وصلى الله على انوار هدايته ومعادن حكمته المصطفى محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته التي يسرنا ان نلتقيكم فيها مع الفقرات التالية:
مشاهدة الصور البرزخية للأعمال.
الرعاية البرزخية الابراهيمية لأطفال المؤمنين.
بين سراب الدنيا وحقائق الآخرة.
وفي غضون ذلك يجيب خبير البرنامج عن بعض اسئلتكم فيما يرتبط بموضوعاته.
مستمعينا الاكارم تواصلكم معنا عون لنا على تقديم فقرات البرنامج بما يزيد من نفعه لنا ولكم، فارفدونا باقتراحاتكم ومساهاتكم واسئلتكم تبعثونها على عناوين الاذاعة ومنها الالكتروني وهو:
والبريدي وهو: ايران طهران ص. ب ٦۷٦۷.

*******

اما الآن فمع اولى فقرات هذا اللقاء وعنوانها هو: 

مشاهدة الصور البرزخية للأعمال

من المنازل او المشاهد المهمة في عالم البرزخ مستمعينا الاكارم هو مشهد رؤية الانسان المتوفى في هذا العالم للصور البرزخية لأعمالة التي عملها في عالم الدنيا، وهذه المشاهد تكون سريعة الحصول بعيد وفاة الانسان وقبل البعث والحشر الأكبر.
هذه - مستمعينا الاعزاء- من حقائق الغيب التي اخبرتنا عنها منابع الوحي الالهي، مصرحة بأن الصوره او التمثلات البرزخية لأعمال الانسان تبقى مرافقة للانسان في عالم البرزخ والى يوم القيامة والحشر
هذا ما تصرح به كثير من الأحاديث الشريفة المروية في المصادر المعتبرة عند فرق المسلمين كافة مثل رواية وفود قيس بن عاصم في جماعة من بني تميم على رسول الله (صلى ‌الله عليه وآله) وهي رواية مشهورة، وقد نظم الصلصال او قيس بن عاصم نفسه مضمون حديث النبي الاكرم 
وكامل الرواية تستمعون لها احباءنا بعد قليل:
روي عن قيس بن عاصم قال: وفدت مع جماعة من بني تميم على النبي (صلى الله عليه وآله) فدخلت وعنده الصلصال... فقلت: يا نبي الله عظنا موعظة ننتفع بها فانا قوم نعبر في البرية
فأجاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) طلبه قائلاً:
يا قيس ان مع العز ذلاً وان مع الحياة موتاً وان مع الدنيا آخرة وان لكل شيء حسيباً وعلى كل شيء رقيباً، وان لكل حسنة ثواباً ولكل سيئة عقاباً ولكل اجل كتاباً.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): لابد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وانت ميت، فان كان كريماً اكرمك وان كان لئيماً اسلمك، ثم لا يحشر الامعك ولا تبعث الامعه ولا تسأل الاعنه فلا تجعله الا صالحاً، فانه ان صلح انست به وان فسد لا تستوحش الا منه وهو فعلك...
صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وهذا الحديث الشريف من الأحاديث الجامعة - مستمعينا الاكارم- في بيان حقيقة مشاهدة الانسان للصور البرزخية لأعماله او صورة المحصلة النهائية لهذه الأعمال في عالم البرزخ.
والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يصرح هنا بكل وضوح ان عمل الانسان يبقى معه مرافقاً له في عالم البرزخ بل ومؤثراً عليه، فيكون انيساً له ان كان العمل صالحاً او موحشاً له ومؤذياً بل ومعذباً ان كان عملاً فاسداً وهذا يعني ان الصورة التي يتمثل بها عمل الانسان لصاحبه في عالم البرزخ تكون صورة متناسبة مع حقيقة العمل، اما مؤنسة يقبل عليها الانسان او مؤذية موحشة ينفر منها.
والحقيقة المتقدمة اكدتها مجموعة اخرى من الأحاديث الشريفة منها مارواه ثقة الاسلام الكليني رحمه الله في الكافي بسنده عن الامام الصادق (عليه السلام) وفيه تصريح بتمثل عمل الانسان له في صورة ملكوتية برزخية.
قال (عليه السلام): اذا وضع الميت في قبره مثل له شخص فقال له: يا هذا كنا ثلاثة، كان رزقك فانقطع بانقطاع اجلك، وكان اهلك فخلفوك وانصرفوا عنك، وكنت عملك فبقيت معك.
بل ويستفاد - أيها الأخوة والاخوات من بعض الاحاديث الشريفة ان حتى ذنوب المؤمنين تبقى معهم في البرزخ وتؤذيهم.
اجل ما يستفاد من حديث مولانا الامام الصادق (عليه السلام) المروي في الكافي عن عمرو بن يزيد انه قال للامام الصادق: جعلت فداك ان الذنوب كثيرة كبائر فأجابه مولانا الصادق (عليه السلام): اما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع او وصي النبي، ولكني والله اتخوف عليكم في البرزخ.
اعاذنا الله واياكم مستمعينا الافاضل من الذنوب صغيرها وكبيرها.
اللهم أمين، وفي هذا الحديث الصادقي ابلغ الموعظة في لزوم الورع عن جميع المعاصي وعدم الاغترار بأصل الايمان فان عذاب البرزخ ليس باليسير.
ولذلك فحري بالمؤمن ان يديم تجديد التوبة الصادقة في كل حين مما علم من ذنوبه او مما نسي منها او مما لا يعلم.

*******

اعزاءنا المستمعين حان الآن موعدكم مع سماحه الشيخ محمد السند وهو يتفضل مشكوراً بالاجابة عن بعض اسئلتكم للبرنامج.
المحاور: سماحة الشيخ من الاسئلة التي وردت للبرنامج، سؤال من القطيف من الاخ ابي محمد يقول ما هو حكم عدم مراعاة الاحتياط في امور تسبب الموت او قد تسبب الموت مثل قيادة السيارة بسرعة عالية، هل هي من مصاديق الانتحار ام ان لها علاقة معينة بقضية القضاء والقدر تفضلوا سماحة الشيخ؟ 
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، في الحقيقة القاء الانسان نفسه في التهلكة لا يخرج ذلك من نوع من الانتحار ولا منافاة بين كون الفعل اختيار من الانسان ومقدر في القضاء والقدر، كتابة‌ الامر في القضاء والقدر لا يوجب كون ذلك الفعل جبرياً او ان الانسان ملجأً عليه لان لا منافاة بين علم الله في قضاءه وقدره وبين اختيارية افعال الانسان وصدورها عن اختيار واساءة الاختيار واساءة التعبير ترجع اللائمة على الانسان نفسه. 
المحاور: يعني سماحة الشيخ عدم مراعاة الاحتياط ومن يصدق عليها نوع من القاء النفس في التهلكة؟
الشيخ محمد السند: طبعاً الاحتياط في الامور الخطيرة والهامة شأنه يكون بنحو العزيمة‌ مع معرفية الانسان لحفظ نفسه ونفوس الآخرين في نظم الحياة المعاشية في جملة من الموارد الخطيرة، لا يمكن، فرضاً مثل قائد الطائرة هو ادنى ازلة او غفلة‌ او اهمال تختلف عن بقية اعضاء المجتمع في تصرفاته لانه مرتهن في عمله حياة مئات النفوس من ركاب الطائرة كذلك في الحقيقة كل من يتولى في النظام الاجتماعي سواء‌ المهني او السياسي او الامني او العسكري زلته قد تذهب فيها ارواح وضحايا ابرياء كثيرين فمن ثم اليقظة والحيطة وشدة الحفاظ تشتد اكثر واكثر.
المحاور: من الاخ فؤاد احمد من العراق يسأل عن قضية سماع الانسان المتوفى للاحياء؟ يعني هل يسمع كل من يتوفى الى حديث او ان يقرأ شيء عند قبره، هل يسمعه ام ان الامر مرتهن بقضايا اخرى؟
الشيخ محمد السند: يعني عند زيارة الحي للميت؟
المحاور: نعم يعني عند زيارة مقصودة او غير مقصودة، عند قبر الميت جماعة‌ يتحدثون او يقرأون شيئاً، الميت قهراً يسمع لكلامهم او ان هنالك اذا كانوا متوجهين اليه يسمعهم؟ 
الشيخ محمد السند: في الحقيقة الذي يتبين من روايات اهل البيت عليهم السلام وروايات سيد الانبياء سيدهم ان بنبسبة معينة هناك اطلاع من الموتى عندما يدور عند الاحياء اما ان الموتى يطلعون على كل ما عند الاحياء فأن كانوا في قرب من مثاويهم وقبورهم او بعد عنهم فهذا امر آخر ليشاهد من الروايات انهم لا يطلعون على كل شيء وهذا في غير المعصومين اما في جملة‌ من اوساط الناس من الموتى، الظاهر انهم لا يتمكنون او لا تجري سنة الله على ان يطلعوا على كل ما عند الاحياء، بنسبة معينة فأنهم يطلعون.
المحاور: هناك بعض الرويات تشير الى قضية الاخفاء يعني الله تبارك وتعالى يخفي عن المؤمنين الامور التي تسيئهم وفيما يرتبط بعوائلهم، على العكس بالنسبة للكافرين، يخفي عنهم الامور التي تكون مساويء لهم لكي تكون ايضاً من مصاديق العذاب في البرزخ او التنعم، مثل هذه الروايات هل يفهم منها ان الاساس او الاصل هو اطلاع اهل البرزخ على احوال اهل الدنيا وما يستثنى مثلاً بقيد آخر؟
الشيخ محمد السند: الظاهر ليس الحال كذلك لان عبر المشاهدات والروايات المذكورة في جملة من الحوادث وجملة من الوقائع يظهر انه ليس الاطلاع بحسب درجات الموتى، يعني بحسب درجته من القرب الالهي وعلوه يمكن ان يطلع بشكل اكثر عنه عن الاحياء، شوهدت امور وموارد كثيرة قد في امور حساسة في بعض الاحيان في الظواهر الاجتماعية‌ العامة حتى قد لا يطلع عليها الموتى، وان كانوا من اهالي العلم والفضيلة او من درجة، هي في الحقيقة امور نسبية.
المحاور: ولكن الاصل ثابت؟
الشيخ محمد السند: نعم اصل الاطلاع بنسبة وبحسب درجات الموتى.
المحاور: الشيخ محمد السند اسئلة اخرى نوكلها للحلقة المقبلة ‌شكراً جزيلاً.

*******

نتابع مستمعينا الاكارم تقديم الحلقة التاسعة والاربعين من برنامج عوالم ومنازل من اذاعة طهران شاكرين لكم طيب المتابعة وتواصلكم معنا.

الرعاية الابراهيمية لأطفال المؤمنين

تترداد مستمعينا الاكارم الاسئلة فيما يرتبط بمصير الذين يتوفون وهم اطفال دون سن البلوغ والتكليف الشرعي، كيف يكون مصيرهم في عالم البرزخ؟
ومنشأ احد الأسئلة هو اننا عرفنا من الأحاديث الشريفة ان عالم البرزخ هو روضة من رياض الجنة بالنسبة للمؤمنين او حفرة من حفر النيران بالنسبة للكافرين، فما حال موتى الأطفال في عالم البرزخ وليس لهم طاعات ولا معاصي بالمعنى المألوف لدى البالغين؟
في الاجابة عن هذا السؤال نجد في الأحاديث الشريفه ما يبين لنا عدة حالات لأوضاع هؤلاء الأطفال في عالم البرزخ بعضها فيه اكرام لابائهم اذا كانوا من المؤمنين، نستمع الى نصين فيما يرتبط بهذه الحالة بعد قليل.
النص الاول رواه الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) في اماليه بسنده عن عبدالرحمن بن غنم الموصوف بأنه من كبار ثقات التابعين، وفي الحديث اشارة الى جانب من رواية الاسراء والمعراج بالحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله). 
جاء في هذه الرواية: لما أري بالنبي (صلى‌ الله عليه وآله) مر على شيخ قاعد تحت شجرة: وحوله اطفال، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من هذا الشيخ يا جبرئيل.
اجاب جبرئيل (عليه السلام) مخاطباً سيد المرسلين صلى الله عليه وآله: هذا ابوك ابراهيم (عليه السلام)، فقال (صلى الله عليه وآله): فما هؤلاء الأطفال حوله؟ 
قال جبرئيل: هؤلاء اطفال المؤمنين حوله يغذوهم.
اما الرواية‌ الثانية فقد جاءت في تفسير الشيخ الجليل علي ابن ابراهيم (رضوان الله عليه) مسندةً عن الصادق (عليه السلام) انه قال: ان اطفال شيعتنا تربيهم فاطمة (عليها السلام).
يتضح من هذين الحديثين ان ثمة كرامة الهية لاطفال المؤمنين بالخصوص في عالم البرزخ وهذه من الثمار التي يولدها الايمان الصادق وتخرج عن دائرة شخص المؤمن الى ذريته في عالم الآخرة.
ولكن ما هو حال من يتوفون صغاراً من اولاد غير المؤمنين؟ الاجابة عن هذا السؤال تأتيكم مستمعينا الاكارم ان شاء الله في الحلقة المقبلة.

*******

اما الآن فالى الفقرة التالية وعنوانها هو: 

بين سراب الدنيا وحقائق الاخرة

من بليغ الاشعار في التحذير من الدنيا والاستعداد للآخرة ما جادت به قريحة الأديب الولائي الشيخ ابراهيم المبارك البحراني رحمه الله المتوفى سنة ۱۳۹۹ للهجرة 
قال رحمه الله في احدى مرثياته لسيد الشهداء ‌الحسين بن علي (عليهما السلام):

اذا كان غايات الهوى الموت بالهوى

فغاية موت بالهواية ‌عار

فعد عن الدنيا فما هي بغية

وما هي الا معبر ومزار

وما مكثت نزالها غير انهم

أقاموا بها بعض المقيل وساروا

فأين الملوك الضاربون على السهى

قباباً عليها سطوه وذمار

الى ان رماهم مارمى الناس قبلهم

وأقفر منهم مربع وديار

وغيرت الدنيا عليهم كأنهم

من الارض ما كانوا هناك وصاروا

وتأسيساً على الحقيقة الوجدانية التي المحت اليها الأبيات المتقدمة يدعو الشاعر المبارك الى التزود لمسيرة ما بعد الحياة الدنيا فيقول في قصيدة اخرى:

قضى الله ان الكائنات الى فنا

وان منايا الناس منهم بمرصد

تودع من يدعى الى غير موعد

ويوشك ان تدعى على غير موعد

وانت على علم من السير خلفهم

ويدعوك داعيهم له فتزود

وله (رضوان الله عليه) عتاب لمن عرف هذه الحقائق وغفل عن ان يكون سعيه في الدنيا على مقتضاها، فيقول:

أتعذر أم تلوم المستهاما

وهل اصغى للائمة ملاما

فهلا انت منتبه تماماً

لامر كنت تعرفه تماما

اذا كان المدام تراه شراً

فما معنى ادامتك المداما؟

ومادام الغنا لغواً وزوراً

فمالك انت تألفه دواما؟

أليس الله يبغض من تعاطي

الأغاني او ترنح او ترامى؟

وفي القرآن يمدح تاركيه

اذا مروا به مروا كراما

الهو والقيامة عن قريب

ونوم والمنون اتى نياما

ويختم (حمه الله) هذا المقطع- بوصف لطيف للدنيا فيقول:

وما في هذه الدنيا مقام

ولا نزل ولا حسنت مقاما

فلم تر لا معاً الا سراباً

ولم تر زبرجاً الا جهاما

وما اوفت لمن وعدت بوعد

ولا راعت وان حلفت ذماما

اجارنا الله واياكم اعزاءنا من الاغترار بسراب الدنيا وزخرفها وزبرجها مهما كانت مظاهره فهي جميعاً زبد آيل الى زوال.
اللهم آمين، انتهى وقت هذه الحلقة الى لقاء آخر نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******