الحمد لله اللطيف الذي لا يوصف بكيف حبيب قلوب الصادقين وصلى الله على خيرته من خلقه محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم مستمعينا الاكارم ورحمة الله وبركاته، نعرفكم اولاً بعناوين فقراتها وهي:
منزل منكر ونكير
امتحان للصدق في عالم البرزخ
الصور البرزخية للشك واليقين
التجافي عن دار الغرور
وفي غضون ذلك يجيب خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند عند أسئلتكم الكريمة للبرنامج.
*******
فالى الفقرة الأولى وهي عن احد المنازل المهمة في مسيرة الانسان في عالم البرزخ والقبر، وذات ثمرة عقائدية مهمة عنوان الفقرة هو:
منزل منكر ونكير
روي عن النبي الاكرم )صلى الله عليه وآله( كما في كتاب «الدعوات» للسيد الثقة القطب الراوندي (رضوان الله عليه) انه قال: «ان لله تعالى ملكين يقال لهما ناكر ونكير ينزلان على الميت فيسألانه عن ربه ونبيه دينه وامامه، فان اجاب سلموه الى ملائكة النعيم وان ارتج عليه سلموه الى ملائكة العذاب».
ومعنى «ارتج عليه» - ايها الاخوات والأخوة- هو ان الكلام استغلق عليه وعجز عن النطق والاجابة. واصل هذا المضمون اي مسائلة الملكين للانسان بعيد موته منصوص عليه في كثير من الاحاديث الشريفة، ولذلك وجب الايمان به ولو مجملاً.
واهم من الاعتقاد به اعزاءنا هو الاستعداد له بما يمكن الانسان من تقديم الاجابات الصحيحة عن هذه الاسئلة فهي التي تدراً عنه العذاب وتنقله الى روضة برزخية من رياض الجنة.
اما اذا لم يستطع الجواب وعجز عن ذلك- والعياذ بالله من ذلك- نقلته ملائكة العذاب الى حفرة برزخية من حفر النيران اجارنا الله واياكم منها.
ولكن كيف يتمكن الانسان من تقديم هذه الاجابات المنجية؟
*******
الاجابة نقرأها لكم في احاديث اهل بيت النبوة عليهم السلام في الفقرة التالية وعنوانها هو:
امتحان للصدق في عالم البرزخ
روى ثقة الاسلام الكليني في الكافي مسنداً عن الامام موسى الكاظم عليه السلام انه قال:
يقال للمؤمن في قبره: من ربك؟
فيقول: الله.
فيقال له: ما دينك؟
فيقول: الاسلام.
فيقال: من نبيك؟
فيقول: محمد (صلى الله عليه وآله).
فيقال: من امامك؟
فيقول: فلان...
ولاحظوا مستمعينا الاكارم السؤال التالي فهو يشتمل على الاجابة عن السؤال الذي عرضناه قبل قليل عن كيفية الاستعداد للاجابات المنجية عن هذه المسائلة في القبر.
اجل احباءنا، فبعد ذلك يقول مولانا الكاظم سلام الله عليه: فيقال [اي للميت]: كيف علمت بذلك؟
فيقول: امر هداني الله له وثبتني عليه... ثم يفتح له باب الى الجنة فيدخل اليه من روحها وريحانه...
اذن يتضح من حديث امامنا موسى الكاظم صلوات الله عليه أن الاجابات المنجية حقاً عن اسئلة منكر ونكير او فتاني القبر هي التي تكون صادرة عن نفس مطمئنة ثابته على مقتضيات هذه الحقائق الايمانية قد حصلت عليها بالاستعانة بهداية الله عزوجل وثبتت عليها بمعونته.
وهذه الحقيقة مستمعينا الاكارم تزداد وضوحاً عندما نتدبر في تتمة حديث الامام موسى الكاظم عليه السلام وهو يبين حال الكافر وهو يجيب عن هذه الاسئلة نفسها.
يقول سلام الله عليه في تتمة الحديث المتقدم:
ويقال للكافر: من ربك؟
فيقول: الله.
فيقال: من نبيك؟
فيقول: محمد.
فيقال: ما دينك؟
فيقول: الاسلام.
فيقال: من أين علمت بذلك؟
فيقول: سمعت الناس يقولون فقلت.
وعبارة (سمعت الناس يقولون فقلت) تشير مستمعينا الأعزاء الى ان الاعتقاد بهذه الحقائق الايمانية لم يكن راسخاً في قلب هذا الشخص الذي وصفه الحديث بأنه كافر للتنبيه الى عدم صدق ايمانه وان كان ظاهره الاسلام ولذلك ترفض منه هذه الاجابات وينزل به العذاب البرزخي.
يقول مولانا الكاظم عليه السلام في تتمة الحديث: «فيضربانه بمرزبة لو اجتمع عليها الثقلان: الانس والجن لم يطيقوها،... فيذوب كما يذوب الرصاص...».
من هنا مستمعينا الافاضل وصفت بعض الاحاديث الشريفة مسائلة منكر ونكير للمتوفى بأنها امتحان، اي امتحان لصدق الايمان، فهي ليست استجواباً كالاستجوابات المألوفة في الحياة الدنيا يمكن للمجيب ان يصدق فيها او يكذب والعياذ بالله.
اجل هذا ما يشير اليه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في حديثه المروي في الكافي مسنداً عن جابر بن عبد الله عنه صلى الله عليه وآله حيث يبين حال الانسان المنحرف عند موته وفيه يقول في ختامه: «فاذا ادخل حفرته ردت الروح في جسده وجاء ملكا القبر فأمتحناه...».
كما نجد في احاديث اخرى ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) سما هذين الملكين بأسم «فتاني القبر»، واصل الفتنة هو الامتحان لتمييز حقائق الاشياء، والمراد هنا تمييز الصادق في ايمانه عن الكاذب والعياذ بالله.
ايها الاخوة والأخوات، حديث الامام الكاظم عليه السلام يبين حال بعض غير الصادقين في ايمانهم وهم يقدمون اجابات صحيحة عن اسئلة الملكين لكنها لا تعبر عن ايمان حقيقي.
ولكن يستفاد من احاديث اخرى ان بعضاً اخر من هؤلاء يعجزون بالكامل عن تقديم الاجابات والنطق كما لاحظنا في الحديث النبوي الذي افتتحنا به هذه الفقرة.
*******
وثمة احاديث اخرى تبين وقوع آخرين في حالات من الشك القائل في تلك اللحظات الحرجة هو الصورة البرزخية لعدم استقرار حقائق الايمان في قلوبهم عندما كانوا في الحياة الدنيا، تدبروا معنا فيها في فقرة عنوانها:
الصور البرخية للشك واليقين
روى الحسين بن سعيد في كتابه عن سليمان بن خالد انه سأل الامام الصادق عليه السلام عما يلقى صاحب القبر؟
فقال (عليه السلام): ان ملكين يقال لهما: منكر ونكير يأتيان صاحب القبر فيسألانه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقولان: ما تقول في هذا الرجل الذي خرج فيكم؟
فيقول: من هو؟
فيقولان: الذي كان يقول: انه رسول الله، احق ذلك؟
ثم قال الامام الصادق عليه السلام في بيان اختلاف الناس في الاجابة عن هذا السؤال:
قال: فاذا كان من اهل الشك قال: ما ادري! قد سمعت الناس يقولون، فلست ادري احق ذلك ام كذب؟ فيضربانه ضربةً يسمعها اهل السموات...
لاحظوا مستمعينا الاعزاء كيف ان مولانا الصادق سلام الله عليه يصرح بان حالة الشك التي رافقت هذا الانسان في دنياه تبقى حاكمة عليه في تلك اللحظات فيعجز عن تقديم الاجابة المنجية فيقع في أليم العذاب.
وعلى الطرف المقابل فان الذي طلب الهداية والتثبيت الالهي على العقائد الحقة في دنياه يتمكن من تقديم الاجابات المنجية كما يخبرنا امامنا الصادق عليه السلام في تتمة الحديث المتقدم.
يقول (سلام الله عليه): واذا كان متيقناً فانه لا يفزع فيقول: اعن رسول الله تسألاني؟
فيقولان: اتعلم انه رسول الله؟
فيقول: اشهد انه رسول الله حقاً جاء بالهدى ودين الحق.
ثم قال عليه السلام مشيراً الى عاقبة الموقن بالعقائد الحقة: فيرى مقعده من الجنة ويفسح له عن قبره، ثم يقولان له: نم نومةً ليس فيها حلم في اطيب ما يكون النائم.
اذن يتضح ايها الاخوة والاخوات ان من اهم وسائل الاستعداد للنجاة من منزل مساءلات فتاني القبر هو ترسيخ الايمان الحق والاستهداء بالله عزوجل في الحصول عليه والاستعانة به تبارك وتعالى للثبات عليه.
وتبقى فيما يرتبط بهذا الموضوع اسئلة اخرى اهمها هي: ما هي الأمور التي يسأل عنها الانسان في هذا الموقف؟ وهل ان المساءلة تشمل جميع الناس ام لا؟
الاجابات عن هذه الاسئلة نوكلها اعزاءنا الى الحلقة المقبلة ان شاء الله عزوجل، اما الآن فنختم هذه الفقرة بموعظة بليغة رواه العياشي في تفسيره مسنداً عن زيد الشحام ان الامام الصادق عليه السلام سئل عن عذاب القبر فروى عليه السلام في الجواب الحديث التالي عن ابيه الامام الباقر عليهما السلام.
قال: ان رجلاً اتى سلمان الفارسي فقال: حدثني، فسكت عنه، ثم عاد فسكت، فأدبر الرجل وهو يقول ويتلو هذه الآية: «ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب».
وواضح ان في تلاوة الرجل لهذه الآية تعريضاً بسلمان لأنه سكت ولم يحدثه بشيء عن رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه توسم فيه انه ليس من العاملين، ولكن لما سمع هذا التعريض نبهه الى سر سكوته.
قال سلمان رضوان الله عليه للرجل: اقبل، انا لو وجدنا اميناً لحدثناه، ولكن اعد لمنكر ونكير اذا اتياك في القبر فسألاك عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فان شككت او التويت ضرباك على رأسك بمطرقة معهما تصير منه رماداً...
*******
مستمعينا الاكارم، ننقل الآن الميكرفون الى اتصال هاتفي اجريناه مع سماحة الشيخ محمد السند وعرضنا عليه بعض اسئلتكم بشأن موضوعات البرنامج.
المحاور: سماحة الشيخ الاخ ابو محمد من القطيف يقول في سؤال مطول مختصره هل ان الروايات، رواية اغراء الشيطان للانسان بالكفر عند الاحتضار هي روايات صحيحة؟ واذا صحت فكيف يمكن الله تبارك وتعالى الشيطان من الانسان وهو على حالة الضعف والتي قد يستجيب له الشيطان بحكم ضعفه فيخسر ما قدم من اعمال صالحة، الا تقتضي الرحمة الالهية ان يمد الله تبارك وتعالى يد العون للمحتضر في ساعات الضعف تلك؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين، في الحقيقة الروايات في هذا المضمار مستفيضة وثابتة ولكن هذا الافتتان والامتحان للمحتضر ليس عام وشامل لعموم المسلمين وانما هو افتتان وامتحان لتلك المجموعة من المؤمنين او لذلك النمط من المؤمن او المسلم الذي يمارس اعمال معينة تورث افتتانه وامتحانه بالشيطان ودعوته واغراءه وتلبيسه على المؤمن في حالة الاحتضار في حالة سوقه الى عالم البرزخ والا فهناك جملة من الاعمال الخيرة مذكورة في الروايات واذا مارسها الانسان يعصم ويؤمن ويحتصن ويحصن من تلك الفتنة وذلك الامتحان فمثلاً منها دعاء العديلة، اذا الانسان ادمن دعاء العديلة فأنه يورث الحصن الحصين من ذلك الافتتان وهناك جملة من الاعمال مذكورة ذكرها الصدوق في ثواب الاعمال، تورث الامان من هذا الافتتان فالعكس هناك اعمال سيئة قد تكون حتى مكروهة او محرمة ينجم منها شدة الافتتان عند الموت بمكائد ابليس ومكائد الشيطان فهي اذن نتيجة اعمال الانسان السابقة وكما يشير القران الكريم في موارد وآيات عديدة الى ان العمل الصالح ينجم منه بيئة صالحة وحالات صالحة تساعده في الرقي على الصلاح اكثر فأكثر والاعمال السيئة لا سمح الله هي تورث بيئة سيئة وتساعد على انزلاق الانسان والهوي في المهالك اكثر فأكثر فمن ثم الانسان لا يستهين بالمعصية مهما صغرت ومهما قلت ولا يستهين بالحسنة مهما قلت ومهما صغرت لان الحسنة تورث الحسنة والسيئة تورث السيئة وهلم جرى ولو اراد الانسان ان يورث هذه الحالة ربما لو اصاب الانسان ابتلاء شديد من قبيل امتحان فقد عزيز مثلاً، حالة افلاس او حالة خوف ورعب شديد او مرض شديد المهم ابتلاء شديد يقض بمضجع الانسان، يشاهد الانسان بحسب درجة ايمانه ويقينه ان الوساوس وحالة التمرد الروحي ربما تبدأ عند الانسان تتفعل تجاه الساحة الربوية والعياذ بالله وربما اساء السؤ مع الله والانكار وكفر النعمة مع الله عزوجل هذه شبيه بحالات الاحتضار، اذن هو حالة شدة وشدائد يمر بهولها الانسان حينها يضعف وتخور قوى الانسان وبالتالي فقط يبقى ايمانه ويقينه ومن ثم يجد الشيطان حينئذ فرصة ومجالاً واسعاً وفسحة للانقباض على الانسان ان لم يكن قوي الايمان بأعتبار ان لو تخور قوى الانسان فحالة الاحتضار الشديد حالة الابتلاء الشديد حالة المرض، حالة فقد عزيز، اذا كانت رباط العلاقة مع الله تبارك وتعالى عنده قوية فبيقينه وايمانه وحبه لباريه وتوكله على باريه وحسن ظنه بباريه اذا كان قوياً جداً فلن يتمكن حينئذ الشيطان لا في حالة الشدائد التي تمر به في وسط العمر والحياة ولا في حالة الاحتضار التي هي الشدة وشدائد شديدة جداً لم يمر بها الانسان من قبل.
المحاور: سماحة الشيخ يمكن ان يقال ان ما تفضلتم به يشير الى ان حالة الهجوم الشيطاني او هذه التلبيسات عند الاحتضار لصدق الانسان بأرتباطه بالله تبارك وتعالى خلال حياته الدنيوية جمعاء؟
الشيخ محمد السند: نعم بالضبط هكذا، امتحان لدرجة ايمان الانسان وبالتالي لدرجة ايمانه وحبه لباريه ومعرفته بباريه وتوكله عليه وحسن ظنه بباريه، حسن الظن يعكس مدى الحب وعلاقة المحبة بين العبد والباري وان كانت قوية والتوكل كان قوياً يدل على صدق معرفته بباريه ويقينه بجود الباري وكرم الباري وبالتالي صفاته وصفات جمال الباري تبارك وتعالى واما اذا كان ولا سمح الله كان يقين الانسان ومعرفته ضعيفة بالتالي يتقاعس عن حسن الظن والتوكل.
المحاور: وهي بالتالي من مظاهر الرحمة الالهية، سماحة الشيخ محمد السند الوقت المخصص لهذه الحلقة اوشك على نهايته شكراً جزيلاً اسئلة اخرى ان شاء الله في لقاءات مقبلة.
*******
وها نحن اعزاءنا نصل الى الفقرة الختامية، وهي ادبية اخترنا لها عنوان:
التجافي عن دار الغرور
للشاعر الولائي الأديب ان داغر الحلي: وهو من أعلام شعراء اهل البيت عليهم السلام في القرن الهجري التاسع ابيات مؤثرة في الدعوة للحذر من الدنيا والاستعداد للآخرة.
وقد جاءت هذه الأبيات في مقدمة قصيدة له في رثاء سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام، وفي هذه الأبيات يصف الأديب حال المتعظ بالآيات الالهية والمتجافي عن دار الغرور فيقول:
تذكر ما احصى الكتاب فتابا
وحاذر من مس العذاب فذابا
بكى ذنبه واستغفر الله ربه
ونادى منادي رشده فأجابا
تذكر اوزاراً جناها بجهله
واشفق من اوزاره فأنابا
رأى السعي في الدنيا - خلا سعي بلغة-
ضلالاً وللاخرى رآه صوابا
فلام على التفريط في السعي نفسه
فقال لها عذلاً لها وعتابا
اذا كانت الدنيا غروراً لطالب
فكيف تخيرت الغرور طلابا
الا فاستقيلي وارجعي مطمئنة
اذا شئت فوزاً او خشيت عقابا
وعندك علم ان من عاش ميت
وان له عند الممات مآبا
وملت الى لذات دنياً دنية
فهل خفت موتاً أو رجوت حسابا
وختاماً تقبلوا منا جميل الشكر على طيب متابعتكم لفقرات البرنامج والى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******