الحمد لله المجير للعائذين به من هول المطلع وضيق المضجع المتفضل عليهم بخير ما قبل الموت وما بعده.
والصلاة والسلام على صفوة عباده المعينين للمتوسلين الى الله بهم على سكرات الموت وضيق القبر وضغطته ووحشته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في الحلقة السادسة والثلاثين من حلقات هذا البرنامج يسرنا ان نلتقيكم فيها مع الفقرات التالية:
اعمال وعبادات تدفع ضغطة القبر ووحشته.
رؤيا السيد احمد الخميني لوالده وسؤاله عن البرزخ.
الشيخ محمد السند واجوبة اسئلة المستمعين.
ابيات علاء الدين الحلي في استقبال الموت ونعم الجوار.
كونوا معنا في فقرات البرنامج.
*******
اعمال وعبادات تدفع ضغطة القبر ووحشته
روي انه كان من ادعية مولانا الصادق (عليه السلام) قوله: «اللهم بارك لي في الموت، اللهم اعني على سكرات الموت اللهم اعني على غم القبر اللهم اعني على ضيق القبر اللهم اعني على وحشة القبر...».
اضافة الى هذا الدعاء الشريف عرفتنا احاديث اهل بيت النبوة (عليهم السلام) بكثير من الاعمال والعبادات المؤثرة في الامور المنجية من عذاب القبر وضغطته التي تحدثنا عنها مفصلاً في الحلقة السابقة.
وقد جمع الشيخ المتعبد عباس القمي (رضوان الله عليه) جملة من هذه المنجيات في كتابه القيم منازل الآخرة، ننقل لكم شطراً منها مع توضيحات واضافات في الفقرة التالية وعنوانها هو:
بعض الاعمال المنجية من ضغطة القبر تشتمل على الاهتمام بتلاوة بعض السور القرآنية من الانسان نفسه قبل وفاته او من احبائه على قبره بعد وفاته.
بالنسبة للنوع ورد التركيز على ثلاث سور هي النساء والزخرف والقلم فقد روي في كثير من المصادر مسنداً عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: «من قرأ سورة النساء في كل جمعة أومن من ضغطة القبر».
كما روي عنه (عليه السلام) انه قال: «من ادمن قراءة حم الزخرف آمنه الله في قبره من هوام الارض وضغطة القبر».
وروي عن الامام الصادق )سلام الله عليه) انه قال: «من قرأ سورة ن والقلم في فريضة ونافلة آمنه الله عزوجل من أن يصيبه فقر ابداً واعاذه الله اذا مات من ضمة القبر».
ولا يخفى احباءنا ان المقصود من قراءة هذه السور المباركة هو تلاوتها مع حضور القلب قدر المستطاع فمرتبة النجاة من ضغطة القبر وتحقق الآثار المذكورة في الآحاديث الشريفة المتقدمة مرهونة بحضور القلب عند تلاوتها والتأثر القلبي بمضامين هذه السور المباركة.
وهذا الامر يصدق على تلاوة سورة التكاثر التي تذكر بالموت وتذكر بلزوم الاستعداد له، فتلاوتها من المنجيات من ضغطة القبر، وهذا ما اخبرنا به الصادق الامين نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله).
فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال: «من قرأ ألهاكم التكاثر عند النوم وقي من فتنة القبر».
اما السور التي ذكر ان تلاوتها على روح المتوفى تؤثر في رفع عذاب القبر عنه، فأهمها سورة الملك فقد روى القطب الراوندي في كتاب الدعوات عن ابن عباس ان رجلاً ضرب خباءه على قبر ولم يعلم انه قبر، فقرأ سورة (تبارك الذي بيده الملك) فسمع صائحاً يقول: هي المنجية.
فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: هي المنجية من عذاب القبر. وهذا المعنى مروي في كتاب الكافي مسنداً عن الامام الباقر (عليه السلام) انه قال: «سورة الملك هي المانعة تمنع من عذاب القبر».
وهذه الاحاديث الشريفة احباءنا تفتح امام المؤمنين باباً من ابواب فعل الخير للذين سبقونا الى عالم البرزخ وانقطع عنهم ما يعينهم على صعابه، فما اجمل بالمؤمنين ان يلجوا هذا الباب ويعينون المنقطعين في عالم البرزخ على عقباته، سواءً كانوا من احباءهم او من غيرهم.
ومن المنجيات المهمة من عذاب القبر بعض الصلوات المندوبة اهمها نافلة الليل التي هي براق السلوك الى الله - عزوجل- كما ورد في الحديث الشريف المروي عن مولانا الامام الحسن العسكري (عليه السلام).
اجل فمن آثار صلاة الليل النجاة من عذاب القبر ومن ضغطة القبر فقد روي عن مولانا الامام الرضا (صلوات الله وسلامه عليه) انه قال: «عليكم بصلاة الليل، فما من عبد يقوم آخر الليل فيصلي ثمان ركعات وركعتي الشفع وركعة الوتر واستغفر الله في قنوته سبعين مرة الا أجير من عذاب القبر ومن عذاب النار ومد في عمره ووسع عليه في معيشته».
اجل، وثمة صلوات واعمال وادعية اخرى سنتناولها ان شاء الله في الحلقة المقبلة، ونشير هنا الى ان من اهم الامور في هذا المجال هو مراقبة الانسان لحركاته وآثارها على الآخرين، بمعنى ان لكل ما يقوم به الانسان في هذا العالم يجد آثاره في عالم البرزخ.
*******
رؤيا السيد احمد الخميني لوالده وسؤاله عن البرزخ
هذا الامر مستفاد من كثير من النصوص الشريفة ومن سير الصالحين ومنها رؤيا صادقة موثقة نقلت عن السيد احمد الخميني (رضوان الله عليه)، ننقلها لكم:
نقل السيد الطاهري الخرم آبادي انه زار المرجع الكبير الشيخ الوحيد الخراساني بعد وفاة السيد احمد الخميني، فرآه متأثراً بشدة، فسأله عن سبب هذا التأثر؟
أجاب الشيخ الوحيد الخراساني: زارني السيد احمد قبل وفاته بأيام قليلة، فسألته: هل رأيت الامام الخميني بعد وفاته في عالم الرؤيا الصادقة؟
أجاب: أجل رأيته مرةً وسألته: كيف هو عالم الآخرة؟
اجاب الامام (رحمه الله) عن سؤال ولده قائلاً: يا احمد، لقد عبرت انا ولكن الامر صعب للغاية.
يقول السيد احمد: ثم حرك والدي يده وقال: يا احمد، حتى حركة يدك بهذه الصورة، فسترافقك هذه الحركة هنا ايضاً وينبغي ان تعد جواباً عن علة تحريكها بهذه الصورة.
تابع السيد احمد نقل رؤياه الصادقة هذه فقال (رحمه الله): عندما سألت والدي: ما الذي ينبغي عمله اذن؟
قال لي ثلاث مرات: كن صالحاً.
*******
الشيخ محمد السند وأسئلة المستمعين
أما الآن نتابع تقديم برنامج عوالم ومنازل بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ محمد السند اهلاً ومرحباً بكم:
المحاور: سماحة الشيخ من الاخ ابي محمد من القطيف سؤال ورد للبرنامج يقول فيه، الله - تبارك وتعالى- يعلم كثيراً من خلقه سيعصونه ويستحقون بذلك الشقاء والخلود في النار فلماذا خلقهم وهو رؤوف رحيم وغني عن عذابهم؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين. لابد ان نعلم ان خلقت الاشقياء كأبليس وغيره من حزبه المتمردين الظالمين ليس هو نقمة عليهم، وليس شقاء لهم في كون هم اشقياء، بل هو في عين الحكمة والخير والنفع، سواء بالنسبة لهم او بالنسبة الى نظام الخلقة، اما بالنسبة للاخرين فالامتحان الذي يقع فيه الآخرون عندما يبتلون به الاشقياء يكون امتحان تكامل لهم ورقي الدرجات وعالي المقامات.
المحاور: يعني من خلال الابتلاء بهؤلاء الاشقياء والصبر على اذاهم وغير ذلك يحصلون على مراتب من الثواب؟
الشيخ محمد السند: نعم وربما يستفيد من بعض الاحاديث عنهم (عليهم السلام) على اية حال هذا استظهار من بعض اهل المعرفة، استظهر من بعض الاحاديث والامر راجع الى استظهار ايما كان، استظهر ان خلق الشياطين هو نوع من الحراسة للملكوت عن ان ينفذ فيه القلوب الانسانية غير الطاهرة، القلب غير الطاهر بعين بصيرته لا يستطيع ان ينفذ الى الملكوت الا اذا كان طاهراً ولو كان غير طاهر يبتلى اذا بمشاغبة الشياطين وحيلولتهم دون نفوذهم الملكوت فهذه على اية حال نوع من الحراسة الى المنازل والعوالم الطاهرة ونوع من التربية والامتحان على اية حال هذا كمثال والامثلة كثيرة، هذا بالنسبة للآخرين واما بالنسبة اليهم فلابد ان نعلم ان اصل الوجود خير ورحمة كبيرة حتى الوجود في الخلود بالنار في اصل وجوده رحمة لان العذاب في الحقيقه نوع من المداواة للمتكبر والجاحد توجب هذه الحالة، حالة العذاب ارعوائه او ارعواءه ولو هو في حال العذاب الى الباري تعالى والى عبوديته وخضوعه للباري تعالى.
المحاور: سماحة الشيخ عفواً كيف يكون الوجود بحد ذاته خيراً وهو قد يؤدي الى العذاب؟
الشيخ محمد السند: لان العذاب حالة طارئة لاصل الوجود فبعبارة اخرى وجود المخلوق بحالة معرفته بربه وفي حالة خضوعه لربه لا ريب ان هذا الوجود نوع من الكمال والرحمة وان كانت مصحوبة بزمجرة عذاب.
المحاور: هل يمكن عفواً تشبيه الامر بأعتبار ان هذه من الاسئلة؟
الشيخ محمد السند:مثل المريض الذي يداوى في اثناء عملية جراحية وعملية المداواة وهي وان كانت اذية له وانما هي نوع من الانجاء له.
المحاور: ومتفق هو افضل من ان يموت.
الشيخ محمد السند: نعم افضل من ان يموت يعدم ويباد، الحقيقة الخلود في العذاب اصعب موضع من الاشكال الذي هو جدل معرفي قديم في العلوم المعرفية القديمة، الخلود في العذاب هو نفس العذاب سواء بدأه او استمراره وخلوده اذا اذعنا ان نفس العذاب بدأً او خلوداً هو نوع من الاخضاع الرباني للمتمرد الجاهل بمعرفة ربه لكي يعرف ويخضع الى ربه، غاية الامر ان هذا لا يخضع الى الكمال الا بأضافة العذاب عليه آن فآن، العذاب وان كان مراً لكن معرفة الله احلى واكمل، اذن لذلك لا يتمنى لان في العذاب خوف الزوال، زوال الكمال، زوال الراحة، زوال الطمأنية، نفس الزوال اذن مخيف اذن من يفيض عليه اصل الوجود فهذا عين الرحمة لكنه غاية الامر ان قسماً من الخلق كالجن والانس بعض منهم لا يصل الى كمال ربه، الكمال والخضوع لمعرفة ربه وهي اكبر الكمالات ومن كمال راحت البطن، راحت الشهوة وراحت ونعومة الحرير، معرفة الرب لا ريب انها كمال كبير، هذا الكمال لا يصل اليه شطر من نمط من الخلقة الاعبر العذاب.
المحاور: سماحة الشيخ اخيراً هل يمكن القول ان من الظلم ان لا يخلق الله - تبارك وتعالى- او لا ينقل من العدم الى الوجود من هو مستعد للوجود ويمكن ان يكون وجوده مفتاح الوصول الى الكمال؟
الشيخ محمد السند:لا ريب ان الجود والرحمة الالهية الواسعة هي تفيض الجود وهي الوجود والرحمة على كل قابل ومستعد.
المحاور: يعني ذيل سؤال الاخ هو كأنه يستند بالرحمة الالهية للاعتقاد بأنه لم يكن مفروض ان يخلقهم، في حين يمكن ان تكون الرحمة والرأفة الالهية والغنى هو سبب لخلقهم بأعتبارهم مستعدين للوجود والوجود بحد ذاته خير يمكن ان يوصل الى مقامات.
الشيخ محمد السند: حتى الوجود في العذاب هو رحمة لان قد غفل عنه في التدبر والنظر حتى عند كبار العرفاء الذين ربما استشكلوا في خلود العذاب فأبن عربي او غيره لم يتفطنوا الى وجه الرحمة حتى في خلود العذاب وهو انه في توسط العذاب تتحقق معرفة المتمرد لربه فأذن المعرفة التي هي كمال كبير واصل وجوده الذي هو عليه الرحمة وهو فيض الهي وجودي هذا يتحقق في الحقيقة في نفس حال العذاب اذن هذا كمال، عذاب باطنه الرحمة.
المحاور: وهذا تعبير قرآني ظاهرة العذاب وباطنه الرحمة سماحة الشيخ شكراً جزيلاً، احباءنا الى ما تبقى من البرنامج.
*******
أبيات الشيخ علاء الدين الحلي في استقبال الموت
نتابع ايها الاخوة والاخوات تقديم هذه الحلقة وهي الثامنة والثلاثين من برنامج عوالم ومنازل، وها نحن نصل الى فقرتها الاخيرة وهي ادبية تشتمل على ابيات جميلة لها ارتباط بموضوعات البرنامج:
نقل العلامة الاميني (رضوان الله عليه) في الجزء السادس من موسوعته القيمة الغدير ابياتاً للعالم الفاضل والاديب الشاعر علاء الدين علي بن الحسين الحلي الذي شهد له مترجموه بصدقه في اقتفاء أثار اهل بيت النبوة (عليهم صلوات الله جميعاً) هذا الشاعر الولائي هو من اعلام الاولياء في القرن الهجري الثامن وهو صاحب القصائد الغديرية السبع، ويكفيه فخراً ان العلامة الجليل والفقيه البارع الشهيد الاول قد شرح احد قصائده هذه وهي الغديرية الثانية.
لهذا الولي الصادق ابيات قالها في المرض الذي توفي فيه، تصور حالة المؤمن في وداع الدنيا، قال فيها:
آن الرحيل وحق فينا ما ترى
وسرت لقطع مفازة البين السرى
وظعنت عمن ود يوم ترحلي
لو انها بالروح لي عوض ترى
وتصرمت ايامنا فكأنها
كانت وكنا طيف احلام الكرى
ونقلت من سعة القصور وروحها
فرداً الى ظلمات اطباق الثرى
ومروعة بالبين كاد فؤادها
من هول يوم البين ان يتفطرا
وتقول اذ آن الرحيل ودمعها
قد خط في الحذ المخدد اسطرا
فإلى من الملجا سواك لنا اذا
شطت صروف الدهر او خطب عرا
فأجبتها والعين كوب فراقها
تهمي على خدي نجيعاً احمرا
انتم وديعة ذي الجلال كما غدا
شخصي وديعة حيدر خير الورى
ايها الاخوة والاخوات لهذه الابيات المؤثرة تتمة اشد تأثيراً سننقلها لكم في الحلقة المقبلة ان شاء.
ومسك ختامها هذا الحديث الشريف المروي عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: «من عمل من المسلمين عن ميت عملاً صالحاً اضعف له اجره ونفع الله به الميت».
صدق ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله) وجعلنا الله واياكم من المصدقين العاملين للخير الذاكرين للآخرة واهلها.. اللهم آمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.