موضوع الحلقة:
• الشيخ محمد السند يجيب عن سؤال إطلاع النبي(ص) على أعمال الامة بعد وفاته
• دعاء ندبة للمهدي في ضواحي عاصمة دار السلام في البرزخ
• لقاء لبهلول بهارون وأشعار فيما بعد الموت
*******
الحمد لله الرؤوف بعباده السالك بمن شاء منهم الى رضوانه والصلاة والسلام على شفعائه المرضيين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته اهلاً بكم ومرحباً في الحلقة الثلاثين من حلقات هذا البرنامج الذي نسعى فيه الى ان يكون عوناً لنا ولكم مستمعينا الافاضل في النجاة من اسر الخضوع لظاهر الحياة الدنيا وبالتالي الغفلة عن العوالم الاخرى.
نسأل الله ان تقضوا وقتاً طيباً مع فقرات هذه الحلقة التي سنخصص الاولى منها للحديث عن كيفية نزع روح المؤمن وما يظهر فيها من مظاهر رحمة الله جل جلاله ولطفه.
اما الفقرة الثانية فنستضيف فيها سماحة الشيخ محمد السند للإجابة عن بعض الاسئلة الواردة منكم بشأن موضوع البرنامج ثم نتابع رحلة بطل رواية (سياحت غرب) في عالم البرزخ وتشكيل مجالس فيها لدعاء الندبة، ولنا في الفقرة الاخيرة لقاء بين بهلول العاقل وهارون الغوي وموعظة بليغة في ذكر الدار الآخرة التي جعلها الله للذين لا يريدون علواً في الارض ولا فساداً.
*******
فالى الفقرة الاولى وعنوانها هو:
بشارات الهية عند الموت
يستفاد من كثير من النصوص الشريفة ان كيفية قبض الروح تختلف بين انسان وآخر بما يتناسب مع عمله وحالاته الروحية.
هذا صحيح، لكننا عرفنا في حلقات سابقة ان سكرات الموت شديدة وصعبة على كل انسان مؤمناً كان او كافراً بحكم شدة الالفة والانس بين الانسان وبين متعلقات هذه الحياة الدنيا.
اجل ولكن ثمة عدة نصوص شريفة تبين لنا عظمة الرأفة الربانية بالمؤمنين اذ تصرح بأجراءات معينة يأمر بها الله عز وجل لتخفيف شدائد الموت على المؤمنين.
اذن لننقل طائفة من هذه الاحاديث الشريفة في هذا الباب ومن المناسب ان نشير اولاً الى ان الآيات الكريمة تميز بوضوح بين طريقة توفي الملائكة للظالمين وبين توفيهم للمؤمنين.
العياذ بالله من حالة الظالمين عند الموت فالآيات الكريمة تصرح بأن ملائكة الله يضربون وجوههم وادبارهم في تلك الحالة فتشتد عليهم سكراتها في حين ان الملائكة يتلقون المؤمنين بالبشرى والسلام، الامر الذين يهون عليهم سكرات الموت.
اول النصوص التي اخترناها في هذا الباب هو حديث قدسي رواه الشيخ المفيد في اماليه مسنداً عن الامام زين العابدين (عليه السلام) انه قال: قال الله عز وجل:
ما من شيء اتردد فيه مثل ترددي عند قبض روح المؤمن، يكره الموت واكره مساءته، فاذا حضر اجله الذي لا تأخير فيه، بعثت اليه بريحانتين من الجنة تسمى احداهما المسخية والاخرى المنسية فاما المسخية فتسخيه عن ماله واما المنسية فتنسيه امر الدنيا.
والمراد من المسخية اي التي تجعل الانسان سخياً يقطع اواصر التعلق بمظاهر الحياة الدنيا من الاموال والاهل والديار وغير ذلك وتكون النتيجة ان هذه الريحانة تسهل على الانسان اهم منابع صعوبة وعسر الموت على الانسان وهو التعلق بالدنيا وشؤونها.
الانسان عامة يرى وجوده بهذه المظاهر الدنيوية وكأنه يرى نفسه عدماً اذا فصل عنها فاذا نساها سهل عليه الانتقال الى العالم الآخر.
وقد تكون في تعبير الريحانة اشارة الى ان الله عزوجل يريه من مظاهر منزلته في الآخرة ما يجعله يدرك ان حياته الحقيقية ووجوده الحقيقي في العالم الآخر.
لعلها هي البشارة الالهية التي اشار اليها امير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) في حديث الاربعمائة المروي في كتاب (خصال الصدوق) حيث يقول فيه (عليه السلام): «تمسكوا بما امركم الله به فما بين احدكم وبين ان يغتبط ويرى ما يحب الا ان يحضره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما عند الله خير وابقى وتأتيه البشارة من الله عزوجل فتقر عينه ويحب لقاء الله».
وفي الحديث العلوي المتقدم اشارة الى حضور النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) عند كل محتضر وهذا موضوع سوف نتناوله ان شاء الله في حلقة مقبلة، اما الآن فننقل حديثاً آخر عن كتاب (جامع الاخبار) فيه تفصيل للبشارة الالهية للمؤمن عند الاحتضار.
اجل فقد روي في الكتاب عن سيد الرسل (صلى الله عليه وآله) انه قال: اذا رضي الله عن عبد قال (يعني الله عزوجل عند حلول اجل هذا العبد): يا ملك الموت اذهب الى فلان فاتني بروحه... قد بلوته فوجدته حيث احب. فينزل ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة معهم قضبان الرياحين واصول الزعفران، كل واحد منهم يبشره ببشارة سوى بشارة صاحبه، ويقوم الملائكة صفين لخروج روحه معهم الريحان.
ثم يبين (صلى الله عليه وآله) اثر ذلك في حفظ المؤمن من مكائد ابليس في تلك اللحظات، فيقول: فاذا نظر اليهم ابليس وضع يده على رأسه ثم صرخ، فيقول له جنوده: مالك يا سيدنا، فيقول: اما ترون ما اعطي هذا العبد من الكرامة؟ أين كنتم عن هذا؟
قالوا: جهدنا به فلم يطعنا.
مستمعينا الافاضل في الحلقة القادمة سنتعرف على كيفية نزع روح الكافر والفاسق والعاصي اعاذنا الله واياكم منها، اما الآن فننقل الميكرفون لهذا اللقاء الهاتفي مع ضيف البرنامج.
*******
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم. شكراً لكم احباءنا على متابعتكم هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل وفي هذه الفقرة التي نتصل هاتفياً بسماحة الشيخ محمد السند ليتفضل مشكوراً بالاجابة عن اسئلتكم، سماحة الشيخ السلام عليكم.
الشيخ محمد السند: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ الاخت ام هاشم لها سؤال بشأن ما يقوم به الانسان من اعمال خير يهديها الى الموتى من صالحي المؤمنين عموماً او من ارحامه، تسأل هل يمكن ان تهدى هذه الاعمال لاكثر من شخص واحد هذا هو الشق الاول من سؤالها، الشق الثاني هل تنفع هذه الاعمال في رفع درجات الموتى المؤمنين ام انها ترفع عنهم بعض العذاب او تزيد في نعيمهم فقط، تفضلوا سماحة الشيخ؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، وبعد نعم قد وردت النصوص الشرعية الكثيرة عن النبي واهل بيته عليهم انه يسوغ اهداء الثواب لاكثر من عمل واحد او لاكثر من ميت ولو حتى اهداها لجميع المؤمنين الاولين والآخرين لصح ذلك.
المحاور: يعني تصلهم بنسب متساوية؟
الشيخ محمد السند: هذا يعود طبعاً لفضل الله الكريم وبنية العامل في عمله بل حتى انه قد ورد عما يزيد في ذلك في النيابة في الموارد المشروعة كالحج مثلاً لان اهداء الثواب تختلف صيغته الفقهية والكلامية عن النيابة، النيابة ليس فقط اهداء ثواب بل ذات العمل من الاصل يكون بنية الميت فورد انه في الحج النيابي هو ان يستنيب عن ميت او اثنين او ثلاثة او اكثر او عموم المؤمنين، اقول المؤمنين من محبي اهل البيت (عليهم السلام) فهذا اذن صائغ والحاصل ان النيابة في العبادات امر غير اهداء الثواب واهداء الثواب صيغته اسهل مؤونة واخف وطئة وسائغة لكل عدد وتحضرني لفتة من احد اهل المعنى يقول بين احد المؤمنين والمؤمن الآخر طلبة ودين من الحقوق الاخوية الذي كان الاخ الآخر مكبل بها هذا الاخ الآخر المديون لتلك الحقوق التي ربما ما راعاها لاخيه المؤمن كان يطوف في البيت الحرام نيابة عن شيعة امير المؤمنين فسبحان الله هذا الاخ الآخر رأى فيما يرى الرائي انه هناك شخص نوراني مما يتصرف في ارادته وفي قلبه من حيث لا يريد عفا عن ذلك الاخ المؤمن ولما رجع من سفر الحج اخبره بذلك قال له كنت حينها اطوف نيابة عن شيعة امير المؤمنين.
المحاور: نعم، سماحة الشيخ الشطر الآخر من سؤالها رفع الدرجات يعني اعمال الخير يمكن ان ترفع درجات المؤمنين المتوفين او تزيد من نعيمهم في عالم البرزخ؟
الشيخ محمد السند: هذه الحسنات شأنها شأن الميت لو كان عمل بها في حياته ان كانت له سيئات تمحوها وان لم تكن له سيئات فتزيد من حسناته ودرجاته وقد يكون كيفية العمل بدرجة خالصة وراقية مقبولة بشدة عند الله عزوجل فيكون تبديل السيئات في آن واحد تبديلها حسنات ودرجات وهذا يعتمد على العمل ودرجة خلوصه.
المحاور: وهل تستمر آثار هذا الى القيامة؟
الشيخ محمد السند: هذا يرتبط طبعاً مع نمط العمل لابد يدخر له وتأثير ومدى آثار الاعمال الصالحة تختلف عن بعضها البعض والاعمال الصالحة آثارها فقط برزخية وليست اخروية وبعض آثارها في عرصات يوم القيامة والصراط وبعض آثارها في الجنة وبعض آثارها كما ذكر المحدث الشاه آبادي رحمة الله عليه آثارها ما فوق الجنة، آثارها ورضوان من الله اكبر من الجنة.
المحاور: يعني مثلاً كشاهد على ذلك حديث الامام الرضا (سلام الله عليه) من زارني كنت له في ثلاث مواقف، هذه المواقف بعضها تطاير الكتب وبعضها عن الصراط وبعضها عند الميزان وبعضها في القبر، آثار الاعمال تختلف بحسب قوة العمل ونوعيته ودرجته وقوة بقاء الاثر والعمل نفسه.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند هنالك اسئلة اخرى مشكورين تجيبون عنها في الحلقة المقبلة ان شاء الله شكراً جزيلاً جزاكم الله خيراً وجزا مستمعينا الافاضل خيراً على طيب المتابعة.
*******
سياحت غرب (القسم الثلاثون)
نتابع في الفقرة اللاحقة ايها الاخوة والاخوات رواية (سياحت غرب) وقد وصل المطاف ببطلها الى ضواحي عاصمة دار السلام في عالم البرزخ، لكن رياضها الجنانية لم تستطع ان تزيل حزناً عميقاً تأجج في قلبه، فما هو سر هذا الحزن؟
نسعى للتعرف على الاجابة في هذا القسم من الرواية ضمن فقرة:
مسيرة الارواح بعد الموت
تجمع حولي اولئك الاطياب الذين كانوا قد وصلوا الى تلك الروضات الغناء المحيطة بعاصمة دار السلام من عالم البرزخ، وقال لي بعضهم: لقد حيرتنا حالتك يا اخانا! ما سر هذا الحزن الذي خيم عليك؟ انت هنا في روضة من رياض الجنة البرزخية واذا دخلت عاصمة دار السلام رايت ما هو ابهى منها، فلا ينبغي ان يبقى في قلبك حزن او غم، فما اغرب ما انت فيه!
اجبتهم: بل ما اغرب حالكم انتم اذ لا ارى عليكم مسحة الحزن واراكم تجهلون سر ما انا فيه!
قالوا: اذن بين لنا ما نجهل عسى ان يزول استغرابنا او نصير الى حالة يزول معها استغرابك انت!
قلت: يا قوم الستم من اهل مودة محمد وآل محمد روحي لهم الفداء؟!
قالوا: بلى، والا لما كان لنا مقام في هذه الرياض المباركة.
قلت: اتراكم تجهلون ان ثأر الحسين (عليه السلام) لازال يستصرخ ولازال حبيبنا المهدي يبكيه صباحاً ومساءً بانتظار يوم الثأر الالهي، فكيف يطيب لكم التنعم ومولاكم على هذه الحال؟!
علت علامات التأثر وجوه القوم وهم يسمعون كلامي، وقالوا جواباً عن سؤالي الاخير: نعلم ان مولانا المهدي ينتظر الفرج منذ اكثر من الف عام، ولكن الامر بيد الله، ونحن هنا لا نستطيع فعل شيء قلت: ولكن الا تستطيعون ان تهجروا التنعم وتتضرعوا الى الله لكي يعجل الفرج لامامكم الذي تعشقونه بكل وجودكم وقد عاينتم اليوم ثمار مودته بعد ان كشف عنا الغطاء وصارت ابصارنا اليوم حديد؟!
قال احدهم: اي والله صدقت، انني اشعر بالخجل من تنعمي هنا بكل هذه النعم ومولاي المهدي يكابد في دار الدنيا آلام الغربة والانتظار وقال آخر: يا ويح نفسي، كيف ندعي محبته وشرط المحبة الصادقة مواساة الحبيب...
وتعالت صرخات الآخرين بكلمات مماثلة جياشة بالمشاعر التي كانت تعتمل في قلوبنا ونحن نقراً في صباح الجمعات دعاء الندبة المهدوية.
انفض عني اولئك الجمع الى خيامهم وقد انقلبت حالهم، ثم رأيتهم يعودون بعد ان هجروا تلك الخيام وما فيها من وسائد وحور وولدان وخدم وحشم، عادوا الى حفاةً حاسري الرؤوس وتحولقوا حولي فاخذنا ندعو ونتضرع معاً ونخاطب مولانا المهدي بتلك الكمات المفعمة بالالم والمواساة: ليت شعري اين استقرت بك النوى، بل اي ارض تقلك او ثرى؟ ابرضوى او غيرها ام ذي طوى عزيز علي ان ارى الخلق ولاترى ... عزيز علي ان تحيط بك دوني البلوى ولاينالك مني ضجيج ولا شكوى ... بنفسي انت من مغيب لم يخل منا بنفسي انت من نازح ما نزح عنا بنفسي انت امنية شائق يتمنى من مومن ومومنة ذكراً فحنا...
وها نحن نصل مستمعينا الاكارم الى الفقرة الاخيرة من برنامج عوالم ومنازل ومع هذه الرواية والموعظة البليغة.
يروى ان هارون الغوي شهير خلفاء بني العباس قال لبهلول وقد التقاه في الكوفة عندما مر بها هارون وهو في طريقه الى الحج، قال له: كنت اليك بالاشواق يا بهلول.
فاجابه بهلول: ولكني لم اشتق اليك!
فقال هارون الملقب بالرشيد مرائياً: عظني يا بهلول.
فرد عليه بهلول: وبم اعظك؟ هذه قصورهم وهذه قبورهم!
ثم قال هارون: امرنا ان يقضى دينك.
فرفض بهلول وقال: كلا لا يقضى دين بدين، اردد الحق على أهله واقض دين نفسك من نفسك، فهذه نفس واحدة ان هلكت ما انجبرت.
فقال هارون مراوغاً: امرنا ان يجرى عليك ما شئت من العطاء.
فأبى بهلول وقال: احسبت ان الله يعطيك وينساني!
ومن لطيف شعر بهلول في ذكر الموت قوله:
حقيق بالتواضع من يموت
وحسب المرء من دنياه قوت
فما للمرء يصبح ذا اهتمام
وشغل لا تقوم له النعوت
صنيع مليكنا حسن جميل
وما ارزاقنا مما يفوت
فياهذا سترحل عن قريب
الى قوم كلامهم السكوت
انتهى احباءنا الوقت المخصص لهذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل، الى لقاء آخر نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******