موضوع الحلقة:
• ذكر الموت والتحرر من أسر الدنيا وعبوديتها 
• ذكر الموت والاندفاع للعمل الصالح وإعمار الآخرة 
• مقابلة مع الشيخ محمد السند عن معنى عالم الذر وخصائص 
• الموت ولقاء الله 
• مسيرة الارواح بعد الموت (القسم الثالث)

*******

والحمد لله الذي قدر الموت بين عباده رحمة بهم وتدبيراً لايصالهم الى هداهم وتأهيلاً لهم لحياة الخلود ونشأة البقاء. والصلاة والسلام على شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء محمد وآله الاصفياء السلام عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة الله وبركاته.
تحية مباركة نفتتح بها الحلقة الثالثة من هذا البرنامج.
ونعلن في بدايتها عن موضوعها الرئيسي وهو خصائص المنزل الاول الذي يمر به الانسان في رحلته الى الحياة الاخروية الخالدة. والى جانب هذا الموضوع ستكون لنا وقفة مع ضيف البرنامج وهو يحدثنا عن عوالم تسبق عالم حياتنا الدنيا. لكي نعرف ان موت الانسان هو كولادته في هذه الدنيا ليس نهاية لوجوده بل هو انتقال من دار الى دار او من عالم الى عالم.
في الحلقة السابقة تعرفنا على الرؤية القرآنية لحقيقة الموت وعرفنا انه يشكل احد المظاهر البارزة لرحمة الله بعباده واحد مصاديق حسن واتقان النظام الذي رتبه عزوجل لتدبير شؤونهم بما يهديهم الى سعادتهم الحقيقية.

*******

كانك ذكرت بهذه الحقيقة كمدخل لبيان احدى الخصائص التربوية المهمة لهذه المنزل تتحصل للانسان حتى قبل ان يدركه الموت. صحيح فمعرفة حقيقة الموت تعين الانسان على العمل الصالح الذي يوصله الى السعادة الحقيقية، كما تعينه على اجتناب الاعمال التي تجلب له الشقاء في حياته الاخروية. اتذكر هنا حديثاً نبوياً بليغاً في بيان هذه الخصوصية رواه الشيخ البرقي في كتاب المحاسن عن رسول الله صلى الله عليه وآله، في جواب من سأله: أي المؤمنين أكيس؟ 
وماذا كان جوابه صلى الله عليه وآله؟
قال: اكثرهم ذكرا للموت واشدهم استعداداً له.
لعل في حديث الامام الباقر عليه السلام: ما يبين سر كون افضل المؤمنين اكثرهم ذكراً للموت واشدهم استعداداً له.
ائمة العترة هم حفظة ومفسروا سنة جدهم (صلى الله عليه وعليهم) فاي حديث باقري تعني؟
اعني ما روي في المحاسن ايضاً مسنداً عن ابي عبيدة انه قال للامام الباقر عليه السلام: جعلت فداك حدثني بما انتفع به فقال عليه السلام: يا ابا عبيدة ما اكثر ذكر الموت انسان الا زهد في الدنيا.
صدق ابن رسول الله، فمعرفة حقيقة الموت والايمان بها قلبياً تجعل الانسان يدرك ان الدنيا دار ممر وليست مقراً، فكيف يتوجه الى اعمارها ويستهلك طاقاته في السعي لجمع ما هو مفارقه فيها، ولذلك كان ذكر الموت خير وسيلة للتحرر من اسر الدنيا والتوجه لاعمار الآخرة.
روى الامام الباقر عليه السلام عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال في موعظة بالغة:
جاء الموت بما فيه جاء بالروح والراحة والكرة المباركة الى جنة عالية لاهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم، وجاء الموت بما فيه جاء بالشقوة والندامة والكرة الخاسرة الى نار حامية لاهل دار الغرور الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم.
الا تجدون في الاحاديث الشريفة المتقدمة ونظائرها تفسيراً وبياناً لمعيار قرآني مهم لتمييز أولياء الله حقاً عن الادعياء؟
كانكم تشيرون الى نظائر قوله تعالى في سورة البقرة: «قل ان كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين / ولن يتمنوه ابداً بما قدمت ايديهم والله عليم بالظالمين / ولتجدنهم احرص الناس على حياة ومن الذين اشركوا يود احدهم لو يعمر الف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب ان يعمر والله بصير بما يعلمون».
الخطاب هنا وان كان بشأن اليهود والمشركين الا ان فيه بعداً عمومياً، بمعنى يمكن للمؤمن ان يستنبط منه معياراً يزن نفسه به ويعرف مدى صدقه في محبة الله والاستعداد للقائه عزوجل والاستعداد للانتقال الى الدار الآخرة.
ادعية ائمة اهل البيت عليهم السلام تعلمنا ان نطلب من الله عزوجل ان يجعل الحياة زيادة‌ لنا في كل خير والوفاة راحة لنا من كل شر كما في دعاء الامام زين العابدين عليه السلام.
صحيح فهي في الواقع تعلمنا ان قيمة الدنيا ليست بذاتها بل بما هي مزرعة وبما هي دار ممر فاذا اتخذها الانسان ممراً ومزرعة يزرع فيها الخيرات فالبقاء فيها خير له، اما اذا اتخذها مقراً لا يسعى لغير اعماره فيزرع فيها ما هو شر له في حياته الاخروية، فالبقاء فيها شر له.
هذه حقيقة واقعية يمكن استفادتها من الآيات المتقدمة وكثير غيرها من الآيات الكريمة‌ والاحاديث الشريفة، ولكن ما اردت الاشارة اليها من دلالات الآيات المتقدمة ‌امر آخر و ما هو هذا الامر؟
اردت الاشارة الى ان هذه الآيات الكريمة تنبهنا الى ان على المؤمن ان يكون مجتهداً باستمرار في الاستعداد للموت هذه عبرة مهمة خاصة وان الله عزوجل قد اخفى عن عباده اجالهم فلا تدري نفس متى وبأي ارض تموت. ولذلك ينبغي ان يكون الانسان مستعداً للموت في كل حين. وكيف يكون مستعداًً للموت في كل حين.
لو سمحتم تكون الاجابة عن هذا السوال بعد استراحة قصيرة نرجع الى سوالنا الاخير فكيف تجيبون عنه؟
يستفاد من النصوص الشريفة ان الانسان يكون مستعداً للموت اذا كان قلبياً وعملياً في حركة مستمرة من السعي للخير، او حسب التعبير القرآني «مهاجراً الى الله ورسوله».
ما ابلغ واجمل الآية الكريمة المائة من سورة ‌النساء وهي تقرر هذه الحقيقة في قوله عز من قائل:
«ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً».
رحم الله الامام العارف السيد الخميني، فقد بين ان المصداق العام لهذه الآية الكريمة هو ان يخرج الانسان من منزل التوجه للنفس وعبوديتها مهاجراً الى الله ورسوله والمعنى العام هو ان يخرج الانسان من اسر عبودية الاخلاد للحياة الدنيا ساعياً في عمله لاعمار حياته الاخروية، فمن كانت حركته وسعيه بهذا الاتجاه فهو مستعد باستمرار للموت.
وهذا هو جوهر والمغزى الحقيقي من جملة الاعمال التي ذكرت النصوص الشريفة ان من يموت وهو اخذ بها مات شهيداً مثل ان يموت وهو ذاكر لله عزوجل او وهو على‌ وضوء. والعكس صحيح ايضاً، فمن غفل عن السعي للآخرة ليس مستعداً للموت بالطبع ولذلك فهو يكرهه.
هذا ما يصرح به بوضوح رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحديث المروي في كتاب الخصال مسنداً عن الصادق عليه السلام ان رجلاً ‌جاء الى النبي صلى الله عليه وآله وسأله: مالي لا احب الموت؟ فقال صلى الله عليه وآله: الك مال؟ قال: نعم قال: فقدمته (يعني هل استفدت منه في اعمار الآخرة وفي سبيل الله) قال: لا فقال (صلى الله عليه وآله): فمن ثم لا تحب الموت.
وهذا ما يبينه ايضاً الامام الحسن المجتبى عليه السلام في جواب جار له كان ماجناً ساله: يا بن رسول الله ما بالنا نكره الموت ولا نحبه؟ فقال عليه السلام: انكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم، فانتم تكرهون النقلة من العمران الى الخراب. 
ثمة بعد آخر في الموت وهو انه يشتمل على مرتبة مهمة من مراتب لقاء الله عزوجل وهذا منشأ اختلاف مواقف الناس من الموت حباً وكرهاً.
لو سمحت نتوقف الآن عنه مواصلة البحث وننقل الميكرفون الى‌ هذا الحوار مع ضيف البرنامج بشأن العوالم التي تسبق ولادة الانسان في هذه الحياة الدنيا على بركة الله نستمع معاً.

*******

المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم سماحة الشيخ محمد السند السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد السند: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ في الحلقة السابقة بينتم ان نصوص الشرعية دالة بوضوح على ان ثمة عوالم ومنازل ان صح التعبير سبق الحياة الدنيوية للانسان يعني للانسان وجود ما في عوالم سابقة لحياته الدنيا وكذلك في عوالم لاحقة الى عوالم القيامة وغيرها.
فيما يرتبط بهذا الموضوع هل يمكن القول سماحة الشيخ بأن الانسان حقيقة وجودية غير هذه الحقيقة البدنية التي نعرفها؟ تفضلوا.
الشيخ محمد السند: نعم قد اطلقت شرائع السماوية وبعثات الانبياء والاديان السماوية ان صح هذا التعبير وان الدين هو واحد على ان للانسان نعم حقيقة ورد بدنه وجسمه وبل قد اقر بذلك جملة مدارس الحكماء والمتكلمين من الملل والنحل المختلفة وبل آلان حتى في فلسفات الغربية تكاد تنقاض الآن في المادية وتبزغ فلسفات روحية مفعمة مركزة عند الغرب عموم الدول، على اية حال اروبية والامريكيتين ما يعرف بعلم الاثير وعلم الروح وعلم الارواح وبرثكلوجية وماشابه ذلك من العلوم التي تختص بلهيبنوتيزم بحوث الروح وتلك السفسطات المادية سواء بثوب القديم عند الدهريين او بالثوب الحديث عند الماديين وديالكتيكين عادت الى الانقراض. 
المحاور: الحقيقة، حقيقة الانسان في بدنه ام في روحه. 
الشيخ محمد السند: نعم بالنبسة الى حقيقة الانسان هي في الواقع بأحاط طبقات روحه وطبعاً لانه تعبير القرآني عن الموت الله يتوفى الانفس حين موتها والتوفي كما قيل اخذ من الاصل لغوي بمعني اخذ الشيء وفاءاً اي تماماً مثل ما يقال أوفوا بالعقود يعني اتموها فالوفاء وفاء اكليل اتمامه فعندما يعبر بأنه يتوفاهم ملك الموت اي ان ملك الموت يقبض تمام حقيقة الانسان مما يدلل على ان اذن حقيقة الانسان ليست في هذا البدن الغليظ الكثيف بل هي بلحاظ ماوراء هذا البدن الغليظ المحسوس المادي من ابدان اخرى وقوى روحية اخرى وفي الواقع ذات الانسان ذات طبقات وجودية متعددة.
المحاور: يعني العوالم التي تشيرون اليها واشرتم اليها في الحلقة السابقة التنقل ويكون هو للروح في الواقع او لهذه الحقيقة الوجودية للانسان يعني الروح هي التي كانت روح الانسان كانت في عوالم الارواح وعوالم الاضلة والذر وهي التي تنتقل الى عالم البرزخ؟
الشيخ محمد السند: نعم هناك من النصوص القرآنية والنصوص الروائية بجانب قراءة الحكماء لتلك النصوص مما يدلل على ان للانسان كينونة سابقة او العلوية نعم وربما يعبر عن الكينونة العقلية القرآن الكريم يشير الى نشأة العقلية بالتعبير يعقلون كما يشير القرآن الكريم الى نشأة الانوار سورة النور في الواقع سميت بهذه التسمية لكون المحور الاصلي فيها اشارة الى الخلقة النورية للمخلوقات لجولة لثلة شريفة من المخلوقات بدأ نشأتها بالنشأة النورية. 
المحاور: اذن هنا لك ايضاً يمكن القول بأنه حقيقة وجودية قد تكون اعم من الروح حتى اعم من الروح او شيء آخر اعلى مرتبة من الروح؟
الشيخ محمد السند: نعم في الواقع الروح عنوان يشير الى بعض طبقات ذات الانسان وامام ما فوق تلك الطبقات يشار اليها بالنشأه النورية او العقلية او ما شابه ذلك وكذلك عنوان النفس وان اطلق على تمام ذات الانسان ولكن هذا بتوسع تسامحي في الاستعمال والا في النفس تشير الى طبقات دنيا، سفلى تنزل عن درجات وطبقات الروح. 
المحاور: اذن سماحة الشيخ هل يمكن القول في نهاية اللقاء بأن هذه الحقيقة الوجودية حقيقة الانسان الوجودية لا يمكن بحالة من الاحوال ان تكون السيرة عالم الدنيا فقط وحده؟
الشيخ محمد السند: لا ريب ان هذه الطبقات الوجودية من الانسان ليست هي كلها اذن محبوسة في عالم المادة انما المتواجد في عالم المادة وعالم الدنيا هو بدن الأنسان واما طبقات الاخرى من ذات الانسان فهي في الواقع الآن وفي حال الحاضر هي متواجدة في نشآت اخرى بنحو تشرف على بدن الانسان في هذه النشأة.
المحاور: هذه ايضاً نقطة مهمة لعلنا نوفق لاستيضاحها اكثر ولكن في حلقات لاحقة ان شاء الله.
الشيخ محمد السند: ان شاء الله.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً جزيلاً.

*******

اهلاً بكم ومرحباً مستمعينا الافاضل مرة اخرى وانتم تتابعون الحلقة الثالثة من برنامج عوالم ومنازل، ونتابع الحديث عنه خصائص «الموت» وهو المنزل الاول من منازل الآخرة.
ثمة حديث نبوي مشهور يعرفنا ببعد آخر من خصائص هذا المنزل وهو قوله (صلى الله عليه وآله): من احب لقاء الله احب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.
لا يخفى ان الاستعداد الحيقيقي للموت بالمعنى المتقدم يجعل الانسان محباً للقاء الله، في حين ان الغفلة عن ذلك والانشغال باعمار الدنيا يجعل الغارق في حب الدنيا كارهاً للقاء الله. 
هذا صحيح ولكنني اردت التحدث عنه هذا الموضوع من زاوية اخرى. هل تبين هذه الزاوية خصوصيةً اخرى من خصائص الموت؟
اجل فالموت مفتاح مرتبة خاصة من لقاء الله عزوجل والذي يحب الله يحب لقاءه ولذلك فأولياء الله لا يمكن الا ان يحبوا الموت.
ذكرتني بأحتجاج رباني لطيف على ابراهيم خليل الله فيما يرتبط بهذه الحقيقة.
تعني ما ورد في الحديث الشريف الذي رواه الشيخ الصدوق في كتاب الامالي عن امير المؤمنين (عليه السلام) اجل في هذا الحديث يقول (عليه السلام):
لما اراد الله تبارك وتعالى قبض روح ابراهيم عليه السلام اهبط الله ملك الموت، فقال: السلام عليك يا ابراهيم، قال: وعليك السلام يا ملك الموت اداع ام ناع؟ قال: بك داع يا ابراهيم فاجب. قال ابراهيم: فهلاً‌ رأيت خليلاً يميت خليله.
قال عليه السلام: فرجع ملك الموت حتى وقف بين يدي الله جل جلاله: فقال: الهي سمعت ما قال خليلك ابراهيم، فقال الله جل جلاله:
يا ملك الموت اذهب اليه وقل له: هل رأيت حبيباً يكره لقاء حبيبه؟ ان الحبيب يحب لقاء حبيبه.

*******

سياحت غرب (القسم الثالث)

في الفقرة التالية، نتابع مستمعينا الاكارم القسم الثالث من الصياغة القصصية التي كتبها أية الله القوجاني النجفي رضوان الله عليه بشأن منازل ما بعد الموت من خلال رحلته الذاتية التي افترض حصولها له بعد وفاته واعتمد فيها على ما استنبطه من النصوص الشريفة المتحدثة عنه رحلة الانسان بعد الموت.
يبقى ان نذكر بان المطاف في هذه الرحلة وصل الى مسائلة فتاني القبر او منكر ونكير له عن عقائده، واستغاثته بالله متوسلاً بوليه علي بن ابي طالب عليه السلام حيث اعانه الله وادركته اعماله الصالحة فاستطاع تقديم الاجوبة الصحيحة.
ارتاح فتانا القبر لما سمعاه من اجوبتي على اسئلتهما، وارتحت انا لا رتياحهما الى ان سالاني سوالاً تحيرت في الاجابة عنه قالا: من أين لك هذه الاجابات وممن تعلمتها؟
لم استطع تقديم اجابة فورية على هذا السوال غرقت في التفكير متأملاً في مناهج المعرفة وأيها يروي الغليل في هذا العالم الذي يسطع فيه النور على الحقائق ويكون البصر فيه حديداً ولا ينطلق فيه اللسان الا بما انعقد عليه القلب تحيرت وناجيت ربي قائلاً: الهي انا حديث العهد بهذا العالم، لا اعرف شيئاً من مصطلحاته، فادركني بحق محمد وعلي وآلهما.
لم انتبه من الاستغراق في هذه التأملات الا على تكرارهما لسؤالهما بلهجة تنبأ عن امتعاضهما من تأخر الاجابة قالا: من أين لك هذه الاجوبة؟
فزعت من ملامح الغضب الشديد التي ظهرت عليهما وكادت الغشية تستولي على فألهمت ان اجيب قائلاً: ذلك مما هداني الله اليه. لما سمعا مني هذا الجواب انفرجت اساريرهما وخاطباني برأفة: نم هنيئاً.
ثم ذهباً، لا ادري هل نمت عندئذ حقاً ام لا لكني شعرت بالتحرر من هول تلك المساءلة فأغمضت عينيي بارتياح بعد برهة فتحت عينيي فرأيت عجباً وجدت نفسي في غرفة جميلة مرتبة مفروشة شعرت برأسي في حجر مليء بالشفقة رايت شاباً صبيحاً وسيماً جميل الشعر طيب الرائحة كان قد وضع رأسي في حجره وهو ينتظر ان افيق رفعت رأسي عن حجره وقمت تأدبا وسلمت عليه فعلت وجهه ابتسامة لطيفة وهو ينهض ويرد علي السلام، ثم عانقني بكل مودة وقال: اجلس فما انا بنبي ولا امام ولا ملك!
قلت: من انت ايها الطيب؟
قال: انا حبيبك ورفيقك.
قلت: لا افهم ما تقول لكنني راغب بكل وجودي في دوام صحبتك لي فمن انت. شعرت بارتياح شديد وطمأنينة وسكينة لا يمكن وصفها عندما رأيت هذا الشاب الصبيح، سألته: ما اسمك ايها الطيب؟
قال: اسمي الهادي، وأكنى بأبي الوفاء وبأبي تراب، وانا الذي القيت في قلبك الجواب الاخير الذي انقذك من الحيرة وانقذك من غضبة فتاني القبر ومن ضربات هراوتيهما فيما اذا كنت قد عجزت عن تقديم هذه الاجابة المقنعة.
فقلت: ما اعظم لطفك بي وانت تنقذني من هذا الموقف الصعب. لن انسى فضلك هذا فأنا عتيق فضلك هذا ومادمت قد انقذتني من خيرة الاجابة عن سؤالهما العجيب فانقذني رحمك الله من حيرة الاجابة عن سؤال يتلجلج في صدري عن سر توجيهما لي مثل هذا السؤال بعد ان اجبت عن جميع اسئلتهما السابقة فما هو سر ذلك السوال؟
الجواب على هذا السوال سيأتيكم في الحلقة المقبلة اما الآن فنرجع الى موضوع حب الموت في كتاب الخصال مسنداً عن الامام الصادق عليه السلام انه: سأل امير المؤمنين عليه السلام: بماذا احببت لقاء الله؟ قال عليه السلام: لما رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وانبيائه علمت ان الذي اكرمني بهذا ليس ينساني فاحببت لقاءه.
سلام الله على امير المؤمنين، فهو يبين في هذا الحديث الشريف منبع حب العبد الله عزوجل والذي يجعله محباً للقائه فمعرفة الله وصفاته وسعة رحمته وجميل جزائه وحسن تدبيره لشؤون خلقه وقديم احسانه كل ذلك يثير ويبعث الحب الفطري لله سبحانه حب لقائه.
وثمة فائدة روحية اخرى لذكر الموت تذكرها الاحاديث الشريفة، ينبغي ان نشير اليها هنا ترتبط بالصعوبات التي يمر بها الانسان في حياته الدنيا.
هذا ما يخبر عنه الامام علي عليه السلام في قوله: اكثروا ذكر الموت ويوم خروجكم من القبور وقيامكم بين يدي الله عزوجل تهون عليكم المصائب. اجل فذكر الموت ينبه الانسان الى ان ما تنزل به من صعاب ومصائب هي ابتلاءات في دار الفناء، يحصل على ثمار الصبر عليه في حياته الاخروية.
كما ان ذكر الموت وللسبب نفسه ييسر على الانسان الصبر على الطاعات والصبر عن ارتكاب المعاصي.
هذا ما يصرح به قول رسول الله صلى الله عليه وآله في موعظته المشهورة:اكثروا ذكر الموت فانه هادم اللذات حائل بينكم وبين الشهوات. اجل فذكر الموت و ما بعده من الحساب والجزاء يجعل الانسان يتورع عنه الأنسياق وراء الشهوات تحسباً من عواقبها على الاقل.
للأمام الصادق عليه السلام حديث جامع في هذا الباب ننقله ان شاء الله في مطلع الحلقة المقبلة. 
ان شاء الله فالوقت المخصص لهذا اللقاء قد انتهى، نسألكم ايها الاخوة والاخوات الدعاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******