لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ (يستشير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونتابع سائر مقاطعه ومنها المقطع الذي يقابل عظمة الله تعالى وحاجات العبد اليه حيث ورد فيه (وانت الغافر وانا المسيء، وانت العالم وانا الجاهل، وانت الحليم وانا العجول).
هذه العبارات ونحوها تتسم بوضوحها كما كررنا ذلك في لقاءات سابقة ولكنها في الآن ذاته تتضمن جملة نكات يتعين على قارئ الدعاء ان ينتبه عليها وهذا ما نبدأ به الان.
العبارة او الفقرة الاولى هي (انت الغافر وانا المسيء)، بالنسبة الى كلمة (الغافر) فهي تحتاج الى شيء من التوضيح فمثلاً قوله تعالى: (وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا)، هذه العبارات الثلاث مع انها تحوم على دلالة مشتركة هي التنازل عن العقاب ولكن كلاً منها يختلف عن الآخر حيث ان العفو يتفاوت دلالة عن الصفح وكليهما يختلفان عن الغفران وهكذا والسؤال هو ان فقرة الدعاء تقول: (انت الغافر وانا المسيء) وحينئذ ماذا تعني هذه الكلمة من حيث الدقة وبلاغتها؟ ان الغفران يختلف عن سواه من العبارات المتقدمة أي العفو والصفح والتجاوز بكونها تعني التغطية والستر لذلك فان دلالة انه تعالى غافرتعني انه يغطي او يستر على العبد ما مارسه من العمل السلبي وهذا بطبيعة الحال يوضح عن الرحمة اللهية في مداها الواسع لان الفضيحة او الهتك للعبد عند المحاسبة في اليوم الآخر او حتى في الدنيا تظل من الامور التي لا يتحملها الانسان عادة ما دام الشخص بطبيعة تركيبته يحرص على عدم فضح نفسه اذن قوله(ص) (انت الغافر) له دلالته الخاصة وهي الستر او التغطية على العمل السيء.
وهذا بالنسبة الى كلمة الغافر ولكن ماذا بالنسبة الى عبارة وانا المسيء؟
هنا يثور السؤال السابق ايضاً وهو ان الاساءة من حيث دلالتها واضحة ولكن ما هي النكات الدقيقة الكامنة وراءها؟ فمثلاً لماذا لم تقل العبارة (انت الغافر وانا المذنب)؟ بل قالت انت الغافر وانا المسيء؟ لماذا؟
هذا ما يتطلب توضيحه ايضاً، ان السيئة تشمل كل ما هو ممارسة سلبية بغض النظر عن كونها ذات دلالة شرعية او عرفية فالدلالة الشرعية تعني الذنب او الخطيئة التي تترتب عليها العقوبات ولكن الدلالة العرفية قد تعني مطلق الممارسة السلبية كما لو كانت عيباً وليس ذنباً فمثلاً الممارسة التي تتم خطأ وليس عمداً او الممارسة التي تحدث بين الطرفين تطلق عليها السيئة مقابل ما يتم عمداً او ما يرتبط بعلاقة العبد مع الله تعالى المهم نستطيع ان نستخلص مما تقدم بان العبارة القائلة (انت الغافر وانا المسيء) نستخلص من كلمة المسيء مطلق ما يصدر من العبد من الاعمال السلبية وهو امر يتوافق مع ما يستهدفه الدعاء من الاشارة الى ان الله تعالى يستر على عبده كل ما صدر عنه من الاساءات او الاعمال السلبية.
ونتجه الى عبارة جديدة هي (وانت العالم وانا الجاهل)، هنا نحسبك لا تحتاج الى توضيح النكات الكامنة وراء العبارة المتقدمة لماذا؟ السبب هو ان العالم هو ما يشمل جميع الانماط المعرفية المحدودة وغير المحدودة مقابل الجاهل الذي يشمل جميع الانماط المرتبطة بعدم العلم وهو امر من الوضوح بمكان فالعبد اذا ما قسناه الى الله تعالى جاهل بمعنى الكلمة تماماً انه يجهل كل شيء ما دام الله تعالى هو الذي يمنحه المعرفة المحدودة بطبيعة الحال وانه يجهل كل شيء الا النادر تبعاً لقوله تعالى: (وما اوتيتم من العلم الا قليلاً) هذا فضلاً عن ان العلم القليل حتى لو تحقق في نطاق محدد فان التفصيلات او الاسرار الكامنة وراء ذلك كاسرار الكون مثلاً او الروح، فان الجهل بدقائق ذلك يظل من الوضوح بمكان.
بعد ذلك نتجه الى عبارة جديدة وهي وانت الحليم وانا العجول هنا نحسب بان الوقت لا يسمح لنا الان بالحديث عن العبارة المتقدمة وهذا ما نعدك به في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
المهم هو ان نستثمر نحن القراء لهذا الدعاء هذه القراءة لنوثق علاقتنا بالله تعالى ونكل امورنا اليه تعالى ومن ثم نتوفر على ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******