يعود عمرها إلى 90 ألف سنة بمدينة العرائش شمال المغرب، ونُشرت نتائج الاكتشاف في مجلة "نيتشر" بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني الماضي.
وحسب موقع الجزيرة، قال منصف السدراتي قائد فريق البحث: "هذه الآثار المكتشفة تنضم إلى الآثار المكتشفة سابقا في عدد من مناطق المغرب التي تخص نفس الحقبة أو أقدم، إنها دليل على تنوع وغنى المغرب بمعالم عيش واستيطان الإنسان القديم على مر العصور".
آثار أقدام الإنسان العاقل
وحسب البيان الصحفي الصادر من جامعة "بريتاني الجنوبية" بفرنسا، اكتُشف 85 بصمة بشرية عمرها نحو 100 ألف عام، تركها ما لا يقل عن 5 أفراد بين أطفال ومراهقين وبالغين على شاطئ صخري في مدينة العرائش على الساحل الشمالي الغربي للمغرب، وتتجه آثار الأقدام هذه بشكل أساسي نحو البحر، وتعطي صورة مذهلة لما يمكن أن يكون -على الأرجح- بحث عن موارد بحرية من قبل الإنسان العاقل الذي سكن ساحل مدينة العرائش منذ نحو 100 ألف عام.
ويشير منصف السدراتي إلى أن "هذه الآثار عُثر عليها على الساحل الصخري الجنوبي لمدينة العرائش بالمغرب في يوليو (تموز) عام 2022، وتتألف من مسارات وآثار فردية موزعة على سطح صخري بمساحة تقدر بحوالي 2800 متر مربع، بدون وجود أي مواد أثرية أو أثرية إنسانية قديمة. وتمكنت الدراسة العلمية المنشورة حديثا من تأكيد أن هذه الآثار هي بالفعل أقدم آثار معروفة لأقدام بشرية في شمال أفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط".
وحسب فريق البحث فإن آثار الأقدام الحالية المكتشفة توفر معلومات مباشرة عن علم الأحياء والحركة وسلوك الأفراد الذين تركوها في تلك الحقبة من التاريخ في شمال أفريقيا، والمنطقة التي اكتشفت فيها مهمة في معرفة تطور أشباه البشر.
واستغرقت الأبحاث على هذا الاكتشاف نحو عام ونصف، وتعد هذه الدراسة العلمية جزءا من مشروع علمي سابق لمدة سنتين عن ديناميكية الساحل الصخري بمنطقة العرائش، ومُوّل هذا المشروع العلمي من طرف "المدرسة العليا متعددة التخصصات في العلوم والتكنولوجيا البحرية" (ISblue) وجامعة "بريتاني الجنوبية" بفرنسا.
اكتشاف فريد من نوعه
ووفق منصف السدراتي قائد فريق البحث فإن هذا الاكتشاف العلمي على ساحل العرائش فريد من نوعه وله أهمية كبرى على الصعيد العالمي لأسباب عديدة، أذكر منها على وجه الخصوص:
المواقع التي تحتوي على آثار أقدام بشرية في أفريقيا توجد فقط في شرق أفريقيا وجنوبها، ولم يُكتشف أي موقع حتى اليوم في شمال أفريقيا أو جنوب البحر الأبيض المتوسط. لذا يعد الموقع المغربي في العرائش هو الأول من نوعه على مستوى العالم.
عمر الآثار شيء فريد، إنها آثار تعود إلى نحو 90 ألف سنة. هؤلاء كانوا على حافة هذا الساحل، ويمكننا أن نتخيل مظاهرهم الجسدية وأحجامهم وأعمارهم، فعلى عكس المواد الأثرية التي توفر معلومات عن الاستخدام، تقدم هذه الآثار معلومات عن علم الأحياء والشكل الجسدي والنشاط المحتمل لهؤلاء.
وبحسب فريق البحث، فقد قدمت شمال أفريقيا والمغرب على وجه التحديد أول ظهور لـ"الإنسان العاقل"، خاصة مع الحفريات في جبل إيغود لجمجمة أقدم إنسان عاقل عام (2017)، ويشكل اكتشاف آثار العرائش دليلاً إضافيا على أهمية شمال أفريقيا والمنطقة المغربية على وجه التحديد في تطور الإنسان العاقل.
كما وضح فريق البحث في الدراسة العلمية أنه سيتم اكتشاف آثار أقدام جديدة أخرى مع تآكل الرواسب على ساحل مدينة العرائش، وسيكون من المثير للاهتمام مراقبة هذا التآكل لكشف مسارات تكميلية جديدة يمكن استخدامها لتوضيح حجم مجموعة أشباه البشر، كما يجب أيضا استكشاف الكهوف المختلفة على طول الساحل الجنوبي للعرائش بحثا عن أي أحافير أو آثار حجرية قد تكون موجودة.
ويشير الدكتور منصف السدراتي إلى أن موقع اكتشاف آثار أقدام الانسان العاقل بالمغرب هو أحد أكبر وأفضل مواقع تابعة للعصر البليستوسيني المتأخر المحفوظة في العالم، وهو الموقع الوحيد الموثق في شمال أفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط، ويوفر توزيع آثار الأقدام بالنسبة لخط الشاطئ لحركات الإنسان العاقل متعدد الأجيال (الأطفال والمراهقين والبالغين) على هذا الموقع.
ويضيف أنه "من الضروري الحفاظ على هذا الموقع التراثي الرائع حتى لو كان مهددا بارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف على المدى القصير". وتابع أنه "سيتم اكتشاف آثار أقدام أخرى مع تآكل الرواسب، وبالتالي سيكون من المثير للاهتمام متابعة هذا التآكل واستحداث آثار تكميلية جديدة من شأنها أن تسمح لنا بإعطاء مزيد من التفاصيل عن مجموعة الإنسان العاقل الذي عاش على طول ساحل العرائش هذا".
واكتُشف هذا الموقع خلال مهمة قياس ميدانية في يوليو/تموز 2022 كجزء من مشروع بحث علمي عن أصل وديناميكيات الصخور التي تنتشر على الساحل الجنوبي لمدينة العرائش في شمال غرب المغرب.
وينهي منصف السدراتي بالقول: "الوقت قد حان لتقديم هذا الاكتشاف إلى العالم بأفضل طريقة ممكنة، مع أقصى قدر من الدقة والتفصيل، ونحن متحمسون للمضي قدماً في مشاركة باقي هذه القصة الرائعة، ويجب متابعة البحث في هذا المجال باعتماد التعاون الدولي والتعاون المتعدد التخصصات على غرار هذه الدراسة".