وكتب "عبد الباري عطوان" فيما يتعلق بنتائج الاجتماع الرباعي لرؤساء مخابرات قطر ومصر والكيان الصهيوني والولايات المتحدة بشأن غزة في باريس: حتّى هذه اللّحظة لم يصل ردّ قيادة حركة “حماس” في غزة على مشروع وقف إطلاق النّار الذي تمخّض عن اجتماع رباعي في باريس شارك فيه رؤوساء المُخابرات في قطر ومِصر وإسرائيل والولايات المتحدة راعية هذا الاجتِماع.
وقال: ما يجب أن تُدركه هذه القيادة التي تحظى بدعمٍ شِبه إجماعي من الفِلسطينيين في الضفّة والقِطاع، أن مشروع الاتّفاق هذا جاء لإنقاذ دولة الاحتِلال والنّفوذ الأميركي المُتآكل في مِنطقة الشّرق الأوسط، وإجهاض احتِمالات توسّع الحرب، وبعد الوصول إلى قناعةٍ راسخةٍ من قبلنا باستِحالة القضاء على حركة “حماس” أو هزيمتها، بالنّظر إلى احتِفاظها بأكثر من 80 بالمئة من سِلاحها وقوّاتها الدفاعيّة وأنفاقها ومصانعها الحربيّة بعد ما يَقرُب من أربعة أشهر من بدء العُدوان الإسرائيلي.
وأشار إلى الترويج لحل الدولتين من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا :هُناك مثل شعبيّ يقول “يُمكن معرفة الكذبة من كُبرها”، وهذا مثلٌ ينطبق على هذه التّسريبات الأميركيّة والبريطانيّة في هذا الشّأن، فالدّولتان الحليفتان اللّتان خاضتا سَويًّا جميع الحُروب التدميريّة في الشّرق الأوسط، تُخطّطان لنصبِ فخٍّ جديدٍ للمُقاومة والشعب الفِلسطيني، وبيعهما “الوهم مجددًا” لامتِصاص الانتِصار الذي حقّقته “غزوة” السّابع من تشرين أوّل “أكتوبر” الماضي، وتقليص حجم الخسائر الإسرائيليّة البشريّة والماديّة، ولهذا الحذر حتميّ.
وقال: هُناك عدّة حقائق تُؤكّد ما قُلناه آنفًا:
الأولى: صادق مجلس النوّاب الأميركي بالأغلبيّة السّاحقة أمس على مشروعِ قرارٍ يحظر دُخول الولايات المتحدة على جميع أعضاء منظّمة التّحرير وحركتيّ “حماس” و”الجهاد الإسلامي” حيث صوّت 422 عُضوًا لصالحه، ولم يُعارضه إلّا صوتان فقط، فكيف ستُؤيّد أميركا قيام دولة فِلسطينيّة وهي تُعارض دُخول جميع أعضاء منظّمة التحرير التي وقّعت على اتّفاق أوسلو، واعترفت بإسرائيل، وتنازلت عن 80 بالمئة من الأراضي الفِلسطينيّة التاريخيّة، ووظّفت 60 ألفًا لحِماية المُستوطنين وقمْع شعبها؟
الثانية: الولايات المتحدة التي رعَتْ اتّفاق أوسلو الذي جرى توقيعه في حديقة بيتها الأبيض قبل 30 عامًا، استخدمت حقّ النّقض “الفيتو” في مجلس الأمن على مدى 20 عامًا لإجهاض قرار من الجمعيّة العامّة لمنْح فِلسطين العُضويّة الكاملة كدولة في منظّمة الأمم المتحدة، ويبدو أنها إذا اعترفت بهذه الدّولة ستَحصُرها في أرشيف المنظّمة الدوليّة ولن تُقيمها على الأرض.
الثالثة: تُؤكّد الإدارة الأميركيّة دائمًا بأنّ قيام أيّ دولة فِلسطينيّة يجب أن يأتي بالتّوافق بين الجانبين الإسرائيلي والفِلسطيني، وأن تكون هذه الدّولة منزوعة السّلاح، والسُّؤال هُنا: كيف يُمكن أن تتعايش دولة فِلسطينيّة منزوعة السّلاح جنبًا إلى جنبٍ مع عدوٍّ مارَس ويُمارس حرب الإبادة والتّطهير العِرقي في قطاع غزة، ولا يَملُك أيّ سِلاحٍ للدّفاع عن نفسه في حالِ تِكرار العُدوان؟
الرابعة: الحاكم الحقيقي للولايات المتحدة هذه الأيّام بنيامين نِتنياهو وليس جو بايدن، وهذا يتّضح من رفض إسرائيل لكُل المطالب الأميركيّة في وقف إطلاق النّار وأعمال القتل والتهجير الدّاخلي لأبناء القِطاع (27 ألف شهيد 70 ألف جريح، وتدمير 86 بالمِئة من بُيوت سُكّانه)، أميركا تعهّدت بضمان عدّة اتّفاقات سابقة لوقف إطلاق النّار وإعادة إعمار غزة، أبرزها اتّفاق شرم الشيخ بعد حرب عام 2013، ولم تحترم أيّ من هذه الضّمانات وتفرضها على “إسرائيل”، وما زالت آلاف البُيوت والأبراج مُدمّرةً وعلى حالها مُنذ ذلك التّاريخ، رُغم رصد 5 مِليارات دولار لإعادة الإعمار.
وقال: النّصر صبرُ ساعة، وتحقيقه يقترب بسُرعةٍ، وما فشل 550 ألف جُندي إسرائيلي في السّيطرة الكاملة على القطاع، والقضاء على المُقاومة، واغتِيال، أو أسْر قيادتها، إلّا تأكيدًا على ما نقوله آنفًا، فدولة الاحتِلال أُصيبت بضربةٍ قاصمةٍ لظهرها، وزعزعت أعمدة وجودها، وتُريد، وبمُساعدة أميركا، اجتِثاث المُقاومة من جُذورها، وتدمير حاضِنتها الشعبيّة.
وصرح: لا نعتقد أن السيّد يحيى السنوار وشريكه الأبرز في المُقاومة زياد النخالة وكُل جِنرالاتهما في ميادين القِتال في غزة والضفّة، لن يناموا اللّيل حُزنًا على منعهم من دُخول الولايات المتحدة، لأنّهم يتطلّعون إلى دُخول جنّات الخُلد كشُهداء، وينظرون بسُخريةٍ إلى هذا القانون الأميركي بحظْرهم.
وأضاف: ختامًا نُحيّي الشّعب اليمني وقوّاته المُسلّحة التي لقّنت الولايات المتحدة، بل والغرب الاستِعماري كلّه، درسًا مُهينًا بحظْر المِلاحة في البحر الأحمر على السّفن الإسرائيليّة والأُخرى المُحمّلة بالبضائع لموانئ دولة الاحتِلال، والرّد بقُوّةٍ على التّهديدات بقصف المزيد من السّفن الحربيّة والتجاريّة الأميركيّة، وتحميل الغرب خسائر ماديّة بعشَرات المِليارات من الدّولارات وضرب اقتِصادها في مقتل.
وقال:الأشقّاء في اليمن لا يعرفون شيئاً اسمُه الخوف، ويكيلون الصّاع صاعَين وربّما خمسة، لكُل من يعتدي عليهم، حتّى لو كانت الدّولة الأميركيّة العُظمى حاليًّا والبريطانيّة سابقًا، ويتمسّكون بالوقوف “عمليًّا” في خندق أشقّائهم في القِطاع، وعدم التردّد في نيْل الشّهادة من أجلِ رفع الحِصار التّجويعي الذي يستهدفهم، ويُشرّفنا أن نَنْقُل لهُم شُكرَ وتقدير الآلاف من أهلنا في القطاع والضفّة الغربيّة.