نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وهو الدعاء الذي علمه النبي(ص) الامام علياً(ع) واوصاه بقراءته طيلة الحياة.
وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول (انت يا رب موضع كل شكوى) الى ان يقول، (وشاهد كل نجوى، ومنتهى كل حاجة)، ان فقرة (وشاهد كل نجوى) هي التي نعتزم الان الحديث عنها. اذن لنبدأ بذلك، النجوى او المناجاة وامثلتها تعني الكلام السري الذي يبثه الشخص الى من يثق به وهذا ما ينسحب على الكلام الصادر من العبد ويتجه به الى الله تعالى وما يعنينا من ذلك هو ان الدعاء الذي نتحدث عنه يشير الى انه تعالى شاهد على كل نجوى أي كل كلام يصدر من العبد. هنا ثمة نكتة في غاية الاهمية وهي هاتان العبارتان او الكلمتان اللتان تعنيان الشيء الكثير والمهم في المناجاة بين الله تعالى وعبده الكلمة الاولى هي كلمة شاهد ترى ماذا تعني؟
الجواب هو: ما دام الحديث السري او ما دامت المناجاة هي حديث من العبد يتجه به الى الله تعالى حينئذ فانه من الطبيعي ان يكون الطرفان كل واحد منهما شاهداً فكما انك لو تناجيت مع احد اصدقائك تكون وصديقك قد شاهد كل واحد الاخر، اذن فلماذا يخص الدعاء الله تعالى بانه شاهد دون ان يضيف ذلك الى العبد؟ هنا تكمن النكتة، كيف ذلك؟
من الواضح ان الصلة بين الله تعالى وعبده ليست كما هي بين شخصين يرى كل واحد منهما الاخر، بل هي بين طرفين احدهما العبد والاخر هو الله تعالى حيث لا يراه احد ولكنه تعالى موجود في كل مكان، من هنا فلابد وان يركز الدعاء على كلمة شاهد حتى يعرف قارئ الدعاء ان الله تعالى يشهد ويرى ويسمع عبده عندما يناجيه بكلمات الدعاء.
اذن كلمة الشاهد لها دلالتها المهمة وهي تؤدي وظيفة نفسية لقارئ الدعاء حتى يعي ولو لاشعورياً ان الله تعالى يسمع ويرى كلام العبد. وهذا فيما يتصل بكلمة شاهد ولكن ماذا بالنسبة الى الكلمة الثانية وهي كل في عبارة شاهد كل نجوى؟ هذا بدوره يتضمن نكتة مهمة يجدر بنا ان نلاحظها ذلك انك عندما تتناجى مع غيرك من الاشخاص مثلاً فمن الممكن ان يغفل صديقك عن كلمة تقولها او شكوى تقدمها ونحو ذلك ولكن عندما يتصل كلامك او مناجاتك مع الله تعالى فان الامر يختلف تماماً ان الله تعالى يسمع كل كلامك انه يسمع جميع كلامك ولا يفوته شيء من ذلك، ان العبد وهو حريص على بث كلامه الى الله تعالى انما يتجه بكل كيانه الى جهة هي الله تعالى وحينئذ حريص على ان يسمع تعالى كل كلامه كل ما ينطوي عليه ضميره كل ما يتطلع اليه من هنا فان الدعاء ينطوي على معطى نفسي هو ان يوحي الى العبد بان الله تعالى يرى ويسمع كل كلام العبد ولا يفوته شيء ولذلك على العبد ان يطمئن الى ان مناجاته مسموعة من الله تعالى دون ان يخشى العبد فواته من الاستماع لكلامه.
اذن كم هو العطاء الذي يتحسسه العبد وهو يناجي الله تعالى حيث يستمع الله تعالى لكل كلمات عبده دون ملل من ذلك على العكس من التناجي بين شخصين قد لا يعنى الشخص بكلام مناجيه والمهم بعد ذلك هو ان نستثمر نحن القراء للدعاء هذا الجانب ونتجه الى الله تعالى بكل كلماتنا التي تعنينا وبكل همومنا التي نحملها وبكل ثقتنا بالله تعالى بان يشهد نجاوانا ومن ثم لابد وان نذكر انفسنا بضرورة الطاعة وممارستها والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******