نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وهو الدعاء الذي علمه النبي (صلى الله عليه وآله) الامام علياً(ع) واوصاه بقراءته طيلة العمر.
وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يتحدث عن الله تعالى بقوله(ص): (قولك حق وحكمك عدل، وكلامك هدى، ووحيك نور)، هذا المقطع حدثناك عنه مفصلاً ووقفنا عند الفقرة الاخيرة وهي قوله(ص) (وحيك نور)، وواعدناك بالحديث عنها الان وهذا ما نبدأ به.
قلنا ان هذا المقطع المدهش بدلالته وبلاغته ونكاته ينطوي على اربعة انماط من التعبير او اللغة او الكلمات هي القول الحكم الكلام، الوحي، ان كلاً منها هو مصداق من المصاديق المعبرة عن الدلالة بكلام كل ما في الامر ان القول هو الكلام المنطوق والكلام يشمل المنطوق والمكتوب.
والحكم هو كلمات تصدر بحق الآخر، والوحي هو الهام من الله تعالى للعبد يتجسد في معان او عبارت تصل الى الموحى له من خلال الملك جبرئيل مثلاً وقد اوضحنا في حينه النكات المرتبطة بهذه الانماط من اللغة ونقتصر الان على النمط الرابع وهو الوحي فماذا نستلهم من ذلك؟
ان الوحي يختلف عن غيره من انماط الكلام او اللغة بكونه يشمل التعليمات الكاملة التي يلهم بها الله تعالى انبياءه ورسله الخاصة من عباده ولعلك تسأل عن السبب الذي عبر النبي(ص) عن الوحي بانه نور بينما عبر عن الانماط الاخرى من الكلمات بان القول منها هو حق وان الحكم منها هو القول منها هو حق وان الحكم منها هو عدل وان الكلام منها هو الهدى بينما عبر عن الوحي بانه نور فلماذا؟ هذا ما نحاول القاء الانارة عليه الان.
اننا ندعوك بان تتأمل بدقة كلاً من التعبيرات التي وردت في مقطع الدعاء. فمثلاً نجد ان النبي(ص) ذكر بان القول الصادر من الله تعالى هو حق أي ان ما يقوله تعالى هو حق لا ترديد فيه، كما لو قال تعالى مثلاً: «انني انا الله لا اله الا انا»، فهذا القول هو حق لا ترديد فيه، كما نجد ان النبي(ص) ذكر بان الحكم الصادر من الله تعالى هو عدل لا ترديد فيه كما لو حكم بالقصاص من القاتل مثلاً فانه حكم عادل بحقه لانه قتل شخصاً آخر فيكون القتل بالقتل هو عين العدل وكذلك نجد ان النبي(ص) ذكر بان الكلام الصادر من الله تعالى هو هدى وبالفعل ان ما صدر عنه تعالى هدى للبشرية جميعاً لان الالتزام بمبادئ الله تعالى في مختلف مجالات الحياة انما هو هدى لهم وليس ظلالاً او تيهاً كما هو طابع المبادئ العلمانية والامر كذلك حينما يقول النبي(ص) بان وحي الله تعالى نور فان النور المشار اليه هو كذلك لكن بما ان كلمة النور هي رمز يحتاج الى توضيح فهذا ما يتعين علينا توضيحه، ان الفارق بين ظاهرة النور الذي هو تعبير عن وحيه تعالى لانبياءه ورسله ومن ظواهر الحق والعدل والهدى حيث لاحظنا مصاديقها المتمثلة في اقواله تعالى واحكامه وكلامه الا ان النور يختلف عنها بكونه رمزاً كما هو خير وبركة وسعادة وراحة، ان النور لا ينحصر في ما هو حق كقوله تعالى: «لا اله الا انا»، ولا ينحصر في ما هو عدل كاحكامه الفقهية والقضائية ولا ينحصر فيما هو هدى لمبادئه التي امرنا بان نلتزم بها بل ان النور يشتمل بالاضافة الى ما هو سعادة ايضاً بصفة ان السعادة هي المتوخاة اساساً في سلوك الانسان الى الاخرة ان الاخرة هي الحيوان الحقيقي هي السعادة المتمثلة في رضى الله تعالى عن عبده وفي الجنة التي اعدها له، وهذا يعني ان النبي(ص) عندما قال بان وحي الله تعالى نور أي ان المبادئ التي انزلها تعالى على انبياءه ورسله هي مبادئ تفضي الى سعادة الانسان وهو المطلوب.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من النكات التي حفل بها مقطع الدعاء والمهم هو ان نوفق الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******