لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها دعاء "يستشير" وهو دعاء علمه رسول الله(ص) علياً(ع) وامره ان يقرأه طوال عمره، وقد حدثناك عن مقدمته وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول بالنسبة الى ابداع الله تعالى للسماوات والارضيين (فقامت السماوات طائعات بامره واستقرت الارضون باوتادها فوق الماء).
ان هاتين الفقرتين تتحدثان عن السماوات والارضيين طبيعياً ان قيام السماوات واستقرار الارضيين بامر الله تعالى قد مهد لها الدعاء بعبارات هي انه تعالى: (نور السماوات والارضين وفاطرهما ومبتدعهما بغير عمد خلقها وفتقها فتقاً) ويعنينا من هذا ان نوضح النكات الكامنة وراء الصياغة الفنية التي توفر النبي(ص) عليها حينما استخدم الصورة الاستعارية في تقرير الحقائق المتصلة بعظمة الله تعالى من حيث قدراته غير المحدودة ومنها قيام السماوات والارضين.
والنكتة التي نعتزم توضيحها هي اولاً ملاحظة الاستعارة التي تقول بان السماوات قامت طائعات بامره فما هي النكات الكامنة وراء ذلك؟
من الواضح ان ابداع الله تعالى للظواهر يتم من خلال مجرد ارادته لخلق هذه الظواهر او تلك الا ان النصوص الشرعية طالما تستخدم العبارة المجازية او الصورية التي تعمق من المعنى المستهدف فتصور ارادته من خلال ما يطلق عليه مصطلح الحور الانفرادي أي الكلام الذي يوجهه احد الطرفين الى الاخر وبالنسبة الى الله تعالى فانه منزه عن الحدوث بطبيعة الحال أي لا تنسحب عليه التجارب التي نألفها نحن البشر لذلك فان الله تعالى عندما يخاطب الشيء بقوله كن مثلاً فيكون او عندما يقول مثلاً يا ارض ابلعي ماءك انما يتم ذلك من خلال مجرد ارادته لان تبلع الارض الماء ولكن النص القرآني الكريم وكذلك الدعاء عبر عن الحقيقة المذكورة بحوار أي بكلمة توجه الى الماء او الى السماوات ثم يتحقق الامر او الطلب.
من هنا يمكننا ان نفسر قول النبي(ص) بالنسبة الى عبارة فقامت السماوات طائعات بأمره هنا لم يضع النبي(ص) عبارة آمرة بل قال بان السماوات قامت طائعات بأمره حيث نستنتج انه تعالى امرها ولذلك طاعته للامر المذكور.
طبيعياً ايضاً ان هذا المنحى من الصياغة الفنية أي عدم صدور العبارة الآمرة ولكن السماح للقارئ بان يستخلص هو ان الله امر وان السماوات أطاعت وهذا اسلوب فني لا نستهدف التفصيل بجماليته بقدر ما نستهدف الاشارة الى انه تعالى خلق السماوات فتحقق وجودها هنا يمكن لبعض القراء للادعية ان يعترضوا قائلين ان امر الله تعالى للسماوات بان تظهر الى الوجود من الممكن ان يعبر عن امر حقيقي كالالهام او الايحاء وان الطرف الآخر وهو السماوات امتثلت لاوامره تعالى طائعات أي ان السماوات مع كونها ظواهر مادية الا انها تعي وتتكلم بالتسبيح اليس القرآن الكريم ذاته يصرح بان السماوات والارض وكل شيء يسبح بحمد الله تعالى ولكن لا نفقه تسبيحهم؟ فاذا كان الامر كذلك فلماذا نعتبر عبارة النبي(ص) القائلة: (فقامت السماوات طائعات بامره)، عبارة مجازية.
ان التساؤل المذكور يظل بدوره صائباً مادمنا نعرف تماماً بان النصوص الشرعية قابلة لمختلف التأويلات والاستخلاصات وهذا هو احد وجوه الاعجاز الفني فيها يبقى ان نشير الى نكتة جديدة تتصل بالعبارة القائلة (فقامت السماوات) والعبارة القائلة واستوت الارضون.
ان قارئ الدعاء قد يسأل قائلاً لماذا عبر الدعاء عن السماوات بكلمة فقامت بينما عبر عن الارضين بكلمة فاستوت؟
الاجابة عن السؤال المتقدم تتضح تماماً اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان السماوات تختلف عن الارضين بعلوها بينما تتحدد الارض بدنوها من هنا فان الاعلى من الشيء ينسجم مع القيام لان العلو يتطلب حركة قيام والعكس هو الصحيح بالنسبة الى الارض حيث انها لم تقم نحو الاعلى بل استقرت نحو الادنى من المسافة.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من النكات الكامنة وراء عبارات الدعاء المذكورة والمهم هو ان نستثمر قراءتنا للدعاء وان نعمق معرفتنا بالله تعالى وان ندرب ذواتنا على الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******