الموسيقى الايرانية هي مجموعة من النغمات والايقاعات التي ظهرت منذ آلاف القرون وشهدت تطورات على مر العصور وهي تحمل السمات الأخلاقية والأحداث السياسية والاجتماعية لدى شعب عريق.
كان للموسيقى مكانة اجتماعية في عصر العيلاميين وعصر الأخمينيين، ولكن تطورت الموسيقى وازدهرت في عصر الدولة الساسانية وكانت تستخدم في طقوس عبادة الديانة الزرادشتية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت وقد برزت أسماء كثيرة من الموسيقيين مثل: رامتين وآزاد و باربد.
يعود أقدم هذه الآثار التي تدل على جذور تاريخها إلى الألفيَّة الخامسة قبل الميلاد. وفقًا لتلكَ السجلات فقد كانت أقدم الآلات الموسيقية في العالم موجودة في إيران، وهذه الآلات الأقدم هي: آلة الهارب والطبل. كانت توجد آلة موسيقية تسمى القوبوز «آلة العِشق» وهي آلة تعود جذورها إلى 6000 عام تقريبًا في فارس القديمة.
وبعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس لم تختف الموسيقى ويعود ذلك لبروز أسماء حافظت عليها وأضافت لها مثل زرياب الذي جعل الموسيقى الفارسية تؤثر في موسيقى الأندلس، بالإضافة إلى الفارابي وابن سينا الذين برعوا في عزف العود والناي.
يقول الموسيقار الشيرازي داريوش صفوت (1928- 2013) إن الموسيقى الإيرانية هي ثمرة تاريخ عريق من تعايش الأقوام المختلفة في بلاد "آريا" أو فارس القديمة، من كلدانيين وآشوريين وعبرانيين وبابليين وآخرين.
صفوت، وهو مؤسّس مركز حفظ الموسيقى ونشرها في إيران في العام 1968، تخصّص بالعزف على آلة تسمّى "سه تار" أو "ذو الأوتار الثلاثة"، وآلة "السنتور"، وهي آلة تشبه القانون الشرقي مع اختلافات طفيفة. وقد درس الموسيقى فلسفة وتحليلاً، وقدّم آراء في الموسيقى والإسلام، وكان إنجازه الأكبر في مجال الموسيقى الإيرانية.
ولديه أثر ضخم بعنوان "ثماني مقولات في فلسفة الموسيقى" يتكون من خمسة مجلّدات، يتناول فيها الموسيقى فرعاً من علم الجمال وفلسفة الجمال، محلّلاً التوجّه الموسيقي التقليدي في الشعوب، ومعرّجاً على أبرز وجوه الموسيقى الإيرانية عبر التاريخ، وعلى الآلات التي اختصّت بها الموسيقى الفارسية التقليدية، فتوارثتها الأجيال حتى تماهت مع الأذن الموسيقية الإيرانية وأمست هويّتها الأصلية.
تقدم الموسيقى التقليدية الإيرانية للسامع انطباعات لا تشبه الانطباع الحاصل من سماع أغنية، وإنما ترفع المزاج الجمالي إلى نواح ومقامات عالية، لا تخلو من خليط ساحر من الوجد والحزن الجميل والحنين إلى شيء ما مبهم أو مرمّز.
ربما هذا ما عبّر عنه المفكّر حسين إلهي قمشه اي، حين قال إن في كل مقطوعة موسيقية قطعة من الجنة، وإننا نشعر بهذا الحنين الغريب الآسر، وتحديداً لأننا، قبل هبوطنا إلى هذا العالم، كنا قد سمعنا هذه الألحان. لذا، نحن نعرفها جيداً.
هذه النظرة لا تخلو من المعنوية المثالية أو الروحانية الملموسة في نمط تفكير هؤلاء الأفراد. ألم يقلها أفلاطون؟ إننا كنا نعرف كل شيء في عالم المعقول، وجئنا إلى عالم المحسوس ونحن لا نفعل شيئاً إلا تذكّر ما كنا نعرفه! لعلّنا كنا نعرف كل هذه الألحان سابقاً.. في مكان ما! ربما لهذا نجيد العزف ونمتلك أذناً ورثت عشق النغم.
لقد وصلنا القليل عن تاريخ الموسيقى في إيران خلال العصور الماضية حتى عهد الساساني، بخلاف العهد الإسلامي الذي ألّف فيه الكتّاب المسلمون عدة مؤلفات في مجالات مختلفة ومنها الموسيقى.
تاريخيا تنقسم الموسيقي الفارسية الى ثلاثة أقسام :
1 ـ ما قبل الإسلام وتشمل موسيقى القوميات الايرانية القديمة مثل الموسيقى البختيارية والموسيقى الكردية والموسيقى اللورية و الموسيقة البلوشية و…
2 ـ ما بعد الإسلام و ينقسم الى نوعين :
أ = الموسيقي السماعية ( مثل الحماسية والرثاء )
ب = الموسيقي المقامية (مثل مقامات الموسيقي التقليدية )
3-الموسيقى الحديثة (وتبدأ من العصر القاجاري)
لقد وصلنا القليل عن تاريخ الموسيقى في إيران خلال العصور الماضية حتى عهد الساساني، بخلاف العهد الإسلامي الذي ألّف فيه الكتّاب المسلمون عدة مؤلفات في مجالات مختلفة ومنها الموسيقى.
أبرز مؤلفي ذاك العصر هم أبو نصر الفارابي مع كتاب "الموسيقي الكبير"، وأبو الفرج الأصفهاني وكتابه "الأغاني"، وصفي الدين أرموي وكتابه "رسالة شرفية"، وعبد القادر المراغي وكتابه "مقاصد الألحان" وقطب الدين شيرازي وكتابه "درة التاج".
أما اليوم تقسم الموسيقى الإيرانية الى نوعين:
1 – الموسيقى التقليدية وتسمى "سنتي" وتشمل أيضا الموسيقى المحلية وتعزف بالآلات التقليدية
2- موسيقى البوب التي إما تكون كل آلاتها ذات نمط غربي أو مزيجا من الآلات الغربية والتقليدية.
ووفقاً للتقسيم الجديد والذي يرجع تاريخه إلى حوالي مائة عام، فأن الموسيقي الايرانية تنقسم الى 12 مجموعة ومن هذه المجموعات هناك سبع مجموعات أخرى غير مستقلة و تنفرع من المقامات المذكورة و تسمي بالنغمات و هناك تفريعات اخري تخرج من هذه المجموعات تصل الي حوالي 228 نغمة و ايقاع و هناك موسيقيين تقليديين بارزين خلال القرن الماضي مثل آقا حسينقلي ـ ميرزا عبدالله ـ درويش خان و ابوالحسن صبا.
أسماء المقامات والنغمات في الموسيقى الايرانية التقليدية.
تقوم الموسيقى الإيرانية على سبع مقامات أصيلة هي "شور"، "سه كاه"، "جهار كاه"، "همايون"، "ماهور"، "نوا" و"راست بنجكاه"، يثير كل واحد منها لدى المستمع شغفا ممزوجا بالفرح والحزن والتأمل.
للموسيقى الفارسية خمس نغمات أصلية أيضا وهي: "أبو عطا"، "بيات ترك"، "بيات إصفهان"، "أفشاري" و"دشتي". وتم ذكر 280 زاوية لكل هذه المقامات والنغمات في الكتب القديمة، إلا أنه لا يستخدم حاليا منها إلا القليل. كل هذه التقسيمات والقواعد المعاصرة نشأت في عهد القاجاريين (1794- 1925).
أجزاء المقامات والنغمات :
لإجراء أي مقام أو نغمة لابد من الالتزام بالترتيب التالي :
المقدمة ـ النغمة ـ الأغنية و قام المرحوم درويش خان بابتكار جزئين آخرين أضافهما له و لا تزال موجودة حتى الان و هما : ما قبل المقدمة والايقاعات الاربعة .
تتهادى الموسيقى الفارسية بين الكثير من الثقافات التي تجمعها حضارة واحدة، وكل منها تستخدم هذه الآلات في الأغاني الفلكلورية الخاصة، ولدى الجميع إيقاعه الخاص في الاستخدام للتعبير عن مشاعره وتاريخه وثقافته العريقة.
الأغاني الفولكلورية الايرانية :
يقول المرحوم خالقي بهذا الخصوص : ان احدي المصادر الهامة لموسيقي اي بلد هي المقامات والنغمات والاغنيات المنتشرة في المناطق المختلفة مثل القري البعيدة عن المدن ويقوم بترديدها الهالي هناك وهذا النوع من الموسيقى ابتعدت عن مؤثرات المدن والحداثة.
لذلك فأن هذه الموسيقي طبيعية وهي أقرب الموسيقي الاصلية والتقليدية لذلك البلد . و ان تجميع هذه الموسيقي سيؤدي الى المحافظة عليها والمساعدة في الابحاث التي تقام من اجل التعرف علي خصائص ذلك البلد الموسيقية و لان ايران بلد تعيش فيه أقوام وقبائل مختلفة فان الموسيقي الفولكلورية الايرانية تتمتع بخصائص متنوعة في التعبير واللحن.
فالموسيقي الاذربيجانية والجيلانية والخراسانية والكردية و الشيرازية والبلوشية تختلف عن بعضها البعض ليس في الكلمات فحسب وانما في الايقاع و النغم .
ومن الناحية الشكلية فان الموسيقى المحلية الايرانية تنقسم الى نوعين :
1 ـ أغاني المقامات المحلية والتي يتم انشادها من قبل شخص واحد او مجموعة .
2 ـ الرقص المحلي الذي ترافقه الموسيقي والأغاني الشعبية.
الأغاني المحلية غنية بالنغمات وتعتبر من أكثر الأغاني الفولكلورية غناء في العالم لتنوعها في النغمات. وهي تتنقل عن ظهر القلب ومن جيل الى جيل وتجسد أفكار ومعتقدات هذا الشعوب وهذه الأغاني تنبع من صميم المجتمع وتجسد الافكار التي يحملها هذا المجتمع و طبيعة التي يعيشها و نظراً لتعدد اللهجات و اللغات المختلفة في ايران فأن الاغاني الفولكولورية تعتبر اكبر مرجع ثقافي في ايران . هذا الاغاني تمثل الشعب و التاريخ الايراني و هي افضل ملهم للموسيقيين لخلق آثار موسيقي كلاسيكية .
ـ نماذج من الموسيقي الفولكلورية في ايران :
ـ موسيقى جيلان وتالش (الشمال)
ـ الموسيقى الكوردية (الغرب)
ـموسيقى الجنوب
ـ الموسيقى اللورية والبختيارية والفارسية (غرب ووسط)
ـ موسيقى سيستان وبلوشستان (جنوب الشرق)
ـ الموسيقى الخراسانية (الشرق)
ـ الموسيقى التركمانية (شمال الشرق)
ـ الموسيقى الآذرية (شمال الغرب)
يقول جان دورينغ المستشرق الفرنسي والباحث في الأدب الفارسي وصاحب كتاب "السنة والتحول في الموسيقى الإيرانية"، إن "الحرية في الإجراء والارتجال، وهما ميزتان يستمتع الملحن والمغني الفارسي في صنعهما، إذ بإمكانهما نقل الأحاسيس والتعابير الشخصية إلى الموسيقى، بالإضافة إلى أن طريقة اللحن والغناء لطيفة وسلسة.. بل هي ميزات لا نراها إلا في الموسيقى الإيرانية".
ويتيح هذا التنوع الموسيقي في إيران لغالبية الشعب أن يستمتع أو يقرأ من الأبيات الشعرية ما يلبي حاجاته للوصول إلى مقصوده الروحي والمادي، والتعبير عما يعجز اللسان عن التعبير عنه.