“يؤكد معجم معين أن سلسلة الجبال هذه، تضمّ أعمدة مرتفعة في أعلى القمة، وهي من حجر بازلت (Basalt)، وبالتالي هي من بعيد تشبه منارات الجوامع، فلذلك تمّ تسمية قمة سلسلة الجبال بألْف مسجد. ثم يتحدث المعجم عن احتمالية أخرى، وهي وجود صوامع في القمة حسب بعض أقوال”.
وتشكل سلسلة جبال “هزار مسجد” أي (ألف مسجد)، مرتفعات شمال محافظة خراسان الرضوية والتي تمثل الحدود الطبيعية تفصل بين سهول مشهد وصحراء قره قوم في تركمانستان. وعلى جهة الشمال الغربي من مدينة مشهد تقع قمة “هزار مسجد” أعلى قمم هذه السلسلة الجبلية التي يبلغ ارتفاعها أكثر من 3 آلاف متر.
أين موقعها؟
وتمتد سلسلة جبال هزار مسجد من جهة الشمال الغربي بمحافظة خراسان الرضوية إلى الجنوب الشرقي، ما يجعلها تحتضن في سفوحها الخضراء الشمالية منطقة كلات نادري، وتقع في أسفل المناطق الشمالية سهول قره قوم لتركمانستان، كما تحدها مدينة دركز من الشمال الغربي، ومن الجنوب جبال سهول مشهد.
وفي امتدادها تقع سلسلة جبال مزداوند وقره داغ ، وكبه داغ، وبالخان في تركمانستان، كما أنه يسمى جزء من جبال هزار مسجد “كبه داغ”، والذي يدعى “الله أكبر” في امتداد طريق دركز-قوجان.
ويشكل نهر هريرود حدود إيران وتركمانستان الذي يدعى هنا “تجن”، سبب شرخا كبيرا بين التلال.
وتغطي المروج الخضراء جبال هزار مسجد التي تتباهى بجمال أشجار العرعر الكثيفة والمليئة، وكلما يتقدم نحو أعالي المنطقة فالطبيعة تزهو بروعة مناظرها الجبلية الخلابة البكر.
وما يزيد من جمال الطبيعة هناك هو الشلالات الجميلة التي تهدي الهدوء والنقاء والروعة.
وشلال يرتفع إلى 10 أمتار فقط، يصب من أعلى التلال في مساحة دائرية الشكل خضراء بأشجارها ونباتاتها، ليملأ صوت خرير الماء الفضاءَ، فينشغل الزوار بالتسكع والاسترخاء والتمتع بالطبيعة وعنصرين من العناصر الأساسية في الكون: الهواء والماء.
وعن وجه تسمية سلسلة الجبال، قيل إن قمة سلسلة الجبال الواقعة على الحدود الإيرانية التركمانستانية، كان اسمها “هِزار مَزگِتْ”، وتعني “ألف مسجد”؛ فمفردة “مَزگِتْ” هي تسمية باللغة الفارسية العتيقة لمحلّ عبادة أتباع الديانة الزرادشتية. ثم تحولت الكلمة بمرور الوقت، فأصبح عنوان القمة “هِزار مسجد”.
وبعيداً عن اسم “سلسلة جبال هِزار مسجد”، للسكان حكاية أخرى لتقديسها، حيث يعتقد بعضهم أنها فتحولت إلى واحات خضراء وخصبة بالدعاء.
وتضم سلسلة الجبال قمماً متعددة وشلالات وأنهاراً وغابات ونباتات وحيوانات نادرة في البلاد، قادرة أن تحول رحلتك إلى تجربة فريدة.
وعلاوة على شجر العرعر الذي يغطي الجبال، تكثر في هزار مسجد، نبتة “حِلتيت” أو “صمغ المحروث”، وقيل إنه استُخدم لعلاج المرضى، كما أنه عشبة توجد في المطبخ الإيراني منذ عهد الساسانيين.
واستَخدم سكان إقليم خراسان الذي يضم هزار مسجد في شرق إيران، النبتةَ الثمينة التي تنبت هناك كأحد طرق التخلص من الديدان، بعد تناولها من خلال وضعها مع الزبيب أو التّمر.
وهذه النبتة لها رائحة نفاذة وغامضة ومزعجة، وإلى حد ما كان يلفّها نوع من الغموض بين الناس لجذب انتباه الجميع، تماماً كالثوم والبصل في البدايات، وبسبب رائحتها الكريهة، تعتبر طاردة للجن والقذارات والحشرات المؤذية. ومن ناحية أخرى فهي نوع من النباتات المثيرة بالنسبة للحيوانات وحتى البشر.
من هم سكانها؟
معظم السكان في عشرات القرى التي تحيط بسلسلة الجبال هذه، تنقسم إلى مجموعتين عرقيتين؛ الأولى الأكراد الكورمانجية، والثانية الإيماق.
والإيماق هم مجموعة قبائل بدوية متحالفة شبه رحّل، وأصولها مُغولية، وهُم مسلمون ينتمون إلى مذاهب مختلفة، وينطقون اللغة الفارسية لكن بلهجتهم الخاصة.
ويهتم السكان الأصليون بالحفاظ على البيئة، ويطلقون تسمية “قُرُق بان” على حامي البيئة والحيوانات، الذي يقوم بتنظيم فترات الصيد والرعي الدوري.
و“قُرُقْبان” وظيفة قد تتوارث من الآباء والأجداد، وهُم من أقدم السكان في تلك المنطقة الجبلية الخضراء. ولهم دور كبير في إنقاذ المنطقة من الفيضانات بالحفاظ على الطبيعة والنباتات.
وحسب “القُرُقبان” إن المنطقة تضم عشرات الأنواع من الحيوانات والأشجار والنباتات، وبعد قرون من العمل التطوعي المحلي في حمايتها.
الأغاني المحلية
الآلة الموسيقية المتداولة هنا هي “دُوتَار”، (Dutar) أي آلة الوترين بالفارسية، وهناك نمط من الغناء الكردي الكورمانجي الأصيل، يحمل عنوان “لُو”، يتفنن به سكان هزار مسجد.
وانطلاقاً من هناك تمّ تداوله في شمال إقليم خراسان، ويحتوي هذا النوع من الغناء على أغانٍ تحمل رسائل حبّ وغرام في حالة خاصة من الحزن، تتأثر ألحانها بالطبيعة الجبلية الخضراء وثقافة السكان.
و“هزار مسجد لها ألف موقع جذاب وعشرات طرق للوصول إليها، وإذا ما أردتم الوصول إلى مناطق فريدة جداً، فلا بدّ من أن تتركوا السيارة وتتسلقوا الطريق أو تبلغوها عبر الجرارات”.
وضمّت الحكومة سلسلةَ جبال هِزار مسجد إلى قائمة المناطق الطبيعية الأثرية، وحاولت الاهتمام ببيئتها عبر هيئة حماية البيئة الوطنية، وتُعدّ هذه المنطقة، في موسمي الربيع والصيف، من أهم المناطق السياحية الطبيعية في شرق البلاد.