الحمدلله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وصلى الله على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.
مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم الى برنامج القصص الحق.
أيّها الاحبة في هذه الحلقة من البرنامج نحط الرحال عند قصة معبرة أخرى تطرق إليها القرآن الكريم هي الواردة في سورة الدهر أو الإنسان.
فتابعونا أيّها الكرام ضمن الفقرات التالية:
• بعد مقدمة قصيرة ننصت خاشعين الى تلاوة هذه الآيات المتحدثة عن هذه الحكاية ثم نتطرق الى معاني مفرداتها وعباراتها.
• سماحة السيد عبد السلام زين العابدين الاستاذ في العلوم القرآنية يسلط الضوء على بعض النقاط الواردة في هذه الآيات.
• ثم نتابع معاً سرد حكاية سورة الدهر.
• ونواصل البرنامج بتقديم فقرة من هدي الائمة (عليهم السلام).
• ومسك الختام مع باقة من الدروس والنقاط المهمة المآخوذة من هذه الحكاية. فأهلاً ومرحباً الى فقرات هذا اللقاء
المقدمة
اتفق العلماء على أن سورة الإنسان أي الدهر أو ثمان عشرة آية منها قد نزلت في حق علي وفاطمة(عليهما السلام)، وأوردوا هذه الرواية في كتبهم واعتبروها من مفاخر الروايات الحاكية عن فضائل أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، واشتهارها كان مدعاة لذكرها في الأشعار حتى أنها وردت في شعر (الإمام الشافعي) ولا مجال هنا لذكره قبل كل شيء ننصت الى تلاوة هذه الآيات ثم نواصل البرنامج ان شاء الله تعالى.
التلاوة
"إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً(٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً(٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً(۷) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً(۸) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً(۹) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً(۱۰) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً(۱۱)"
المفردات
الآيات التي اخترناها لهذه الحلقة تتحدث عن المكافات التي أنعم الله بها على الأبرار وتذكر بأمور ظريفة في هذا الباب. فيقول تعالى: "إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً".
"الْأَبْرَار": جمع (بر) وأصله الإتساع، واطلق البر على الصحرا لاتساع مساحتها، وتطلق هذه المفردة على الصالحين الذين تكون نتائج أعمالهم واسعة في المجتمع، و(البر) هو الإحسان، وقيل: إنّ الفرق بين البرّ والخير هو أن البر يراد به الإحسان مع التوجه والإرادة، وأما الخير فمعناه أعمّ.
امّا (كافور): فله معان متعددة في اللغة، وأحد معانيها المعروفة: الرائحة الطيبة كالنبتة ذات الرائحة الطيبة، وله معنىً آخر مشهور هو الكافور الطبيعي ذو الرائحة القوية ويستعمل في الموارد الطبية كالتعقيم.على كل حال فإنّ الآية تشير إلى أنّ هذا الشراب الطهور معطر جدّاً فيلتذ به الانسان من حيث الذوق والشم.
ثمّ يشير الى العين التي يملؤون منها كؤوسهم من الشراب الطهور فيقول:" عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً".
هذه العين من الشراب الطهور وضعها الله تعالى تحت تصرفهم، فهي تجري أينما شاءوا.
أما مفردة (يفجّرون): من مادة تفجير، أخذت من أصل (الفجر) ويعني الشق الواسع، سواء كان شق الأرض أو غير ذلك، و(الفجر) نور الصبح الذي يشق ستار الليل، وأطلق على من يشق ستار الحياء والطهارة ويتعدّى حدود الله (فاجر) ويراد به هنا شقّ الارض.
ثمّ تتناول الآيات الأخرى ذكر أعمال "الْأَبْرَار" "وَعِبَادُ اللَّهِ" مع ذكر خمس صفات توضح سبب استحقاقهم لكلّ هذه النعم الفريدة: فيقول تعالى "يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً".
عبارة (يوفون) و(يخافون) والجمل التي تليها جاءت بصيغة الفعل المضارع وهذا يشير إلى استمرارية وديمومة منهجهم، فإن المصداق الأتم والأكمل لهذه الآيات هو أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسنان (عليهم السلام)، لأنهم وفوا بما نذروه من الصوم ثلاثة أيّام ولم يتناولوا في إفطارهم إلا الماء في حين أن قلوبهم مشحونة بالخوف من الله والقيامة.
وقوله تعالى "مُسْتَطِيراً": يراد به الإتساع والانتشار، وهو إشارة إلى أنواع العذاب واتساعه في ذلك اليوم العظيم، على كلّ حال فإنهم أوفوا بالنذور التي أوجبوها على انفسهم، وبالأحرى كانوا يحترمون الواجبات الإلهية ويسعون في أدائها، وخوفهم من شرّ ذلك اليوم، وآثار هذا الإيمان ظاهرة في أعمالهم بصورة كاملة.
ثم يتناول الصفة الثالثة لهم فيقول: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيرا".
لم يكن مجرد إطعام، بل إطعام مقرون بالإيثار العظيم عند الحاجة الماسّة للغذاء، ومن جهة أخرى فهو إطعام في دائرة واسعة حيث يشمل أصناف المحتاجين من المسكين واليتيم والأسير، ولهذا كانت رحمتهم عامّة وخدمتهم واسعة.
الضمير في عبارة (عَلَى حُبِّهِ) يعود إلى (الطعام) أي أنهم أعطوا الطعام مع احتياجهم له، وهذا شبيه ما ورد في الآية من سورة آل عمران: "لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ".
وقيل: ان الضمير المذكور يعود الى (الله) الوارد في ما سبق من الآيات، أي انهم يطعمون الطعام لحبّهم الشديد لله تعالى، ولكن مع الالتفات إلى ما يأتي في الآية الآتية يكون المعنى الأوّل أوجه.
والخصلة الرابعة للأبرار هي الإخلاص، فيقول: "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً".
ان هذا المنهج ليس منحصراً بالإطعام، إذ إن جميع أعمالهم خالصة لوجه الله تعالى، ولايتوقعون من الناس شكراً وتقديراً.
والمراد من "وَجْهِ اللَّه" هو ذاته تعالى، وإلا فليس لله صورة جسمانية، وهذا هو ما اعتمده وأكده القرآن في كثير من آياته.
ويقول في الوصف الأخير للأبرار: "إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً" (أي الشديد) من المحتمل أن يكون هذا الحديث لسان حال الأبرار، أو قولهم بألسنتهم.
وجاء التعبير عن يوم القيامة بالعبوس والشديد للإستعارة، إذ انها تستعمل في وصف الإنسان الذي يقبض وجهه وشكله ليؤكد على هول ذلك اليوم، أي أن حوادث ذلك اليوم تكون شديدة إلى درجة أن الإنسان لا يكون فيه عبوساً فحسب، بل حتى ذلك اليوم يكون عبوساً أيضاً.
هناك أقوال للمفسرّين في مادة "قَمْطَرِيراً": قيل هو من (القمطر) وقيل: مشتق من مادة (قطر) والميم زائدة، وقيل هو الشديد، وهو الأشهر.
وأشارت الآية الأخيرة في هذا البحث إلى النتيجة الإجمالية للأعمال الصالحة والنيات الطاهرة للأبرار فيقول: "فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً".
مفردة "نَضْرَة": بمعنى البهجة وحسن اللون والسرور الخاص الذي يظهر عند وفور النعمة والرفاه على الانسان. أجل، إن لون وجوههم في ذلك اليوم يخبر عن الهدوء والإرتياح، وبما انهم كانوا يحسون بالمسؤولية ويخافون من ذلك اليوم الرهيب، فإن الله تعالى سوف يعوضهم بالسرور وبالبهجة.
وتعبير "لَقَّاهُمْ" من التعابير اللطيفة والتي تدلّ على أن الله سوف يستقبل ضيوفه الكرام بلطف وسرور خاص وأنه سوف يجعلهم في سعة من رحمته.
ليست هذه الآيات مورد البحث هي الآيات الوحيدة التي عدّت إطعام الطعام من الأعمال الصالحة للأبرار وعباد الله، بل إن كثيراً من آيات القرآن اعتمدت هذا المعنى وأكدت عليه، وأشارت إلى أن لهذا العمل محبوبية خاصّة عند الله، وإذا ألقينا نظرة على عالم اليوم والذي يموت فيه بسبب الجوع حسب الأخبار المنتشرة ملايين الأشخاص في كلّ عام، والحال أن بقية المناطق تلقي بالغذاء الكثير في القمامة تتضح أهميّة هذا الأمر الإسلامي من جهة، وإبتعاد عالم اليوم عن الموازين الأخلاقية من جهة أخرى.
*******
زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم طبعاً هذه اشكالية في كثير من الايات المباركة المجملة يعني التي لم تذكر وتصرح بسبب النزول في نص الاية وهي طبعاً ديدن القرآن الكريم، القرآن الكريم لايصرح بالاسماء وبالحادثة وانما يشير الى الاسماء والى الحادثة هذه اشكالية في جميع الايات المباركة التي لاتكون صريحة في ذكر الاسماء والاشخاص وانما تعطي الحادثة من دون التصريح بالاسماء لأن الله عزوجل اراد للقرآن ان يجري مثل الشمس والقمر والليل والنهار وهذا معنى القاعدة الشهيرة في قواعد التفسير وعلوم القرآن "المورد لايخصص الوارد" المورد هو سبب النزول والحادثة التي على اثرها جاءت الايات المباركة والوارد هو الاية المباركة، "المورد لايخصص الوارد" وهي ذاتها القاعدة "العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب" وطبعاً هذا يتعلق بعلم كبير وواسع في علوم القرآن وهو علم اسباب النزول او شأن النزول ولمعرفة اسباب النزول دور كبير في عالم التفسير وقراءة النص القرآني ولهذا قد يختلف المفسرون في سبب نزول آية مثلاً سواء كانت هذه الاية المباركة فطرة الانسان او غير هذه الاية كما في آية "ياايها الرسول بلغ ماأنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" هناك توتر في ان هذه الاية نزلت في علي بن ابي طالب عليه السلام، كذلك الاية "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" صحيح هذه الاية لم تصرح بأسماء اهل البيت عليهم السلام وصحيح ان الاهل يمكن ان تكون اعم وحتى يمكن ان تشمل الازواج ولكن اسباب النزول هي الحكم يعني في روايات ام سلمة المتواترة التي يذكرها كل المفسرين حينما ارادت ان تدخل الكساء لم يوافق النبي صلى الله عليه واله وسلم بأن تدخل ام سلمة وهي زوج النبي صلى الله عليه واله وسلم فحينما يكون اللفظ مجمل لابد ان نلجأ الى اسباب النزول هي التي تحدد الاشخاص فهنا في النذر في سورة الدهر طبعاً هناك اجماع على انها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام حينما نذروا ذلك النذر "يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً" "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً" انظرواً مسكيناً، بدأت بالمسكين هذه اشارة الى القصة، قصة مجيء المسكين اولاً طلب منهم طعاماً وكانوا صائمين ثم جاء بعد ذلك اليتيم ثم جاء الاسير ولو كانت الاية تتحدث عن مفهوم لقدمت اليتيم، كل الايات التي تتحدث عن اليتيم والمسكين تقدم اليتيم الا في آية سورة الدهر فأنها تقدم المسكين، لماذا؟ لأنها تتحدث عن واقعة، لم تتحدث عن مفهوم فبدأت بالمسكين بعد ذلك بدأت باليتيم والاسير. بعضهم حاول ان يؤول كلمة اسير قال الاسير ليس فقط الاسير في حرب المسلمين وانما اسير الحروب بين قريش، كانت هناك حروب بين الكافرين فهناك اسرى فهذه السورة مكية وليست مدنية هكذا قال بعضهم يريد ان يبعد هذه الاية عن اهل البيت، يريد ان يقول ان هذه الاية او السورة، سورة الدهر نزلت قبل ولادة الحسين عليه السلام وقبل ولادة الحسن يعني يريد ان يكذب الروايات المتواترة التي قالت بأنها في الحسن والحسين وهذا ما اوصى به الامام علي عليه السلام ابن عباس حينما ذهب الى الخوارج اوصاه وصية رائعة قال له لاتخاصمهم بالقرآن فأنه حمال ذو وجوه يقول ويقولون ولكن حاججهم بالسنة فأنهم لم يجدوا عنها محيصاً، لابد ان نلجأ الى السنة، الى روايات النبي، اسباب النزول لأن الانسان لايستطيع ان يهرب من اسباب النزول لأنها تشخص الامور بأسماءها والحوادث بأبطالها واشخاصها.
اذا نظرنا الى الفاظ الآيات نجد انها عامة في مفهومها من هذا المنطلق يطرح البعض اشكالية في إمكانية تخصيصها بأفراد معينين؟كما ان بعض المفسرين قد ذكروا أسباباً أخرى لنزول هذه السورة لاتتفق مع السبب الذي ذكرناه في نزول الآية؟
*******
القصة
في أحد الايام مرض الحسن والحسين عليهما السلام، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وآله عادهما وذهب لزيارتهما مع بعض أصحابه، فأشاوا على الامام علي عليه السلام قائلين: يا ابا الحسن، لو نذرت على ولديك عسى الله ان يشفيهما من مرضهما.
فنذر أمير المؤمنين علي وفاطمة وجاريتهما فضة أن يصوموا ثلاثة ايام إن شفي الحسن والحسين عليهما السلام من مرضهما.وعندما منّ الله تعالى عليهما بالشفاء صاموا ليوفوا بالنذر، ولم يكن عندهم من طعام للإفطار فاستقرض علي(عليه السلام) ثلاثة أصواع من شعير، وقامت فاطمة(سلام الله عليها) بطحنها وخبزت منه خمسة اقراص على عددهم.وبينما هم متهيأين للافطار إذ طرق الباب سائل فقال: السلام عليكم يا اهل بيت محمد (ص)، انا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.
فقدموا له أقراصهم ولم يذوقوا من الطعام شيئاً سوى الماء وفاءً بنذرهم صاموا يومهم الثاني وهم جائعون.
وفي اليوم الثاني خبزت السيدة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) خمسة أقراص أخرى، وفي لحظة الافطار طرق الباب سائل فقال: انا يتيم من المسلمين، وقال مثل ما قال المسكين قبل ذلك. فأعطوه الاقراص وفطروا على الماء وصاموا اليوم الثالث دون أن يأكلوا شيئا.
وفي اليوم الثالث وعند موعد الإفطار وضعوا أمامهم الأقراص الخمسة وهي كل ما بقي لديهم من طعام، واذا بالباب يطرق وكان السائل هذه المرة اسيراً وطلب منهم أن يطعموه، فأعطوه الأقراص وناموا ليلتهم أيضاً بدون طعام.وعند الصباح ذهب علي مع الحسن والحسين(عليهم السلام) لزيارة الرسول(صل الله عليه وآله) فلما رآهم يرتعشون من شدة الجوع قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم! وقام وانطلق معهم ليرى فاطمة(سلام الله عليها) وكانت تصلي وقد نحلت جداً من الجوع. وقد قصوا عليه ما قد جرى، عند ذلك نزل جبرئيل(ع) مبشراً رسول الله بأهل بيته(ص) بالآية الكريمة:"إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً{۹} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً{۱۰} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً{۱۱}".
من هدي الائمة عليهم السلام
نقل عن الإمام الباقر(عليه السلام) في وصف العين التي تتحدث عنها الآية المباركة قال(عليه السلام): هي عين في دار النبي تفجر الى دور الأنبياء والمؤمنين.
ونورد هنا على سبيل المثال عدداً من الأحاديث الإسلامية التي أكدت اطعام الطعام قال النبي(صلى الله عليه وآله): (من أطعم ثلاث نفر من المسلمين أطعمه الله من ثلاث جنان في ملكوت السموات) (۱).
وفي حديث للإمام الصادق(عليه السلام) قال: "من أطعم مؤمناً حتى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا الله رب العالمين"(۲).
وفي حديث آخر عنه(عليه السلام): قال "لئن أطعم مؤمناً محتاجاً أحب إلى من أن أزوره، ولئن أزوره أحب إلى من أن اعتق عشر رفاب".
دروس وعبر
والملاحظ أن أوّل ما ذكر من نعم الجنان في هذه السورة هو الشراب الطهور المعطر الخاصّ. لكونه يزيل كلّ الهموم والحسرات والقلق والأدر ان عند تناوله بعد الفراغ من حساب المحشر، وهو أوّل ما يقدم لأهل الجنان ثمّ ينتهون إلى السرور المطلق بالإستفادة من سائر مواهب الجنان.
فأنها عيون العلم والرحمة التي تتفجر من بيت النبي(صلى الله عليه وآله) وتجري إلى قلوب عباد الله الصالحين، كذلك في الآخرة حيث التجسم العظيم لهذا المعنى تتفجر عين الشراب الطهور الإلهي من بيت الوحي، وتنحدر فروعها، الى بيوت المؤمنين!
والملاحظة الاولى التي لابدّ من ذكرها هنا هو قول بعض العلماء المفسّرين ومنهم المفسّر المشهور الآلوسي، وهو من أهل السنة قال: إن كثيراً من النعم الحسية قد ذكرت في السورة إلا الحور العين التي غالباً ما يذكرها القرآن في نعم الجنان، وهذا انما هو لنزول السورة بحق فاطمة وبعلها وبنيها(عليهم السلام) وإن الله لم يأت بذكر الحور العين إجلالاً واحتراماً لسيدة نساء العالمين!
ان قيمة العمل في الإسلام بخلوص النية وإلا فإن العمل إذا كان بدوافع غير الهية، سواءكن رياءً أو لهوى النفس، أو توقع شكر من الناس أو لمكافات مادية، فليس لذلك ثمن معنوي وإلهي.
وقد أشار النبي(صلى الله عليه وآله) إلى ذلك إذ قال: (لا عمل الا بالنية وانما الأعمال بالنيات).
والجدير بالذكر أن الروايات لم تؤكد على إطعام المحتاجين والجياع فحسب، بل صرّحت بعض الروايات أن إطعام المؤمنين وإن لم يكونوا محتاجين هو كعتق رقبة العبد، وهذا يدلّ على أن الهدف لايقتصر على رفع الاحتياج بل جلب المحبّة وتحكيم وشائج المودة.