بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله والصلاة والسلام علي امين وحيه محمد المصطفى واله الهداة الابرار.
مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمه الله وبركاته واهلا بكم الى برنامج القصص الحق.
ايهاالاحبه في هذه الحلقة من البرنامج نواصل حديثنا عن حكاية نبي الله ابراهيم _عليه السَّلام_ و نذكر القضية التي ذكرت في سورة البقرة في الاية ۲٦۰ وهي تذكر قصة طلب ابراهيم _عليه السَّلام_ من اللهم ان يريه كيفية احيائه عزو جل للاموات.
فتابعونا ايها الكرام ضمن الفقرات التالية:
بداية ننصت خاشعين الى تلاوة الاية المباركة.
ثم نتعرف على معاني مفرداتها والعبارات التي وردت فيها.
نستمع الى اجابة سماحة السيد عبد السلام زين العابدين وهو يجيب عن اشكالية تطرح في هذا المجال.
نستمع بعد ذلك الى محطة سرد الحكاية.
ونهتدي بهدي الائمة _عليه السَّلام_ في فقرة من هدي الائمة _عليه السَّلام_.
ومسك الختام مع باقة من الدروس والعبر التي نساتنتجها من الاية.
فاهلا ومرحبا بكم الى فقرات هذه اللقاء.
المقدمة
يتطرق القرآن الكريم الى مسألة المعاد من خلال قصة إبراهيم _عليه السَّلام_ التالية ويبين له كيفية احياء الموتى باذن وارادة رب العالمين.
فلننصت خاشعين الى تلاوة الاية:
التلاوة
"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (البقرة الاية مئتان والستون)
المفردات
يقول الباري عزوجل: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى".
يفيد تعبير "أَرِنِي كَيْفَ..." أنّه _عليه السَّلام_ طلب الرؤية والشهود عياناً لكيفية حصول البعث لا البعث نفسه.
"قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي".
من الممكن أن يتصور البعض أنّ طلب إبراهيم _عليه السَّلام_ هذا إنّما يدلّ علي تزلزل إيمان إبراهيم _عليه السَّلام_، ولإزالة هذا التوهّم أوحى إليه السؤال: "أَوَلَمْ تُؤْمِن"؟ لكي يأتي جوابه موضحاً الأمر، ومزيلاً كلّ التباس قد يقع فيه البعض في تلك الحادثة، لذلك أجاب إبراهيم _عليه السَّلام_ قال بلى ولكن لِيطمئنَّ قلبي.
"قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً".
«صرهنّ» من «الصَوْر» أي التقطيع، أو الميل، أو النداء، ومعني التقطيع أنسب. أي خذ أربعة من الطير واذبحهنّ وقطّعهنّ واخلطهنّ.
لقد كان المقصود أن يشاهد إبراهيم _عليه السَّلام_ نموذجاً من البعث وعودة الأموات إلى الحياة بعد أن تلاشت أجسادها، وهذا لا يتناسب مع أملهنّ ولا مع نادِهنّ وعلى الأخصّ ما يأتي بعد ذلك "ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً" وهذا دليل على أنّ الطيور قد قطّعت أوّلاً وصارت أجزاء، ولعلّ الذين قالوا إنّ "صُرْهُنَّ إِلَيْكَ" تعني استمالتهنّ وايناسهنّ قد غفلوا عن لفظة «جزءاً» هذه، وكذلك الهدف من هذا العمل.
وبذلك قام إبراهيم بهذا العمل وعندما دعاهنّ تجمّعت أجزائهنّ المتناثرة وتركبّت من جديد وعادت إلي الحياة، وهذا الأمر أوضح لإبراهيم _عليه السَّلام_ أنّ المعاد يوم القيامة سيكون كذلك على شكل واسع وبمقياس كبير جدّاً.
ويرى بعضهم أنّ كلمة "سَعْياً" تعني أنّ الطيور بعد أن عادت إليهنّ الحياة لم يطرن، بل مشين مشياً إلى إبراهيم _عليه السَّلام_ لأنّ السعي هو المشي السريع، وينقل عن الخليل ابن أحمد الأديب المعروف أنّ إبراهيم _عليه السَّلام_ كان يمشي عندما جاءت إليه الطيور، أي أنّ "سَعْياً" حال من إبراهيم _عليه السَّلام_ لا من الطيور.
*******
زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم، احسنتم سؤال جميل ولطيف ودائماً هذا السؤال يتكرر لأنه ربما حين ندقق في الاية المباركة وبسؤال ابراهيم عليه السلام ونحن نعرف ان ابراهيم من انبياء اولي العزم لابد انه حينما نفسر اقوال الانبياء نستحضر عظمة النبوة ويقين الانبياء بالله عزوجل وبالحشر وبالنشر "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى" هنا السؤال عن كيفية الاحياء يعني هناك يقين عند ابراهيم عليه السلام بالبعث واحياء الموتى في عقله، على صعيد العقل كان يؤمن بالدليل، كان يؤمن بالحجة والبرهان والاستدلال والاحتجاج بأن هناك احياء موتى ولكن السؤال كان يعني الاطمئنان على صعيد القلب "وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" فرق كبير بين اليقين العقلي والاطمئنان القلبي ولهذا سأل عن كيفية الاحياء يعني ينبغي ان نفرق بين مشاهدة كيفية الاحياء وبين اصل الاحياء، ايراهيم عليه السلام لم يسأل عن اصل الاحياء وانما سأل عن مشاهدة كيفية الاحياء ولهذا قال "أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى"، لم يسأل كيف تتجمع هذه الاجزاء المتفرقة للميت لتكون انساناً من جديد وانما كيف يفيض الله عزوجل الحياة يعني افاضة الحياة على الموتى وبتعبير اخر كما يعبر العلامة الطباطبائي سؤال عن الملكوت وليس عن الملك يعني هذه الاسرار ومشاهدة الاحياء واسرار الاحياء ليريد ابراهيم عليه السلام ان يرى هذا الامر رؤية مشاهدة ولهذا المسألة ليست على صعيد العقل واليقين العقلي وانما كانت على صعيد القلب ولهذا العلامة الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه عنده كلمة جميلة بهذا الخصوص يقول وجود الخطورات المنافية للعقائد اليقينية لاينافي الايمان والتصديق غير انها تؤذي النفس وتسلب السكون والقرار منها ولايزول وجود هذه الخواطر الا بالحس والمشاهدة ولذلك قيل ان للمعاينة اثراً لايوجد مع العلم، من هذا المنطلق سأل ابراهيم عليه السلام "رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَىقَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن" يعني هنا اليقين على صعيد العقل والبرهان والاستدلال"قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" يعني هناك ايمان على صعيد البرهان والدليل والاستدلال ولكن كان يريد ابراهيم الاطمئنان عن طريق الحس والارائة والاشهاد وليس عن طريق البرهان والاستدلال والاحتجاج ولهذا جاء الامر اللهي الجواب "قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ" صرهن يعني الامالة اليك "ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " يعني هنا لم يكن ابراهيم يشك بقدرة الله عزوجل لذلك لم يقل قدير مثلاً عزيز وانما جاء بعزيز حكيم فهناك العزة والحكمة ولهذا لايمكن ان نقارن مثلاً ابراهيم عليه السلام بموسى عليه السلام "أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ" لأن بعضهم قال أرني انظر اليك يعني شبيه بأرني كيف تحيي الموتى لأن احياء الموتى احياء امر ممكن بل حتمي الوقوع فالسؤال عن الكيفية لحصول الاطمئنان القلبي عن طريق المشاهدة والحس وليس عن طريق الاستدلال والبرهان ولهذا "قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" انا عندي ايمان، يقين قاطع ولكن على صعيد العقل، فرق كبير بين صعيد العقل والاطمئنان على صعيد القلب، صعيد القلب يحتاج الى مشاهدة والى رؤية الملكوت "وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ"(الأنعام۷٥) يعني اسرار الافاضة الالهية للموتى حينما الميت يتفرغ جسده في الارض فأسرار وملكوت تجميع هذه الذرات المتفرقة للميت لتكون انساناً من جديد، لم يسأل عن الملك وعن القدرة الالهية وانما سأل عن الملكوت يعني عن اسرار هذه الافاضة الالهية الربانية، الاجزاء المتفرقة من الانسان لتصبح بعد ذلك انساناً من جديد.
*******
ماالفرق بين الايمان والاطمئنان القلبي الذي يتحدث عنه ابراهيم _عليه السَّلام_ في قوله لله تعالى "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" لا سيما عندما نقارن هذا الموقف مع الاية المباركة "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ"(الحجرات۱٤) فاذا دخل الايمان في القلب الا يعني ذالك الاطمئنان؟
القصة
ذات يوم مر إبراهيم على ساحل البحر، فرأى جثةً ميت على الساحل: بعضها في الماء، وقد اجتمع عليها بعض الأسماك تأكل منها.. وبعضها في البر، وقد اجتمع عليه بعض السباع تأكل منها. عند ذاك تفكّر إبراهيم في كيفية إعادة الأموات، يوم القيامة. فطلب من الله، أن يريه إحياء الأموات، حتي يصير علمه عياناً.
فقال: "رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى"؟
قال الله تعالى: "أَوَلَمْ تُؤْمِن"؟
قال إبراهيم: "بلى" إني مؤمن "وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي"
قال الله تعالى: "فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"
فأخذ إبراهيم الديك.. والحمامة.. والطاووس.. والغراب.. فذبحهن، وقطّعهن، وخلطهنّ، ثم جعل على كلّ جبل من الجبال التي حوله ـ وكانت الجبال عشرة ـ جزءاً من تلك الأجزاء المخلوطة، وجعل مناقير هذه الطيور الأربعة بين أصابعه. ثم دعا الطيور بأسمائهن ـ ووضع عنده ماءاً وحبّاً ـ فتطايرت تلك الأجزاء، وانضمّت بعضها إلى بعض، حتي كملت الأبدان وجاء كل بدنٍ حتى لحق برأسه ومنقاره، فخلّى إبراهيم _عليه السَّلام_ سبيلهنّ، فطرن، ثم وقعن، فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب، وشكَرن إبراهيم - عليه السلام -.
من هدى الائمة _عليه السلام_
في حديث قال الامام الصادق _عليه السَّلام_: في قوله تعالى، وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى الآية: هذه آية متشابهة، ومعناها أنه سأل عن الكيفية والكيفية من فعل الله عز وجل، متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب، ولا عرض في توحيده نقص.
وسئل الامام ابو الحسن الرضا _عليه السَّلام_ عن قول ابراهيم _عليه السَّلام_ عندما "قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" أ كان في قلبه شك؟ قال لا ولكن أراد من الله الزيادة.
دروس وعبر
في الاية المباركة يفهم من قول ابراهيم "بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي".
أنّ الإستدلالات العملية والمنطقية قد تؤدّي إلى اليقين ولكنها لا تؤدّي إلى اطمئنان القلب، إنّها ترضي العقل لا القلب ولا العواطف.
ان حالات الكشف والشهود العرفانية لا تتحقق الا لمن سلك طريق الله ووصل الى مقامات عليا وهي لا تتوفر لغيره.
المسلمون متفاوتون في ايمانهم منهم من اسلم لله امره فهو مسلم ومنهم من آمن بقدرة الباري عزوجل فهو مومن ومنهم من ايقين بها فهو موقن ولليقين ايضا درجات علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.
هذه الاية المباركة لدلالة واضحة على ان المعاد في يوم القيامة هو في الواقع معاد جسماني وليس معادا روحانيا وحسب.
*******