بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على حامل وحيه ومبلغ رسالاته محمد وآله الطاهرين، السَّلام عليكم ايها الكرام ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم الى لقاءنا القراني هذا (القصص الحق) اليوم نحط رحلنا ضمن هذا التجوال القراني عند تكملة قصة نبي الله نوح (عليه السلام) التي ذكرت في سورة هود من الاية الاربعين حتى الثالثة والاربعين فتابعوا معنا الفقرات التالية. بداية نتصت الى تلاوة هذه الايات من سورة هود. ثم نتعرف واياكم على مفرداتها ومعاني العبارات. نقف عند اجابة سماحة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرانية عن سؤال بشأن الحكاية. ثم نتابع معاً سرد تفاصيل الحكاية. في فقرة من هدي الائمة (عليه السلام) نقدم لكم رواية عن الامام الصادق (عليه السلام) حول الايات. واخيراً مع شيء من الدروس والعبر المأخوذة من الحكاية ننهي هذا اللقاء الطيب والمبارك ببركة القرآن الكريم...
*******
المقدمة
تحدثنا في الحلقة الماضية حول صنع نوح (عليه السلام) للسفينة و ذلك تحت الرعاية الالهية وكيف انه واجه جميع المشاكل واستهزاء الأكثرية من غير المؤمنين، وكان هو و المؤمنون قد هيأوا أنفسهم للطوفان، ذلك الطوفان الذي طهّر سطح الأرض من دنس المستكبرين الكفرة. والآيات ـ التي نتناولها في هذا اللقاء تتعرض لموضوع ثالث، وهو كيف كانت النهاية؟ وكيف تحقق نزول العذاب على القوم المستكبرين.
*******
التلاوة
" حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فيها مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَليلٌ ٤۰ وَ قالَ ارْكَبُوا فيها بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحيمٌ ٤۱ وَ هِيَ تَجْري بِهِمْ في مَوْج كَالْجِبالِ وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ وَ كانَ في مَعْزِل يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَ لاتَكُنْ مَعَ الْكافِرينَ ٤۲ قالَ سَآوي إِلى جَبَل يَعْصِمُني مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقينَ ٤۳"
*******
المفردات
قال الله تعالى " حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ " " التَّنُّورُ" بتشديد النون، هو المكان الذي ينضج الخبز فيه بعد أن كان عجينا ًلكن ما مناسبة ُفوران ِالماء في التنور واقترابِ الطوفان؟ اختلف المفسّرون فكانت لهم أقوال كثيرة في ذلك ولكن يبدو أنّ احتمال أن يكون التنور قد استعمل بمعناه الحقيقي المعروف أقوى، والمراد بيان هذه المسألة الدقيقة، وهي أنّه حين فار التنّور بالماء ـ وهو محل النّار عادةً ـ التفت نوح (عليه السلام) وأصحابه إلى أنّ الأوضاع بدأت تتبدل بسرعة وأنّه حدثت المفاجأة! في هذه الحالة بلغ الأمر الإلهي نوحاً: " قُلْنَا احْمِلْ فيها مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ ". لكنْ كم هم الذين آمنوا معه؟ سؤال يجيب عنه قوله تعالى " وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَليلٌ ". هذه الآية تشير إلى أنّ ثمرة جهاد نوح (عليه السلام) بعد هذه السنين الطوال والسعي الحثيث المتواصل في التبليغ لدعوته، لم يكن سوى هذا النفر المؤمن القليل! فبعض الرّوايات تقول أنّه استجاب لنوح خلال هذه الفترة الطويلة ثمانون شخصاً فقط، وتشير بعض الرّوايات الاُخرى إلى عدد أقل من ذلك. جمع نوح (عليه السلام) ذويه وأصحابه المؤمنين بسرعة، وحين أزف الوعد واقترب الطوفان وأوشك أن يحل عذاب الله أمرهم أن يركبوا في السفينة " وَ قالَ ارْكَبُوا فيها بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها ". "المجرى" و"المرسى": اسما زمان، ويعني الأوّل وقت التحرك، والثّاني وقت التوقف و لكن لماذا بسم الله ؟! لكي يعلمهم أنّه ينبغي أن تكونوا في جميع الحالات في ذكر الله تعالى وتستمدوا العون من اسمه وذكره " إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحيمٌ " فبمقتضى رحمته جعل هذه السفينة تحت تصرف واختيار المؤمنين لتنجيهم من الغرق وبمقتضى عفوه وغفرانه يتجاوز عن أخطائهم. فاصل وأخيراً حانت اللحظة الحاسمة، إذ صدر الأمر الإلهي فتلبّدت السماء بالغيوم كأنّها قطع الليل المظلم، وتراكم بعضها على بعض بشكل لم يسبق له مثيل، وتتابعت أصوات الرعد وومضات البرق في السماء كلها تخبر عن حادثة "مهولة ومرعبة جدّاً شرعَ المطر وتوالى مسرعاً منهمراً أكثر فأكثر، وكما يصفه القرآن في سورة القمر، الآيتان الحادية عشرة والثانية عشرة: " فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ{۱۱} وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ{۱۲}"ومن جهة اُخرى إرتفعت المياه الجوفية بصورة رهيبة بحيث تفجرت عيون الماء من كل مكان. وهكذا إتصلت مياه الأرض بمياه السماء، فلم يبق جبل ولا واد إلاّ استوعبه الماء وصار بحراً محيطاً خضمّاً... أمّا الأمواج فكانت على أثر الرياح الشديدة تتلاطم وتغدو كالجبال. وسفينة نوح ومن معه تمضي في هذا البحريقول الباري تعالى بشان حركة السفينة " وَ هِيَ تَجْري بِهِمْ في مَوْج كَالْجِبالِ " " وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ وَ كانَ في مَعْزِل يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَ لاتَكُنْ مَعَ الْكافِرينَ " . لم يكن نوح هذا النّبي العظيم أباً فحسب، بل كان مربيّاً لا يعرف التعب والنصب، ومتفائلا بالأمل الكبير بحيث لم ييأس من ابنه القاسي القلب، فناداه عسى أن يستجيب له، ولكن ـ للأسف ـ كان أثر المحيط السيء عليه أكبر من تأثير قلب أبيه المتحرّق عليه. لذلك فإنّ هذا الولد اللجوج، وظنّاً منه أن ينجو من غضب الله أجاب والده نوحاً و" قالَ سَآوي إِلى جَبَل يَعْصِمُني مِنَ الْماءِ " ولكنّ نوحاً لم ييأس مرّة اُخرى فنصحه أن يترك غروره ويركب معه و" قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ " ولاينجو من هذا الغرق إلاّ من شمله لطف الله " إِلاّ مَنْ رَحِمَ ". وفي هذه الحالة التي كان ينادي نوح إبنه ولا يستجيب الابن له ارتفعت موجة عظيمة والتهمت كنعان بن نوح وفصل الموج بين نوح وولده " وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقينَ ".
*******
مستمعينا الافاضل لماذا ينادي نوح ابنه ليصعد في السفينة دون غيره، هو لم يكن مؤمناً برسالته كما يقول الباري عزوجل " إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ " للاجابة عن هذا السؤال يتفضل سماحة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرآنية من مدينة قم المقدسة بالاجابة على هذا السؤال، نستمع معاً ...
*******
زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم، طبعاً نوح عليه السلام لم يكن يتيقن بأن ابنه من الذين لم يأمرهم الله ان يحملهم في السفينة لأنه قال له تعالى " احْمِلْ فيها مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَليلٌ "نوح عليه السلام كان متيقناً من ان امرأته من سبق عليه القول يعني لاتركب في السفينة لأنها كانت خائنة وكانت كافرة ولهذا كان مطمئناً من ان زوجته ليست من اهله الناجين ولكنه كان غير مطمئن من كفر ابنه، كان يأمل ان يكون ابنه من الذين تشملهم النجاة ولهذا حينما قال "احمل فيها من كل زوجين اثنين ومن اهلك الا من سبق عليه القول، من سبق عليه القول يعني بالكفر والهلاك ولهذا يقول العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه كان نوح عليه السلام يشك هل مراد الذين ظلموا، الذين سبق عليهم القول الظالمون بالدعوة او هو مبهم يحتاج الى تفسير من لدن قائله فكأنه هذه الامور رابته عليه السلام، أرابت نوح عليه السلام في امر ابنه ولذلك لم يجترأ عليه السلام على مسألة قاطعة بل القى مسألته كالعارض يعني نوح عليه السلام لم يصرح بنجاة ابنه عليه السلام وانما هو كان مستفسراً لعدم احاطته كما يقول العلامة الطباطبائي بالعوامل المجتمعة واقعاً على امر ابنه بل بدأ بالنداء بأسم الرب لأنه مفتاح دعاء المربوب المحتار السائل ثم قال " إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ " يعني كأن يقول وهذا يقتضي بنجاة ابني " وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ "، لاخطأ في امرك ولا مغمض في كلمتك فما ادري الى ما انجر امره ولهذا نوح عليه السلام ادركته العصمة الالهية وقطعت عليه الكلام وفسر الله سبحانه وتعالى معنى قوله في الوعد " أَهْلِكَ " لأن الله عزوجل وعده، ماذا قال؟ بأن ينجي اهله " حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فيها مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ " يعني كان مطمئناً نوح عليه السلام بأن زوجته ليست من الاهل الناجين ولكن لم يكن يعلم ان ابنه ليس من اهله الناجين " إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ " يعني من سبق عليه القول " وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَليلٌ " فنوح عليه السلام ادركته العصمة الالهية وقطعت عليه القول وفسر الله سبحانه معنى القول في الوعد واهلك ان المراد فيه الاهل الصالحون وليس الابن الغير صالح وقد قال تعالى من قبل " وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ " وقد اخذ نوح عليه السلام بظاهر الاهل وان المستثنى منهم هو امرأته الكافرة فقط.
*******
القصة
انهى نبى الله نوح صنع السفينة، وجلس (ع) ينتظر أمر الله. أوحى الله إلى نوح أنه إذا فار التنور هذا علامة على بدء الطوفان، وجاء اليوم الرهيب، فار التنور. وأسرع نوح يفتح سفينته ويدعو المؤمنين به، وهبط جبريل عليه السلام إلى الأرض. حمل نوح إلى السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين. صعدت الحيوانات والوحوش والطيور، وصعد من آمن بنوح، وكان عدد المؤمنين قليلا ارتفعت المياه من فتحات الأرض. انهمرت من السماء أمطارا غزيرة بكميات لم تر مثلها الأرض. فالتقت أمطار السماء بمياه الأرض، وصارت ترتفع ساعة بعد ساعة. فقدت البحار هدوئها، وانفجرت أمواجها تجور على اليابسة، وتكتسح الأرض. وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في المياه. ارتفعت المياه أعلى من الناس. تجاوزت قمم الأشجار، وقمم الجبال، وغطت سطح الأرض كله. وفي بداية الطوفان نادى نوح ابنه. كان ابنه يقف بمعزل منه. نادى نوح ابنه قائلا: "يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ " ورد الابن عليه: " قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء " عاد نوح يخاطبه: " قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ " وانتهى الحوار بين نوح وابنه: "وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ " أنهى الموج حوارهما فجأة. نظر نوح فلم يجد ابنه: " فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ " واستمر الطوفان. استمر يحمل سفينة نوح. بعد ساعات من بدايته، كانت كل عين تطرف على الأرض قد هلكت غرقا. لم يعد باقيا من الحياة والأحياء غير هذا الجزء الخشبي من سفينة نوح، وهو ينطوي على الخلاصة المؤمنة من أهل الأرض. وأنواع الحيوانات والطيور التي اختيرت بعناية. ثم صدر الأمر الإلهي إلى السماء أن تكف عن الإمطار، وإلى الأرض أن تستقر وتبتلع الماء، وإلى أخشاب السفينة أن ترسو على الجودي، وهو اسم مكان قديم يقال أنه جبل في العراق. لم يكن نوح يعرف حتى هذه اللحظة أن ابنه كافر. كان يتصور أنه مؤمن عنيد، آثر النجاة باللجوء إلى جبل. وكان الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يتم.. فلم يعرف نوح حظ ابنه من الإيمان. تحركت في قلب الأب عواطف الأبوة. " فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ " أراد نوح أن يقول لله أن ابنه من أهله المؤمنين. وقد وعده الله بنجاة أهله المؤمنين. فقال الله سبحانه وتعالى، مطلعا نوحا على حقيقة ابنه للمرة الأولى " يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ " استغفر نوح ربه وتاب إليه وأمره أن يهبط من السفينة محاطا ببركة الله ورعايته. وهبط نوح من سفينته. أطلق سراح الطيور والوحش فتفرقت في الأرض، نزل المؤمنون بعد ذلك.
*******
من هدي الائمة (عليه السلام)
في الكافي، بإسناده عن المفضل قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا مفضل كان منزل نوح و قومه في قرية على منزل من الفرات مما يلي غربي الكوفة. قال: و كان نوح رجلا نجارا فجعله الله عز و جل نبيا و انتجبه، و نوح أول من عمل سفينة تجري على ظهر الماء. قال: و لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله عز و جل فيهزءون به و يسخرون منه فلما رأى ذلك منهم دعا عليهم فقال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا - إنك إن تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا - إلا فاجرا كفارا، فأوحى الله عز و جل إلى نوح أن اصنع سفينة و أوسعها و عجل عملها فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده، فأتى بالخشب من بعد حتى فرغ منها.
*******
دروس و عبر
*ثمة درس مهم تنطوي عليه الآيات الكريمة التي تحكي قصة نوح وابنه. أراد الله سبحانه وتعالى أن يقول لنبيه الكريم أن ابنه ليس من أهله، لأنه لم يؤمن بالله، وليس الدم هو الصلة الحقيقية بين الناس. ابن النبي هو ابنه في العقيدة. هو من يتبع الله والنبي، وليس ابنه من يكفر به ولو كان من صلبه. هنا ينبغي أن يتبرأ المؤمن من غير المؤمن. وهنا أيضا ينبغي أن تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب. لا اعتبارات الدم أو الجنس أو اللون أو الأرض. *يدل قوله تعالى " وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَليلٌ " على ما كان عليه هذا النّبي العظيم نوح (عليه السلام) من الصبر والإستقامة في درجة قصوى بحيث كان معدل مايبذله من جهد لهداية شخص واحد عشر سنوات تقريباً، هذا التعب الذي لا يبذله الناس حتى لأولادهم . *صحيح أنّ الله رحيم ودود، ولكن لا ينبغي أن ننسى أنّه حكيم أيضاً، فبمقتضى حكمته أنّه عندما لا تؤثر دعوة الناصحين والمربيّن الإلهيين في قوم فاسدين، فلا حقّ لهم بعد ذلك في الحياة وسينتهون نتيجة للثورات الاجتماعية أو الطبيعية وتحت وطأة التنظيم الحياتي. وهذا الأمر غير منحصر في قوم نوح ولا بزمان معين، إنّما هو سنة الله في خلقه وعباده في جميع العصور والأزمان حتى في عصرنا الحاضر.
*******