وتحقيقاً لهذه الأهداف الإصلاحية، جاءت دعوة القرآن الكريم لإقامة الصلاة مقترنة بالإصلاح الاجتماعي، والاستقامة والدوام على فعل الخير، كما في قوله تعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾[1]،
وقوله جلّ شأنه: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾[2]،
وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ ...﴾[3]،
وقوله عزّ وجلّ: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾[4]،
وقوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾[5].
ويُلاحِظ المتدبِّر للنصوص القرآنية الآنفة الذكر أنّ الصلاة جاءت مقترنة بعدّة قيم أخلاقية حميدة منها:
الصلاة والكلمة الطيّبة
إنّ الصلاة جاءت مقترنة بالقول الحسن، ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾[6] لئلّا تصدر عن المصلّي كلمة السوء، ولئلّا يُحرّك لسانه بغير الإصلاح والخير، فلا يكذب، ولا يغتاب، ولا يسبّ، ولا يلعن، ولا ينطق بالكلمة البذيئة، بل ينشر بلسانه الخير والفضيلة.
فيستعمل الكلمة الطيّبة التي يؤجر عليها، كلمة الإصلاح والإيمان، ويتعامل بالعبارة الجميلة المسرّة، لأنّ للكلمة دورها الفعّال في التأثير على سير حياته الفكرية والثقافية، وإصلاح المجتمع، وتكوين العلاقات والروابط النفسية والاجتماعية فيه:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾[7].
الصلاة والهداية إلى الصلاح
من نظر في ما أوحاه الله تعالى إلى أنبيائه الكرام (عليهم الصلاة وأزكى السلام) يجد أنّ الصلاة جاءت مقترنة بفعل الخيرات، وكان هؤلاء العظام يهدون بأمر الله جلّ شأنه أناء الليل وكلّ النهار، ومن جوانب هذه الهداية دعوة الإنسان إلى الإصلاح والاستقامة لتربيته على فعل الخير في كلّ مجالات الحياة. فقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ ...﴾[8].
وهو وحي التسديد والهداية إلى الصلاح في مقام العمل، وتـنكير الحكم لتفخيم أمره كما ذكر العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان كما أنّ الصلاة جاءت مقترنة بكفّ الأيدي والألسنة عن الظلم والعدوان على الآخرين ـ العدوان على أموالهم وأرواحهم وأعراضهم، وكلّ ما يتعلّق بهم: ﴿كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾[9].
قال مالك الجهني: قال لي أبو عبد الله عليه السلام:
"يا مالك أما ترضون أن تُقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وتكفّوا وتدخلوا الجنّة"[10]، "فالمؤمن، إذاً، أو الأمّة المؤمنة بإقامتها للصلاة تحرق جذور الفساد والمعاصي، والرذيلة في النفس وفي المحيط الاجتماعيّ، وتُميت روحيّة الذنب والنزوع إلى ارتكاب المعاصي، وبواعثها الداخليّة والخارجيّة (أي العوامل النفسيّة والبيئيّة)، حقّاً إنّ الصلاة تردع الفرد والمجتمع عن ممارسة الأعمال الطالحة والقبيحة"[11].
الصلاة ميدان العزّة والكرامة
إنّ الصلاة ميدان واسع من ميادين العزّة والكرامة، ومن أراد العزّة والكرامة، فعليه بالصلاة لله ربّ العالمين.
إنّ المصلّي عزيز عند الله تعالـى لأنّه يضع أشرف وأكرم أعضاء بدنه على التراب عبودية لله تعالـى، ويُنكّس جوارحه خاضعاً متذلِّلاً له جلّ جلاله، وقد جاء السجود في كتاب الله تعالى مقترناً بالقرب من الله عزّ وجلّ لذلك قال تعالى: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾[12].
فالمصلّي يلقى من الله الكرامة ظاهراً وباطناً عاجلاً وآجلاً فـي الدنيا والآخرة، ويُلَقَّى يوم القيامة تحية الكرامة فـي دار المقامة من ربّه الكريم: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾[13] لا يمسّهم فيها نَصَبٌ ولا يمسّهم فيها لُغُوبٌ.
دار المعارف الإسلامية الثقافية
------------------------------
[1] سورة البقرة، الآية 83.
[2] سورة النساء، الآية 77.
[3] سورة الأنبياء، الآية 73.
[4] سورة الحج، الآية 41.
[5] سورة العنكبوت، الآية 45.
[6] سورة البقرة، الآية 83.
[7] سورة إبراهيم، الآيات 24 - 26.
[8] سورة الأنبياء، الآية 73.
[9] سورة النساء، الآية 77.
[10] المولى محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، ج 12، ص 151، وهو الحديث رقم 122 من الكافي الباب 8.
[11] الإمام السيد علي الحُسيني الخامنئي، من أعماق الصلاة، ص 6، طبعة جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، بيروت.
[12] سورة العلق، الآية 19.
[13] سورة الأحزاب، الآية 44.