بسم الله وله الحمد والمجد والصلاة ثم السلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب إله العالمين سيدنا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأهلاً بكم في حلقة أخرى ضمن برنامج "نهج الحياة" حيث سنقدم لكم من خلالها تفسيراً موجزاً لسور الكافرون والنصر والمسد المباركات نستهلها بالإستماع الى تلاوة سورة الكافرون..
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ{4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ{6}
أيها الأفاضل، ورد في سبب نزول هذه السورة أن بعض رؤساء قريش قالوا للنبي الأكرم (ص): يا محمد! إتبع أنت هذه السنة ديننا وسنتبع نحن دينك في السنة القادمة وأيهما كان أفضل نبقى عليه. ولكن النبي رفض، فقالوا: المس على الأقل آلهتنا وتبرك بها عندها سنعبد نحن أيضاً إلهك، فنزلت هذه السورة.
وأما كلمة "قل" في هذه السورة تخفف قليلاً من حقد الكفار على النبي (ص)، فبهذا يدركون أنهم يتعاملون مع الله وأن النبي مأمور فحسب.
وقد جاء في القرآن في مرات عدة عن عدم إيمان جمع من الكفار، من بينها الآية السادسة من سورة البقرة والآية السابعة من سورة يس، إذ يقول عز من قائل بصراحة (فهم لا يؤمنون).
ومن تعاليم هذه السورة المباركة يمكن القول أولاً: يجب على المسلمين أن يردوا على الإقتراحات غير المنطقية رداً صريحاً وقاطعاً ويحملوا العدو على اليأس منهم.
ثانياً: يجب إعلان البراءة من الكفار بشكل مكرر ومؤكد وعلني.
ثالثاً: الإنسان حر في اختيار الدين وليس مجبوراً.
ورابعاً: معبود كل شخص يدل على دينه وعقيدته.
أما الآن، أحبة الإيمان، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة سورة النصر المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ{1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً{2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً{3}
أيها الأكارم، ذهب أكثر المفسرين إلى الربط بين هذه السورة وبين فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، إذ ظهر لكثير من الناس أحقية الإسلام فآمنوا به وحسن إيمانهم، في حين تظاهر بعض آخر بالإيمان. وقد ذكر القرآن نوعين من الدخول في دين الله: أحدهما دخول الناس في الدين الذي ورد في هذه السورة والآخر هو دخول الإيمان في قلوب الناس كما ورد في سورة الحجرات (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم).
ونقرأ في الحديث، أيها الكرام، أنه عند فتح مكة، دخل النبي (ص) الى المسجد الحرام أولاً وأقام الصلاة فيه.
وتشير هذه السورة الشريفة الى أن الفتح والنصر الحقيقي من عند الله تعالى، فلا تتكلوا على الأدوات والتجهيزات والقوى البشرية، فقد تكون كل الإمكانات موجودة ومع ذلك تهزمون (وما النصر إلا من عند الله).
كما تشير الى أن الإستغفار إما لتنوير القلب أكثر، وإما لتخفيف من نشوة النصر وغروره، وإما لغفران ذنوب الأمة، وإما لمعرفة النبي الرفيعة بالله تعالى.
أيها الأفاضل، ندعوكم الآن، للإستماع الى تلاوة مرتلة لسورة المسد المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ{1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ{2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ{3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ{4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ{5}
إخوتنا الأفاضل، هذه السورة تعرف باسم تبت والمسد، وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق (ع) الدعوة الى لعن أبي لهب عند قراءة هذه السورة.
وجاء في شأن نزول هذه السورة أنه عندما نزلت آية (وأنذر عشريتك الأقربين) دعا النبي الأكرم (ص) أهله وأقاربه وأطلعهم على رسالة الوحي، قال أبولهب الذي كان عم الرسول (ص): (تباً لك) فنزلت هذه السورة وردّت عليه كلامه.
وبما أن هذه السورة قد تحققت عملياً ورحل أبولهب وزوجه كافرين عن هذه الدنيا، فيكون واضحاً أن هذه السورة قد تنبأت كذلك لأبي لهب بمصيره.
وكلمة "تبت" من جذر "تبّ" بمعنى الخسران والهلاك، وليس المقصود من "يد" في هذه السورة اليد المادية، وإنما هي كناية عن قدرة الإنسان وسعيه، لذلك يكون معنى هذه الآية أن سعي أبي لهب قد ذهب سدى وأنه قد ابتلي بالضرر والخسران.
ولأن زوجة أبي لهب كانت تضع الحطب في طريق النبي الأكرم، فقد تكون عبارة (حمالة الحطب) تشير إلى ورودها إلى جهنم وهي تحمل الحطب على ظهرها؛ وكان لها قلادة ثمينة وقد أقسمت أن تنفق مال القلادة في مواجهة النبي (ص).
ومما تعلمه إيانا هذه السورة المباركة أولاً: إعلان البراءة من الفاسدين جزء من الدين.
ثانياً: اللعن الأبدي هو جزاء إهانة المقدسات.
ثالثاً: يجب الرد على المخالفين بمثل ما قالوا.
ورابعاً: التكبر في الدنيا يتحول إلى إهانة في الآخرة.
إلى هنا، إخوتنا الكرام، نصل وإياكم الى ختام هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى اللقاء القادم نستودعكم الله والسلام خير خاتم.