بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين، ثم أفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد الخلائق أجمعين وعلى آله الطيبين الطاهرين.. حضرات المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" وتفسير آخر من آيات القرآن الكريم حيث سنقدم لكم في حلقتنا هذه وبإذنه تعالى تفسيراً ميسراً لسور الفيل وقريش والماعون المباركات فتابعونا على بركة الله....
أيها الإخوة والأخوات ندعوكم الآن للإستماع الى تلاوة سورة الفيل المباركة...
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ{1} أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ{2} وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ{3} تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ{4} فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ{5}
أيها الأكارم، على عكس ما هو معروف بين الناس، فإن (أبابيل) ليست إسم طائر خاص، ولكنها بمعنى أفواج أفواج ومجموعات مجموعات فـ "طيراً أبابيل" تعني أفواج الطيور في مجموعات متفرقة حيث هجمت على المعتدين.
وجاء في سبب نزول هذه السورة أنه كان في اليمن ملك إسمه أبرهة وقد بنى معبداً من المرمر وأمر الناس بأن يزوروه ويطوفوا حوله، فتطاول رجل من مكة على هذا المعبد، فجهز أبرهة جيشاً راكباً على الفيلة وسيّره الى مكة حتى يهدم الكعبة انتقاماً لذلك التطاول، فأرسل الله عليهم بالمقابل طيوراً تحمل على مناقيرها حجارة، وبهطول الحجارة أصبح جيش أبرهة كالعصف المأكول وهوى الى الأرض وهلك، وقد سمي ذلك العام بعام الفيل وولد النبي الأكرم في ذلك العام.
والتشبيه بـ (عصف مأكول) الذي أصبح طعاماً للحيوانات، هو أسوأ إذلال وتحقير.
أما الآن، مستمعينا الأفاضل، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة سورة قريش المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ{1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ{2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ{4}
ذهب بعض المفسرين، أيها الكرام، إلى أن هذه السورة تتمة للسورة السابقة واستندوا إلى روايات في أن الفصل بين هاتين السورتين في الصلاة غير جائز، مثل سورتي الضحى والإنشراح.
وتشير هذه السورة الى أنه لو كان أبرهة قد انتصر لكان معاش قريش قد تبدد، ولأجل الحفاظ على معاش قريش أهلك الله تعالى أصحاب الفيل.
أما مفردة (رحل) فبمعنى سلك الطريق ركوباً على راحلة أو مركب، فكان لقريش سفران تجاريان، أحدهما في الشتاء الى اليمن والآخر الى الشام في الصيف.
وفي مقابل العرف الجاهلي الذي كان يعتبر الحرب وإراقة الدماء أمراً قيماً، فإن تكرار كلمة (إيلاف) وألفة يشير الى اللطف والرحمة الإلهية لقريش.
ومما تعلمه إيانا سورة قريش المباركة أولاً: الوحدة والألفة بين طبقات المجتمع، من النعم الإلهية.
وثانياً: إذا لم تحلّ المسائل الإقتصادية والأمنية في المجتمع، فلا يمكن دعوة الناس الى العبادة.
أما الآن، أحبة الخير والإيمان، ندعوكم للإستماع الى تلاوة سورة الماعون المباركة...
بسم الله الرحمن الرحيم
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ{1} فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ{2} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{3} فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5} الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ{6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ{7}
أيها الأكارم، تصف هذه السورة المباركة، الأفراد السيئين بأنهم ينظرون نظرة سيئة الى الدين ويتعاملون مع المسكين واليتيم بسلبية ويطردونهم وليسوا مخلصين ويؤدون عباداتهم بطريقة سيئة ولا يخدمون الناس.
والمقصود هنا من الدين، هو يوم القيامة؛ والدعّ هو الطرد بقسوة والحض هو التشجيع وترغيب الآخرين.
والمقصود من التكذيب هنا، أعزتنا المستمعين، التكذيب بالقلب لا بالقول؛ لأن المخاطبين بالسورة هم أشخاص يصلون، ولكن صلاتهم فيها رياء وتظاهر وسهو وغفلة.
أما "الماعون" من (معن) بمعنى الوسائل والأدوات التي يعيرها بعض الجيران عادة الى بعضهم الآخر؛ ليقضوا حاجاتهم، مثل قدور الطبخ في الولائم.
كما تشير سورة الماعون الى أن الدين مجموعة واحدة متكاملة، لا تفصل الصلاة عن إطعام المسكين ومساعدة المحروم.
وقد جاء في الروايات أن السهو بمعنى التهاون في الصلاة وتركها وإضاعتها.
ومما نستقيه من هذه السورة المباركة أولاً: التكذيب العملي ليوم القيامة من قبل أهل الإيمان، أمر باعث على التعجب والتساؤل بقوله تعالى (أرأيت الذي..)
ثانياً: مراعاة اليتيم والإهتمام بالجوعى والمحرومين، علامة الإيمان ومن لا يهتم يكون بلا دين.
ثالثاً: ليس لكل صلاة قيمة، ولا يدخل كل من صلى الى الجنة.
ورابعاً: البخل علامة فارقة عند منكري المعاد، إذ إنهم يمتنعون حتى عن إعارة الأشياء البسيطة عديمة القيمة ويبخلون.
إلى هنا، مستمعينا الأفاضل، نصل الى ختام هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى الملتقى في حلقة أخرى دمتم بخير وسلام وفي أمان الله.