الحمد لله رب العالمين والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين محمد واله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.
يسعدنا ان نلتقي بكم عبر لقاء آخر من لقاءات القصص الحق لنخوض معاً متدبرين عند حكاية اخرى يتناولها القرآن الكريم الا وهي حكاية اصحاب الكهف والتي تتحدث عنها الآيات المباركة من الآية ۹ حتى الآية ۱٦من سورة الكهف المباركة.
في بداية البرنامج وبعد المقدمة عن اجواء الحكاية القرآنية ننصت خاشعين الى تلاوة هذه الآيات، ثم نتعرف معاً على اهم المفرداتها ومعاني العبارت القرآنية، ثم ننتقل الى ضيف هذه الحلقة فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين ليجيبنا عن بعض الاسالة حول هذه الآيات القرآنية، ونقدم لكم بعدها ذلك الروايات المروية عن ائمة اهل البيت (عليه السلام) بشأن الحكاية، واخيراً نغترف واياكم من معين الآيات اهم النقاط والدروس المستفادة منها ان شاء الله. 

*******

احبة القرآن جاء في تفسير القميّ حديث مرفوع الى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: كان سبب نزول سورة الكهف أن قريشاً بعثوا ثلاثة نفر الى نجران ليتعلموا من اليهود مسائل يسألونها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فخرجوا الى نجران الى علماء اليهود فسألوهم فقالوا: اسألوه عن ثلاث مسائل فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق ثم اسألوه عن مسألة واحدة، فإن ادّعى علمها فهو كاذب.
قالوا: وما هذه المسائل؟ 
قالوا: سلوه عن فتية كانوا في الزمن الأول فخرجوا وغابوا وناموا، كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا؟ وكم كان عددهم؟ وأي شيء كان معهم من غيرهم؟ وما كانت قصتهم؟ وسلوه عن موسى حين أمره الله أن يتبع العالم ويتعلم منه من هو؟ وكيف تبعه؟ وما كانت قصته معه؟ وسلوه عن طائف طاف مغرب الشمس ومطلعها حتى بلغ سد يأجوج ومأجوج من هو؟ وكيف كان قصته؟ 
ثم أملوا عليهم أخبار هذه المسائل الثلاث وقالوا لهم: إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق، وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه.
قالوا: فما المسألة الرابعة؟ 
قالوا: سلوه متى تقوم الساعة! 
فإن ادعى علمها فهو كاذب، فإن قيام الساعة لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى.
فرجعوا الى مكة واجتمعوا الى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق وإن لم يخبرنا علمنا أنه كاذب. 
فقال أبو طالب: سلوه عما بدا لكم، فسألوه عن الثلاث المسائل.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): غداً أخبركم ولم يستثن، فاحتبس الوحي عنه أربعين يوماً، اغتم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وشك أصحابه الذين كانوا آمنوا به، وفرحت قريش واستهزأوا، وحزن أبو طالب.
فلما كان بعد أربعين يوماً، نزل عليه سورة الكهف، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا جبرائيل لقد أبطأت، فقال: إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله، فأنزل الله تعالى: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا»، ثم قصّ قصّتهم.

*******

كان ذلك سبباً في نزول الآيات المباركة، تعالوا معنا لننصت خاشعين الي شيء من هذه الحكاية كما يقصّها القرآن الكريم. 
الْكَهْفِ: هو المغارة الواسعة المحفورة في الجبل، فإذا صغر فهو (غار) أو (مغارة).
وَالرَّقِيمِ: أصله من الرقم وهو الكتابة، والمراد به هنا اللّوح الذي كتبت فيه أسماء أصحاب الكهف.
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ: بمعنى إلتجأوا، وهو إِشارة الى أنَّ هؤلاء الْفِتْيَةُ الهاربين مِن بيئتهم الفاسدة المنحرفة قد أحسّوا بالأمن عندما دخلوا الغار.
الْفِتْيَةُ: جمع فتى من الفتوة والشباب. ولكنها تطلق أحياناً على الأشخاص الكبار والمسنين الذين يملكون روحية شابَّة، وقد ذكرت هذه الكلمة مَع نوع مِن الإِشادة والمدح لأصحاب الكهف بسبب صفات الفتوة والشهامة والتسليم في مقابل الحق.
فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ: أنمناهم نومة عميقة لا تنبههم معها الأصوات.
إنَّ استخدام تعبير «سِنِينَ عَدَدًا» إِشارة الى أنَّ نومهم قد استمرَّ لعدّة سنين ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا،«أَمَدًا»: غاية.
نَبَأَهُم: اي خبرهم.
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ: بمعنى اننا قوّينا عزائمهم.
لقد قُلنا إِذاً شططاً: الشطط يعني الخروج والمجاوزة عن الحدّ. فإِنَّ (شطط) تـُقال للكلام البعيد عن الحق.
«بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ» السلطان البين: الحجة الظاهرة.
اعْتَزَلْتُمُوهُمْ: تنحّيتم عنهم.
«يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِه ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا».
المراد بالمرفق هنا، كل ما يُنتفع به، مأخوذ من الرّفق واللطف، وبذا يكون معنى الجملة «ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا» أنَّ الخالق سبحانهُ وتعالى سيرتب لكم وسيلة للرفق والراحة.

*******

اسئلة الخبير

المحاور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهلاً ومرحباً بكم في برنامج قصص الحق نستضيف في هذه المحطة من البرنامج فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرآنية من مدينة قم المقدسة، فضيلة السيد موضوع البرنامج هو عن أَصْحَابَ الْكَهْفِ، هل هناك مجموعتان أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ام هم مجموعة واحدة ولمن ذكر وصفهم الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ؟
السيد عبد السلام زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم بارك الله فيك طبعاً هناك اتجاهان في عالم التفسير، في تفسير الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ، اتجاه يقول ان أَصْحَابَ الْكَهْفِ غير اصحاب الرَّقِيمِ يعني هناك أَصْحَابَ الْكَهْفِ القصة المعروفة وهناك اصحاب الرَّقِيمِوهم ثلاثة تعرضوا لحادثة معينة فلجأوا الى كهف ثم بعد ذلك القيت صخرة على باب الكهف فكل واحد دعا الله بدعاء الى ان انزاحت الصخرة، هذه قصة تروى في اصحاب َالرَّقِيمِ بأن أَصْحَابَ الْكَهْفِ غير اصحاب الرَّقِيمِ هذا اتجاه، الاتجاه الاخر وهو الاتجاه الاكثر قرباً للسياق والاكثر قرينية لأن هناك قرائن تؤدي سواء كانت قرائن قرآنية بنفس السياق «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ» يعني غير معقول ان القرآن الكريم يذكر قصتين يشير الى عنوانين ثم يفصل ذلك في عنوان واحد ويترك العنوان الثاني وهو الرَّقِيمِ فهذا يدل سياقاً على ان أَصْحَابَ الْكَهْفِ هم اصحاب الرقيم واصحاب الرقيم هم أَصْحَابَ الْكَهْفِ وهذا هو التفسير الاقوى وهناك روايات تؤيد هذا المعنى بحيث ان الرَّقِيمِ يتعلق بأصحاب الكهف اما من باب ان هناك لوح مرقوم كان كتبت فيه قصة أَصْحَابَ الْكَهْفِ كما جاء في الروايات وقصة هؤلاء الفتية الذين رفضوا الحاكم الطاغية الظالم دقيانوس في وقته الذي كان يجبرهم على الكفر فهؤلاء رفضوا وقاموا وقَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا فهؤلاء كانوا مقدسين في نظر الناس فأصبحوا يكتبون في حجارة وضعت قال بعضهم على الكهف وقيل وضعت في خزائن الملوك وبعضهم قال ان الرَّقِيمِ اسم قرية كما عن ابن عباس التي كان فيها الكهف، بعضهم قال الرَّقِيمِ اسم الوادي الذي فيه أَصْحَابَ الْكَهْفِ، بعضهم قال اسم الجبل الذي كان فيه أَصْحَابَ الْكَهْفِ، بعضهم قال الرَّقِيمِ اسم البلدة، نفس البلدة اسمها الرَّقِيمِ اذن الاقوى ان اصحاب الرَّقِيمِ هم أَصْحَابَ الْكَهْفِ وليسوا بآخرين ولا توجد هناك مجموعتان، مجموعة أَصْحَابَ الْكَهْفِ ومجموعة اصحاب الرَّقِيمِ والرَّقِيمِ بمعنى الكتابة والخط يعني هؤلاء كتبت قصتهم بباب الكهف او كتبها الناس على حجارة ليخلدوا فربما هذا هو التفسير الاقرب للسياق لأن القرآن لما يقول «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ» القرآن الكريم بعد ذلك قص لنا قصة أَصْحَابَ الْكَهْفِ لوحدهم وليس من اسلوب القرآن الكريم ان يذكر شيء ثم يغفل عنه ولايذكره فالسياق يؤيد وحدة أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ، هذه خلاصة يعني.
المحاور: طيب فضيلة السيد ماذا يعني قوله تعالى لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا بالطبع يكثر استخدام هكذا تعبير في القرآن الكريم يعني ما هو الغرض منها؟
السيد عبد السلام زين العابدين: هناك اتجاهان في تفسير الحزبين، ما هما الحزبان؟ بعضهم قال الحزبين بنفس أَصْحَابَ الْكَهْفِيعني انقسموا الى حزبين بعضهم في مدة لبثهم، بعضهم قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ حينما سألوا عن مدى لبثهم فكان هناك حزبان يعني فريقان من أَصْحَابَ الْكَهْفِ وهذا ربما هو الاقوى وبعضهم قال الحزبان هما اهل الكفر واهل الايمان اختلفوا فيهم ولكن يبدو بحسب السياق. اما ما هو العلم الالهي ربما كان سؤالكم هو ليس على الحزبين وانما ما معنى العلم الالهي؟ العلم الالهي هو في الحقيقة هو تحقق الامر واقعاً لأن الله عزوجل علام الغيوب، الله يعلم كل شيء كما في آية تداول الايام ربما تكون اوضح «وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء» الله يعلم قبل الاختبار، قبل الامتحان، قبل تداول الايام لكن العلم الالهي هنا تحول مافي القوة الى ما في الفعل يعني وقوع الشيء، حصول الشيء هذا هو بمعنى العلم الالهي «ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى» يعني لتحقق الواقعة خارجاً ويتحقق المعلوم بالخارج والا فأن الله هو علام الغيوب.

*******

قصة اصحاب الكهف

كانت قرية مشركة ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم، في هذا المجتمع الفاسد، ظهرت مجموعة من أهل الفتوة. ثلة قليلة حكّمت عقلها، ورفضت السجود لغير خالقها، الله الذي بيده كل شيء. فتية، آمنوا بالله، فثبتهم وزاد في هداهم. وألهمهم طريق الرشاد.
لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقوامهم. إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ، فأنكروا على قومهم شركهم بالله، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله. ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم من القتل بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه.
فقال احدهم: ان القرية فاسدة، وأهلها ضالون وقد هدّدنا الملك بالقتل ان لم نسجد للاصنام فعلينا الخروج من القرية، فأكد الاخرون كلامه، ولكن الى أين سيذهبون؟ 
هنا اقترح احد هولاء الفتية المؤمنين وقال: لنتوجه الى كهف مهجور ليكون ملاذا لنا. 
لم يكن امامهم طريق اخر وهذا ليس بغريب على فتية ملأ الإيمان قلوبهم. فالمؤمنون يرون الصحراء روضة إن أحسوا أن الله معهم. ويرون الكهف قصراً، إن اختار الله لهم الكهف. وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال، وإنما خرجوا طمعاً في رضى الله. وأيّ مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا من قريتهم التي خرجوا منها.
فعزموا على الخروج ومعهم كلبهم من المدينة الواسعة، للكهف الضيق. تركوا وراءهم منازلهم المريحة، ليسكنوا كهفاً موحشاً. 
دخل الفتية الى الكهف وهم قد شعروا بالنعاس، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسهم. وهنا حدثت معجزة إلاهية. لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات. وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار. وكانوا يتقلبون أثناء نومهم، حتى لا تهترئ أجسادهم. فكان الناظر إليهم يحس بالرعب. يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم.
بعد تلك السنوات الطوال، بعثهم الله مرة أخرى. استيقضوا من سباتهم الطويل، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم. وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم. 
فتساءلوا بينهم: كم لبثنا؟! 
فأجاب بعضهم: لبثنا يوماً أو بعض يوم. لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة ادهشتهم، فمدة النوم غير مهمة. المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم.
فأخرجوا النقود التي كانت معهم، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة، وأن يشتري طعاماً طيباً بهذه النقود، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد. فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم. قد يخيرونهم بين العودة للشرك، أو الرجم حتى الموت.
خرج الرجل المؤمن متوجها للقرية، إلا أنها لم تكن كعهده بها. لقد تغيرت الأماكن والوجوه. تغيّرت البضائع والنقود. 
رآى الناس مندهشا وقال مع نفسه: كيف يحدث كل هذا التغيير في يوم وليلة؟
وبالطبع، لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل. ولم يكن صعباً عليهم معرفة أنه غريب، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها.
اجل لقد آمن اهل المدينة التي خرج منها الفتية، وهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل صالح. لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين. لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية. لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم. وها هم قد عادوا. فمن حق أهل القرية الفرح. وذهبوا لرؤيتهم.
وبعد أن ثبتت المعجزة، أي معجزة إحياء الأموات. وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية بقدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت، برؤية مثال واقعي ملموس أمامهم. أخذ الله أرواح الفتية. فلكل نفس أجل، ولا بد لها أن تموت. فاختلف أهل القرية. فمنهم من دعى لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد، وقد غلبت الفئة الثانية.

*******

تقبلوا تحياتنا من جديد عبر برنامج القصص الحق والي المحطة التالية وهي في رحاب اهل البيت (عليه السلام) اذ نقف عند كلام اهل البيت (عليه السلام) بشان الآيات التي نتناولها في هذا اللقاء.

في رحاب اهل البيت (عليهم السلام)

قال الامام الصادق (عليه السلام): إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات، وكان يدعو أهل مملكته الى عبادة الأصنام فمن لم يجبه قتله، وكان هؤلاء قوماً مؤمنين يعبدون الله عز وجل، ووكل الملك بباب المدينة ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للأصنام فخرج هؤلاء بعلية الصيد وذلك أنهم مروا براع في طريقهم فدعوه الى أمرهم فلم يجبهم وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم. 
قال (عليه السلام): فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة الصيد هربا من دين ذلك الملك فلما أمسوا دخلوا الى ذلك الكهف والكلب معهم فألقى الله تعالى عليهم النعاس كما قال الله: «فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا» فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل المدينة وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون. 
اما في رواية اخرى عن الإِمام الصادق حول أصحاب الكهف قال (عليه السلام): «أمّا علمتم أنَّ أصحاب الكهف كانوا كُلّهم كهولا فسمّاهم الله فتية بإِيمانهم».
بعد ذلك أضاف الإِمام الصادق في معنى الفتوة قولهُ (عليه السلام): «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ واتقى فهو الفتى».

*******

دروس وعبر

۱- تتزامن روح التوحيد دائماً مع سلسلة مِن الصفات الإِنسانية العالية، فهي تنبع مِنها وتؤثِّر فيها أيضاً، ويكون التأثير فيما بينهما مُتبادلاً. ولهذا السبب فإِننا نقرأ في قصّة أصحاب الكهف أنّهم كانوا فتية آمنوا بربّهم وعلى هذا الأساس قال بعض العلماء: رأس الفتوة الإِيمان.
وقالَ البعض الآخر مِنهم: الفتوة بذل الندى، وكف الأذى، وترك الشكوى، والبعض الثّالث فسِّر الفتوة بقوله: هي اجتناب المحارم واستعمال المكارم.
۲ـ في عدَّة مواقع مِن الآيات تنعكس بوضوح حقيقة الإِمداد الإِلهي للمؤمنين، فإِذا وضع الإِنسان خطواته في طريق الله، ونهضَ لأجله فإِنَّ الإِمداد الإلهي سيشمله، ففي مكان تقول الآية: «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى». وفى مكان آخر تقول: «وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ». وفي نهاية الآيات كانوا بانتظار رحمة الخالق: «يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِه».
الآيات القرآنيه الأُخرى تؤيد هذه الحقيقة بوضوح، فعندما يجاهد الإِنسان مِن أجل الله، فإِنَّ الله يهديه الى طريق الحق: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» وفي سورة محمّد نقرأ قوله تعالى: «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى».
إِنَّ طريق الحق مليء بالموانع والصعوبات، ومن العسير على الإِنسان طي هذا الطريق والوصول الى الأهداف من دون لطف الله وعنايته.
ونعلم أيضاً إِنَّ لطف الله أكبر مِن أن يترك العبد في طريق الحق لوحده.
۳- إِنَّ وجود (أل) التعريف في كلمة «الكهف» قد تكون إِشارة الى أنّهم اي «أَصْحَابَ الْكَهْفِ» كانوا مصممين على الذهاب الى مكان معين في حالِ عدم نجاح دعوتهم التوحيدية، وذلك لإِنقاذ أنفسهم مِن ذلك المحيط الملوّث.
(الكهف) كلمة ذات مفهوم واسع، وتذكرنا بنمط الحياة الإِبتدائية للإِنسان، حيث ينعدم فيه الضوء، ولياليه مُظلمة وباردة، وتذكرنا بآلام المحرومين، إِذ ليسَ ثمّة شيء مِن زينة الحياة المادية، أو الحياة الناعمة المرفَّهة.
ويتّضح الأمر أكثر إِذا ما أخذنا بنظر الإِعتبار أنَّ التأريخ ينقل لنا أنَّ «أَصْحَابَ الْكَهْفِ» كانوا مِن الوزراء وأصحاب المناصب الكبيرة داخل الحُكُم. وقد نهضوا ضدَّ الحاكم وضدَّ مذهبه، وكان اختيار حياة الكهوف على هذه الحياة قراراً يحتاج الى المزيد مِن الشهامة والهمّة والروح والإِيمان العالي.

*******