الحمد لله رب العالمين وافضل صلوات المصلين علي المبعوث رحمة للعالمين محمد واله الغر الميامين.
يسعدنا ويشرفنا ان نلقاكم عبر حلقة اخري من برنامج القصص الحق لنمضي معا في رحاب القرآن الكريم وناخذ غيضاً من فيض الهدي الالهي الواسع. اما الآيات المخصصة لهذه الحلقة من البرنامج هي ٦۷ حتي ۷٤ من سورة البقرة وهي التي تتناول بالتفصيل حكاية البقرة.
ايها الاحبة في بداية هذا اللقاء سنستمع معاً الي تلاوة هذه الايات، ثم نقف عند اهم مفرادتها والعبارات التي جاءت في هذه الحكاية القرآنية، بعد ذلك نستمع الي الحوار القرآني الذي اجري مع خبير هذا اللقاء سماحة السيد عبد السلام زين العابدين.
ما تحمله الحكاية من تفاصيل نستمع اليه في محطة القصة القرآنية، ثم نفتح قلوبنا لاستقبال انوار الهداية الساطعة من اهل بيت الوحي والرسالة (عليه السلام) بشان هذه الحكاية القرآنية واخيراً ننهي البرنامج باستعراض بعض الدروس المستفادة منها.
*******
تتحدث الايات القرآنية ٦۷ حتي ۷٤ من سورة البقرة بالتفصيل عن حادثة من حوادث تاريخ بني إسرائيل، اذ لم نألف هذا التفصيل في ايات اخري، فهي تجيء مفصلة وفي صورة حكاية، لا مجرد إشارة، ذلك أنها لم ترد من قبل في السور المكية، كما أنها لم ترد في موضع آخر؛ وهي ترسم سمة اللجاجة والتعنت والتلكؤ في الاستجابة، التي تتسم بها إسرائيل
وفي هذه القصة القصيرة - كما يعرضها السياق القرآني - مجال للنظر في جوانب شتى، جانب دلالتها على طبيعة بني إسرائيل وجبلتهم الموروثة. وجانب دلالتها على قدرة الخالق، وحقيقة البعث، وطبيعة الموت والحياة. ثم جانب الأداء الفني في عرض القصة بدءا ونهاية واتساقا مع السياق.
اجل، لابُدَّ لنا من وقفةٍ أمام هذا الحوار بين موسى وبين قومه، لنستجلي بعض خصائصه الموضوعية، فقد طلب منهم ـ باسم اللّه ـ أن يذبحوا بقرة، فاستغربوا الطلب، لأنهم لم يفهموا علاقته بالقضية المتنازع عليها ـ أو هكذا حاولوا أن يصوّروا الموضوع ـ فاعتبروا ذلك هزءاً وسخرية بهم من موسى، فدلّلوا على أنهم لا يعرفون مقام النبوّة ولا شخصية النبيّ بأبعادها الروحية التي تمنعه من أن يوجّه إليهم طلباً باسم اللّه على سبيل العبث والسخرية بهم، فإنَّ ذلك يعتبر إساءةً للّه باستخدام اسمه في هذا المقام وبالكذب عليه، لأنه يخبرهم بأنَّ اللّه يأمرهم بذلك من دون أساس.
يقول سبحانه في هذه الآيات عن لسان النبي موسي: «قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ». أي إن الإِستهزاء من عمل الجاهلين، وأنبياء الله مبرّأون من ذلك.
«قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ» أي إنها لا كبيرة هرمة ولا صغيرة، بل متوسطة بين الحالتين: «فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرُونَ».
لكن بني إسرائيل لم يكفوا عن لجاجتهم: «قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا»؟
أجابهم موسى: «قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ» أي إنها حسنة الصفرة لا يشوبها لون آخر.
عادوا و«قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ» طالبين بذلك مزيداً من التوضيح، متذرعين بالقول: «إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ».
أجابهم موسى «قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ» أي ليست من النوع المذلل لحرث الأرض وسقيها.
«مُسَلَّمَةٌ» اي انها خالية من العيوب كلها.
«لاَّ شِيَةَ فِيهَا» أي لا لون فيها من غيرها.
حينئذ: «قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ» أي أنهم بعد أن وجدوا بقرة بهذه السمات ذبحوها بالرغم من عدم رغبتهم بذلك.
بعد أن ذكر القرآن تفاصيل القصة، عاد فلخص الحادث بآيتين: «وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا» أي فاختلفتم في القتل وتدافعتم فيه.
«وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ» اي ان الله سيظهر ويجلي حقيقة ما كنتم تخفونها
«فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا» أي اضربوا المقتول ببعض أجزاء البقرة، كي يحيى ويخبركم بقاتله. «كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ».
وبعد هذه الآيات البينات، لم تلن قلوب بني إسرائيل، بل بقيت على قسوتها وغلظتها وجفافها. «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً».
إنها أشد قسوة من الحجارة، لأن بعض الحجارة تتفجر منها الأنهار، أو تنبع منها المياه أو تسقط من خوف الله: «وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ».
لكن قلوب بني إسرائيل أشدّ قسوة من الحجارة، فلا تنفجر منها عاطفة ولا علم، ولا تنبع منها قطرة حبّ، ولا تخفق من خوف الله.
والله عالم بما تنطوي عليه القلوب وما تفعله الإيدي: «وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ».
*******
اسئلة الخبير
ايها الاخوة والاخوات بعد ان تعرفنا على أهم المفردات القرآنية في هذه الحكاية ندعوكم الى متابعة هذا الحوار القرآني مع فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين.
المحاور: فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين وقصة هذا البرنامج هي حول البقرة، الا يكون السؤال يعني مفتاح لحل المشاكل ووسيلة لازالة الجهل والابهام، لماذا يلام بنو اسرائيل في هذه الآيات بسبب كثرة الاسئلة؟
السيد عبد السلام زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم، طبعاً السؤال سؤالان سؤال تعنت وسؤال تفقه، سل تفقهاً ولا ولا تسل تعنتاً كما يقول امير المؤمنين (عليه السلام) والقرآن الكريم كذلك، نجد في بعض الايات بالسؤال فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وردت في آيتين مباركتين، واحياناً نهانا عن السؤال «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ»، هناك اسئلة انواع، طبعاً السؤال هو مفتاح المعرفة النافذة التي يطل بها الانسان على عالم المعرفة وان يعرف ما يجهله ولكن قد يكون السؤال ينحرف عما وضع له عن اهدافه الاساسية ليكون سؤال تعنتي او سؤال هروبي نستطيع ان نقول بنو اسرائيل كان سؤالهم هروبياً ارادوا ان يهربوا من التشفيع ولهذا حينما جائهم الامر الالهي الرباني حاولوا يتملصون من الامر ولكن بأسئلتهم تشددوا فشددوا الله عليهم، طبعاً كان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ينهى المسلمين ان يسئلوا كما سئل بنو اسرائيل، في رواية رائعة ممكن ان نذكر بعض هذه الرواية عن الامام الرضا تلخص هذه المسألة، يعني السؤال لم يكن سؤال استفساري او تفقهي وانما كان سؤالاً تعنتياً هروبياً من المسؤولية، الامام الرضا (عليه السلام) يقول ان رجل من بني اسرائيل قد تنقرا فتله ثم اخذه وطرحه على طريق اول سبط من اسباط بنو اسرائيل ثم جاء يطلب بدمه، فقالوا لموسى (عليه السلام) ان سبط آل فلان قتلوا فلاناً فاخبرنا من قتله، قال أتوني ببقرة قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا، هنا انظر هم رأوا ان ليس هناك علاقة بين البقرة واكشاف الجريمة ولهذا قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، الرسول الاكرم الامام الرضا كذلك يقول ولو انهم عمدوا الى بقرة اجزأتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم، قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ، يعني لا كبيرة ولا صغيرة ولو انهم عمدوا الى بقرة اجزأتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم.
المحاور: سماحة السيد هناك ضمن هذه القصة اشارة في التاريخ الى الشاب البار بابيه وكان هو صاحب البقرة وقد جزاه الله خيراً اذ باع البقرة بقيمة لا تستهان، لماذا لم نجد اشارة في الآيات الى هذه القضية؟
السيد عبد السلام زين العابدين: الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) كان يقول بقصة هذا الفتى البار بأبيه طبعاً يقول الرسول الاكرم انظروا الى البر ما بلغ بأهله، طبعاً موسى (عليه السلام) هذا عن لسان موسى حينما علم بان قصة البقرة التي اشتروها بثمن بالغ كبير جداً فقالوا له قصة هذه البقرة بان فتى من بني اسرائيل كان باراً بابيه وانه اشترى بيع فجاء الى ابيه فرى المفاتيح تحت رأسه فكره ان يوقظه فترك ذلك البيع فاستيقظ ابوه فاخبره فقال احسنت خذ هذه البقرة فهي لك عوضاً لما فاتك، يعني من البيع قال فقال له رسول الله موسى (عليه السلام) انظروا الى البر ما بلغ باهله، طبعاً القرآن الكريم لم يشر الى هذه القصة وترك هذا الامر الى السنّة الشريفة، طبعاً القرآن الكريم فيه كثير من الاجمال وهذا طبعاً ربما احد الدروس الكبيرة هو الرجوع الى السنّة الى الرسول الاكرم والى اهل بيته الطاهرين ليعبو تفاصيل ما اجمله القرآن الكريم، كما مثل في الصلاة اقيموا الصلاة جاءت مجملة من اين عرفنا بان صلاة الصبح ركعتان وبان صلاة الظهر اربع ركعات من اين عرفنا، عرفنا ذلك من السنّة ولا يختلف مسلم من المسلمين حول عدد الركعات، ولهذا الائمة عليهم السلام كانوا يقولون للذين لماذا لم يذكر القرآن مثل علياً بالاسم قال لهم الرسول ذكر يعني يكفي السنّة نصت على قولوا لهم كم هي عدد صلاة الصبح مثلاً قولوا لهم كم عدد الطواف حول الكعبة، طبعاً القرآن الكريم اجمل الكثير من الامور وتركها وقال ما آتاكم الرسول بخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، كأن القرآن يريد ان يعطي مركزية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأئمة اهل البيت (عليهم السلام) حول تفاصيل ما اجمله القرآن الكريم.
المحاور: فضيلة سماحة السيد عبد السلام زين العابدين، استاذ العلوم القرآنية من قم المقدسة، شكراً لكم على اتاحة الفرصة لنا لطرح الاسئلة في هذا الموضوع، وشكراً لكم اعزائنا وانتم تتابعون ما تبقى من هذه الفقرة من برنامج قصص الحق.
*******
قصة البقرة
كان في بني اسراييل علي عهد نبي الله موسي (عليه السلام) رجل غني عظيم الثراء ولم يكن له اولاد وكان ابناء اخيه فقراء لا مال لهم فتمنوا موت عمهم ليرثوه ويتمتعوا بماله ولكن طال عمره وامتد.
فقال احدهم مخاطباً اخوته: لقد طال عمر عمنا يبدو انه سيخلد ولن نرث الثروه الا بعد موته فماذا ترون؟
اتفقوا بينهم علي قتل عمهم.
فقام احدهم قائلاً: بالتاكيد سيفهم الناس اننا وراء قتل عمنا واننا فعلنا ذلك من اجل الحصول علي ثروته.
هكذا استمرالكلام والموامره بينهم حتي وصلوا الي حل مشترك لهذه المساله وهو انهم اتفقوا علي أن يقتلوا عمهم ويلقوا بالتهمه علي قوم آخرين حتي يطالبوا بدمه وهكذا يبعدون الانظار عنهم.
وبالفعل نفذ المجرمون خطتهم وقتلوا عمهم واتهموا اناساً آخرين وراحوا يطلبون منهم القصاص وقد كادت ان تقع بينهم الحروب بسببه لو لا انهم ذهبوا الي النبي موسي ليحكم بينهم.
لجأ النبي موسى لربه فأمرهم أن يذبحوا بقرة. وكان المفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة تصادفهم. غير أنهم بدءوا نقاشهم باللجاجة.
اتهموا موسى وقالوا له: أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا.
هنا استعاذ النبي موسى بالله أن يكون من الجاهلين فقال لهم: «أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ».
قام النبي موسي ينبئهم أنه جاد فيما يحدثهم به، وعاود أمره بذبح بقرة، الا ان الطبيعة المراوغة لبني إسرائيل عادت إلى الظهورفساءلوه: أهي بقرة عادية كما عهدنا من هذا الجنس من الحيوان، أم أنها خلق تفرد بمزية، فادع ربك ليبين ما هي. دعي موسى ربه فزداد التشديد عليهم، وتحددت البقرة أكثر من ذي قبل، بأنها ليست بقرة مسنة، فتية بل متوسطة.
«قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرُونَ». إلى هنا كان ينبغي أن ينتهي الأمر، غير أن جدال اليهود لم تزل مستمراً، ومراوغتهم لم تزل هي التي تحكم مائدة المفاوضات.
فقالوا: يا موسي ما هو لون البقرة؟
ويسأل موسى ربه ثم يحدثهم عن لون البقرة المطلوبة.
فيقول: «إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ».
وهكذا حددت البقرة بأنها صفراء، ورغم وضوح الأمر، فقد عادوا إلى اللجاجة والمراوغة. فشدد الله عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه.
عادوا يسألون موسى فقالوا: ادع الله ليبين ما هي، فإن الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا، وحدثهم موسى عن بقرة ليست معدة لحرث ولا لسقي، سلمت من العيوب، صفراء لاَّ شِيَةَ فِيهَا، «قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا».
فبعد أن أرهقوا نبيهم، بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وعلاماتها المميزة، وبعد تعنتهم وتشديد الله عليهم، قالوا لنبيهم حين جاءهم بما يندر وجوده ويندر العثور عليه في البقر عادة.
ساعتها قالوا له: «الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ». كأنه كان يلعب قبلها معهم، ولم يكن ما جاء هو الحق من أول كلمة لآخر كلمة انتهت بهم اللجاجة إلى التشديد. وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة. أخيراً وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبحوها بثمن باهظ وقال الله تعالي: «فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ».
*******
من هدي اهل البيت (عليهم السلام)
في الدر المنثور: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لو لا ان بني اسرائيل قالوا و«إِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ» ما أعطو أبداً ولو انهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم.
وفي تفسير القمي: عن ابن فضال قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: إن الله أمر بني اسرائيل أن يذبحوا بقرة وانما كانوا يحتاجون الى ذنبها فشدد الله عليهم.
*******
دروس وعبر
هذه القصة لها دلالات على قدرة الله اللامتناهية، وكذلك على مسألة المعاد، ولذلك وردت في الآية ۷۳ عبارة «كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى» إشارة إلى مسألة المعاد، وعبارة «وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ» تأكيد على قدرة الله وعظمته.
إضافة الى ما سبق، هذه القصة تتحدث عن سنّة من سنن الله تعالى، وهي أن الاُمّة تستوجب غضب الله حين تصرّ على عنادها ولجاجها واستهتارها بكل شيء.
العبارات التي وردت على لسان بني إسرائيل في هذه القصة توضّح أن هؤلاء القوم بلغوا الذروة في إهانة النّبي، بل وبلغت بهم الجرأة إلى إساءة الأدب تجاه ربّ العالمين.
في البداية قالوا لنبيّهم: «أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا»؟ وبذلك اتهموا نبيّهم بارتكاب ذنب الإِستهزاء بالآخرين.
وفي مواضع عديدة خاطبوه بعبارة «ادْعُ لَنَا رَبَّكَ»، وكأن ربّ موسى غير ربّهم، مع أن موسى قد قال لهم: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ».
وقالوا له أيضاً: «ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ» ويعنون بذلك أنّ كلام موسى أدّى إلى ضلالهم في تشخيص البقرة، ثمّ يخاطبون في النهاية: «الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ».
هذه التعبيرات تدل على جهل هؤلاء القوم وتعنّتهم وغرورهم ولجاجهم.
وهذه القصة من جهة اُخرى تعلّمنا أننا ينبغي أن لا نتزمّت ولا نتشدّد في الأُمور كي لا يتشدّد الله معنا.
ولعل انتخاب البقرة للذبح يستهدف غسل أدمغة هؤلاء القوم من فكرة عبادة العجل.
*******