بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أعزتنا المستمعين الأفاضل في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. تحية طيبة مباركة لكم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامجكم "نهج الحياة" حيث سنشرع فيها تفسير سورة النازعات المباركة إبتداءً بالإستماع الى تلاوة الآيات الأولى حتى الخامسة من هذه السورة المباركة...
بسم الله الرحمن الرحيم.. وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً{1} وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً{2} وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً{3} فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً{4} فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً{5}
أيها الأكارم.. كلمة "النزع" بمعنى فصل الشيء بالإقتلاع أو السحب، و"الغرق" بمعنى الشدة؛ وأما "النشط" بمعنى فك العقدة؛ و"النشاط" يعني التخلص من العقد الروحية، على عكس بعض الناس الذين يؤدون صلاتهم بكسل أو ينفقون وهم كارهون، فإن ملائكة الله يقومون بأداء مهامهم بكل نشاط، و"الناشط" تطلق على الشخص الذي يؤدي العمل برغبة، وتطلق هذه الكلمة أيضاً على الشخص الذي يسحب الدلو من البئر، وكأن الملائكة يسحبون روح المؤمنين بهدوء.
في الواقع، مستمعينا الكرام، فإن (نازعات) و(ناشطات) وصفان لطائفة من الملائكة ولأن كلمة (طائفة) مؤنث فقد جاءت هاتان الصفتان بصيغة المؤنث كذلك.
وأما "السابحات" من سبح بمعنى الحركة السريعة في الماء أو في الهواء، وفيها إشارة إلى سرعة الملائكة في تأدية الأوامر الإلهية.
وأما قسم الله تعالى بالملائكة فيه دلالة على أهمية الملائكة ومقامهم في نظام الوجود وكذلك أهمية الأمر الذي أقسم من أجله.
وقد تكون الصفات الخمس التي وردت في هذه الآيات متعلقة بخمس مجموعات من الملائكة، وقد تكون لمجموعة واحدة إذ تعني أنه مجرد صدور الأمر، فإنها تقوم من مكانها وتسعى بنشاط وتتحرك بسرعة وتتسابق في ما بينها لأداء الأمر بتدبير.
ومما يتبين لنا من هذه الآيات الشريفة أولاً: كل من كان تعلقه بالماديات أكثر، يكون انتزاع هذا التعلق من قلبه أصعب.
ثانياً: لحظة الموت، هي بداية الجزاء والعقاب.
ثالثاً: تتسابق الملائكة في ما بينها لتأدية الأوامر الإلهية.
ورابعاً: يحتاج تدبير الأمور وإدارتها إلى السرعة والنشاط والسبق.
أما الآن، أيها الكرام، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات السادسة حتى الرابعة عشرة من سورة النازعات المباركة..
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ{6} تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ{7} قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ{8} أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ{9} يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ{10} أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً{11} قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ{12} فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ{13} فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ{14}
"الراجفة" أحبتنا المستمعين، بمعنى الإضطراب والإهتزاز الشديد، ويقال لكلام الفتنة الباعث على الإضطراب (أراجيف).
وأما "رادفة" فمن رديف وتعني اللحاق في الأثر، وتقال لتوابع الزلزال، وقد تكون الهزة الأرضية الأولى بسبب نفخ الصور الأول حيث يموت الجميع، وعندها يكون المقصود من رادفة، النفخ الثاني في الصور إذ يحيا الجميع.
وأما "واجفة" تقال للحركة أو الإضطراب السريع والشديد، وتُطلق (خاشعة) على الشخص المطأطئ رأسه المحدق إلى الأرض. و"الحافرة" تعني بداية أي شيء، ولهذا يتعجب الكافرون من العودة الى الحياة الأولى، وقد تكون حافرة بمعنى محفورة أي القبر المحفور في الأرض، في هذه الحالة يصبح المعنى: هل سنُخرَج بعد الموت من قبورنا ونحيا مرة أخرى؟
و"الزجر" هو الطرد المصاحب للصراخ والجلبة، و"زجرة" قد تكون هي النفخة الثانية في الصور وهي مقدمة لإحياء كل الأموات، و"ساهرة" هي أرض الحشر ليوم القيامة، ففي تلك الأرض لا تنام العيون وتظل ساهرة.
إخوتنا المستمعين، ندعوكم في هذه اللحظات الى الإستماع الى تلاوة الآيات الخامسة عشرة حتى التاسعة عشرة من سورة النازعات المباركة..
هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى{15} إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى{16} اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى{17} فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى{18} وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى{19}
الوادي، أيها الأكارم، يطلق على المنحدر بين جبلين أو تلتين و"طوى" هو واد في أسفل جبل الطور. و"الخشية" هي الخوف الناشئ عن الإيمان بعظمة الله.
وأما "تزكى" فمن زكاة ولها معنيان: (الرشد والنمو) و (النقاء والطهارة).
ومما نستقيه من هذه الآيات المباركات أولاً: يجب أن يكون المكان الذي يُتحدث فيه الى الله، طاهراً ومقدساً.
ثانياً: ابتداء الكلام بالسؤال يزيد عند الناس الشوق الى الإستماع.
ثالثاً: الأنبياء هم في المقدمة عند مواجهة الطاغوت.
ورابعاً: الخوف والخشية دليل على القابلية للهداية.
إخوة الإيمان، الى هنا قد وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" بهذا نشكر لكم كرم المتابعة وحسن الإصغاء ونترككم في رعاية الله حفظه.