تستمر المقاومة في التصدي لمحاولات التوغل البري لجيش الاحتلال في قطاع غزة. وفي نهاية اليوم الرابع، بعد إعلان قيادته توسع العمليات البرية في القطاع، لا يبدو المشهد كما كان يتمنى قائدا الاحتلال، نتنياهو وغانتس، اللذان قادا، بنفسيهما، عدوان عام 2014، عندما توغلت القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، من المحور الجنوبي الحالي نفسه، ووصلت إلى شاطئ غزة، وكانت تكلفتها العملية 70 قتيلاً ومئات الجرحى، قبل أن تنسحب من دون تحقيق أي هدف من أهدافها.
معلومات عن قوات الاحتلال المشتركة في المعركة
تقوم عملية التوغل البري في قطاع غزة حالياً على الفرقة الـ162 مدرعة، والتي تضمّ ألوية مدرعة ومشاة خاصة وعادية، وعدة كتائب مدفعية، بالإضافة إلى كتيبة إشارة، وسرية رصد واستخبارات مخصَّصة لتحديد الأهداف على الأرض. وتشارك كذلك وحدات من القوات الخاصة البحرية، وقوات من لواء المشاة الاحتياط، "هرئيل"، وقوات احتياطية أخرى، في مهمّات ملحقة بالقوات الأساسية.
ويصل عديد الفرقة الـ162 مدرعة إلى نحو 20 ألف جندي إسرائيلي. ومن الطبيعي ألّا تكون القوات كلها مشتركة في العمليات الميدانية، بما أنّ الميدان ضيق جداً، وأي كثافة إضافية للقوات ستعني تعقيد حركتها، وتسهيل تكبيدها خسائر إضافية، عبر القصف المدفعي وقذائف الهاون.
وتضمّ القوة المتقدمة لواء المشاة الـ84 "غفعاتي"، والذي تكبّد معظم الخسائر حتى الآن، واللواء المدرع الـ401، ولواء المشاة "ناحال" الـ933، واللواء المدرع الـ37 "رام". والأخيران لا يزالان خارج المعركة. كما تضمّ القوة المتقدمة فوجَ المدفعية الـ215، وكتيبة المدفعية الـ55 (مدافع M109)،وكتيبة المدفعية الـ402 (مدافع M109)، وكتيبة المدفعية الـ403 الاحتياطية (مدافع M109).
وتُعَدّ هذه الفرقة إحدى أهم فرق جيش الاحتلال، وشاركت بصورة أساسية في حرب عام 1973، وشاركت في حرب عام 2006 ضد حزب الله في لبنان، وحاولت التقدم إلى بنت جبيل من المحور الشمالي، واختراق دفاعات المقاومة للوصول إلى الليطاني، في آخر أيام الحرب، لطالما كانت مخصصة لمهمّات في الشمال مؤخراً.
كما أنّ اللواء المدرع الـ401، "مسارات الحديد"، سبق أن شارك في حرب عام 2009 في غزة، وقام يومها بالتوغل في المنطقة نفسها، التي دخل منها حالياً من خاصرة "مفترق نيتسيريم" في اتجاه شاطئ غزة.
بدورها، تقوم وحدات الكومندوس البحري، "شييطت 13"، بمهمات في الساحل والخط البحري، مع مساندة من زوارق الاحتلال وبوارجه.
تطورات الميدان آخر 24 ساعة
يستمرّ العدو في الاعتماد على 3 محاور في التقدّم، هي محور بيت حانون من الشرق والغرب، ومحور غربي بيت لاهيا ومنطقة العطاطرة عند الخط الساحلي عبر طريق الرشيد، ومنه إلى منطقة التوام وشارع النصر وحي الكرامة، ومحور مفترق نيتسيريم في اتجاه منطقة الوحش، جنوبي مدينة غزة.
ولم يتمكن الاحتلال، في الساعات الـ24 الأخيرة، من تحقيق اختراقات برية جدية في الميدان، كما لم يستطع إعلان أي إنجاز عسكري، سوى زعمه أنه "اكتشف مقراً للمقاومة وقضى على العشرات من المقاومين فيه". وهذا الأمر، بالإضافة إلى كونه مستبعداً، لأن المقاومة تعتمد مجموعات صغيرة جداً، وموزَّعة جغرافياً، ولا تتحشّد في مراكز خلال الحرب، فإنه يبقى من غير أي دليل بصري حتى الآن.
وحاول الاحتلال، في الساعات الأخيرة، الاعتماد على القصف المتوازي مع التقدم البري، من أجل محاولة منع المقاومة من التصدي لقواته المدرعة، وهو ما يمكن تحليله على أنه محاولة لتطبيق استراتيجية تشابك الأذرع، والتي تخوّل القائد الميداني أن يأمر بغارات جوية فور صدور نيران مكثفة في اتجاه قواته، أو تمهيداً لاقتحام منطقة ما.
وبرز ذلك، بصورة خاصة، في شرقي بيت حانون، وفي المحور الغربي في شارع النصر وحي أبراج الكرامة، وفي شرقي جباليا، حيث قام الاحتلال بقصف عنيف لهذه المناطق، بالتوازي مع محاولات لاقتحامها.
لكنّ القصف العنيف بالطائرات والمدفعية لا يشكل حلاً سحرياً لأزمة الاحتلال في مواجهة مقاومة فعالة لمدرعاته ودباباته، فالمناطق السكنية المدمَّرة ستعوّق التقدم السريع للقوات المدرعة، وتحرمها فرصةَ التخفّي بين المباني، الأمر الذي سيجعلها مكشوفة على منطقة أوسع. كما أنّ تدمير المباني سيجعل أنفاق المقاومة، في حال وُجدت تحتها، أكثر مقاومة لقذائف الاحتلال وصواريخه، وسيؤمن قدرة عالية للمقاومين على التستر والمناورة.
المقاومة تكبّد الاحتلال خسائر فادحة
أمّا المقاومة فإنها استطاعت، عبر الالتحامات والقذائف الخارقة للدروع والعبوات الناسفة، التصديَ لعمليات التوغل البرية، في شرقي الحدود الشمالية للقطاع وغربيّها، وفي محور وسط غزة، حيث تسعى قوات الاحتلال للتقدم نحو الخط الساحلي.
وبحسب أرقام الاحتلال الرسمية، والتي تعتمد التعتيم والحظر الشديد، وعدم نشر أي معلومات مرتبطة بالمعركة وتحبط معنويات جنوده ومستوطنيه، فإن المقاومة أوقعت، حتى الساعة، 18 قتيلاً، معظمهم من لواء غفعاتي، وبينهم عنصر من لواء المظليين، وآمر فصيل مشاة من لواء "هرئيل".
واستهدفت المقاومة اليوم ما يصل إلى 8 دبابات للاحتلال، في الشمال الغربي والشمال الشرقي من غزة، وفي جنوبي شرقي المدينة، قرب جحر الديك. كما استهدفت ناقلتي جند، وقوتين راجلتين، إحداهما قرب دبابة في مناطق القتال قرب التوام، والأخرى شمالي بيت حانون، بواسطة قذيفة صاروخية "فراغية" مضادة للتحصينات، الأمر الذي يشي بأنّ الساعات المقبلة ستشهد إعلان الاحتلال مزيداً من الخسائر.
ويشير وجود هذه القذيفة، شديدة الفعالية ضد الأفراد، بغض النظر عن الدروع الواقية للأفراد والتحصينات، في يد المقاومة، بالإضافة إلى توافرها في ميدان المعركة، والقدرة على استخدامها حين تجد فرصة، إلى أنّ المقاومين يعملون ضمن خطة محكمة وفعالة، وبصورة مدروسة، وضمن توزيع دقيق للمهمّات ونشر متقن للأسلحة.
ونفذت قوات المقاومة عمليات مصورة للالتحامات بعد تسلل بواسطة الأنفاق إلى ما وراء الخطوط الأمامية للعدو. وأظهرت المشاهد قوتين على الأقل للمقاومة، نفذتا تسللاً ناجحاً، وأطلقتا صواريخ "الياسين 105" الترادفية والخارقة للدروع، وأصابتا دبابات الاحتلال بدقة. كما أظهر أحد مقاطع الفيديو زرع عبوة في دبابة من مسافة صفر، ثم ضربها بقذيفة ترادفية، والانسحاب من المكان بواسطة نفق قريب من نقطة التسلل.
قادة الاحتلال يبكون جنودهم القتلى.. وضباطه: "كانوا مستعدين لنا"
وهذا ما أشار إليه ضباط إسرائيليون يقاتلون في غزة، بحسب الإعلام الإسرائيلي اليوم، إذ قالوا إن "حماس أعدّت نفسها جيداً" للقتال ضد قواتهم، وأخذت في الحسبان، بصورة أكيدة، أنه بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر سيدخل الجيش الإسرائيلي القطاع.
وبحسب إفادات ضباط في مختلف الألوية، ففي اليومين الأخيرين وقعت اشتباكات كثيرة مع المقاومين وجهاً لوجه، واصفين صورة وضع المقاومة الفلسطينية بأنه "بعيد جداً في هذه المرحلة عن نقطة الانكسار".
وأكّد الإعلام الإسرائيلي أنّه "في أغلبية الأماكن، تنجح المقاومة في المحافظة على أسلوب قتال منتظم، يستند في الأساس إلى قتال الأنفاق، ويخرج عناصرها من فتحات في قلب الميدان، في محاولة لنصب كمائن أو استهداف القوات، وخصوصاً بواسطة نيران ضد الدروع".
وحتى الآن، فشل الاحتلال في التقدم البري في حي الزيتون جنوبي شرقي مدينة غزة، وفي بيت حانون شمالي شرقي القطاع، من الجهتين الغربية والشرقية للبلدة، على الرغم من القصف المدفعي العنيف الذي استمر اليوم. كما صدّت المقاومة تقدم قوات الاحتلال في شمالي بيت لاهيا، حيث يقوم الاحتلال بعملية التفاف عبر الخط الساحلي، وحيث وصلت مدرعاته إلى منطقة التوام في أقصى الضواحي الغربية لمدينة غزة، وتعرضت قواته لاستهداف بالقذائف المضادة للدروع.
وشرقي جباليا، تعرضت قوات الاحتلال لعميات من جانب المقاومة، أدّت إلى صدّ الهجوم، الذي كان يسعى للتقدم غرباً، في محاولة لملاقاة القوات المتوغلة من الغرب، وفصل النصف الشمالي من القاطع الشمالي عن مدينة غزة، وهو ما يبدو حتى الساعة حلماً بعيد المنال، في رأي عدد من الخبراء العسكريين المتابعين.
ويمكن القول إنه حتى لو تمكن الاحتلال، عبر مدرعاته، من التقدم في المحور الجنوبي في اتجاه البحر، والوصول إلى الشاطئ من أجل فصل شمالي غزة عن جنوبيها، مستفيداً من المنطقة الزراعية الخالية عمرانياً، فإنّ معضلة بقائه في المنطقة ستعني مزيداً من الخسائر، وفرصاً أكبر للمقاومة للالتحام من الجهة الجنوبية مع الاحتلال، مع استمرار إمكان التواصل بين شقي القطاع، بالنسبة إلى المقاومة عبر الأنفاق.
لا شكّ في أنّ الليل سيحمل، مع ما يؤمنه من استتار لقوات المقاومة، عمليات إضافية ضد قوات الاحتلال، التي بدأت قيادتها السياسية والعسكرية النحيب مبكّراً جداً، بالنسبة إلى من قال بالأمس فقط إنه يدخل معركة "يعلم بأنها ستكون مكلفة".