بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أعزاءنا المستمعين الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، تحية طيبة لكم أينما كنتم وأنتم تتابعون برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنواصل في حلقتنا هذه تفسير سورة الإنسان المباركة بدءً بالإستماع الى تلاوة الآيات السابعة حتى العاشرة منها..
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً{7} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً{8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً{9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً{10}
أيها الأفاضل، مفردة "مستطير" من "سيطرة" وتعني السلطة وهي من مادة "طير" بمعنى التوسع؛ و"قمطرير" بمعنى الشر الشديد.
ووفقاً لبعض الروايات، فإن إطعام اليتيم والأسير والمسكين كان في ليلة واحدة، ووفقاً لروايات أخرى كان على ثلاث ليال متتالية، وكل ليلة كان يأتي أحدهم.
والمقصود من (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) أيها الكرام، أن أهل البيت على الرغم من أنهم كانوا يحبون الطعام إلا أنهم قد أعطوه للآخرين، مثلما يقول القرآن في موضع آخر (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).
وتشير الآيات الى أنه إن لم تسعوا إلى الشهرة، سيجعل الله إسمكم خالداً، فما فعله أهل البيت (ع) لم يكن له قيمة مادية كبيرة؛ ولكنه كان خالصاً ولهذا خلّده الله تعالى.
كما أن في هذه الآية، جاءت كلمات (يتيم وأسير ومسكين) بصيغة النكرة لكي تخبرنا بأنه لا يحسن التمييز عند الإطعام، بل يجب الإنفاق على أي محتاج.
ومن تعاليم هذه الآيات المباركة أولاً: لا يطلب المحسنون الشكر من أحد، لا بلسانهم ولا بقلبهم.
ثانياً: الوفاء بالنذر واجب؛ وليخش عذاب الله من لا يفي بنذره.
ثالثاً: لا يكون الناس وحدهم عابسين يوم القيامة بل كذلك اليوم يكون عبوساً.
ورابعاً: لكي تنجو من ذلك اليوم العبوس، لا تعبسوا اليوم في وجه المسكين واليتيم والأسير.
أما الآن، إخوة الإيمان، ننصت معاً خاشعين إلى تلاوة الآيات الحادية عشرة حتى الثامنة عشرة من سورة الإنسان المباركة..
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً{11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً{12} مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً{13} وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً{14} وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا{15} قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً{16} وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً{17} عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً{18}
"النضرة" أيها الأحبة، هي الجمال والحيوية، كما ورد في موضع آخر (وجوه يومئذ ناضرة) و"أرائك" جمع "أريكة" بمعنى السرير المزين. أما "زمهرير" فبمعنى البرد الشديد. و"قطوف" جمع "قطف" بمعنى الحصد. ومفردة "تذليل" بمعنى الترويض والتطويع. و"سلسبيل" إسم عين في الجنة.
وقد جاء عن الإمام الباقر (ع) في ذيل آية (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا): (يكون جزاء الأبرار مقابل صبرهم على المصائب وفقر الدنيا). أما إقدام الأبرار على الإطعام له هدفان: (لوجه الله) و(نخاف من ربنا) ويصلون إلى الهدفين (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً).
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الكريمة أولاً: يوصل الله تعالى المخلصين إلى مرادهم.
ثانياً: ثمرة الخشية من الله، النجاة من عذابه.
ثالثاً: يجب أن يكون الثواب والعقاب متناسبين مع جنس العمل، فإنقاذ المحرومين وحفظهم، سبب لحفظ الإنسان ونجاته يوم القيامة.
ورابعاً: تصنع أطباق وقدور الجنة بأشكال وأحجام مختلفة، طبقاً لإرادة أهل الجنة ورغبتهم.
أما الآن، إخوتنا الأكارم، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات التاسعة عشرة حتى الثانية والعشرين من سورة الإنسان المباركة..
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً{19} وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً{20} عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً{21} إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً{22}
حول هذه الآيات الشريفة، أيها الأطائب، سئل الإمام الكاظم (ع): إن الله تعالى قد أنزل (هل أتى) في أهل البيت (ع)، وليس شيء من نعيم الجنة إلا وذكر فيها إلا الحور العين، فأجاب (ع): ذلك إجلالاً لفاطمة (س).
ومن معطيات هذه الآيات المباركة أولاً: من لا يطلب من الناس لا شكراً ولا جزاءً، يعطيه الله تعالى الجزاء ويشكره كذلك.
ثانياً: شكر المحسنين وتقديرهم، صفة إلهية.
وثالثاً: تصل النطفة عديمة القيمة، نتيجة الإيمان والعمل والإخلاص والإيثار إلى مكانة يشكرها فيه خالق الكون.
إخوة الإيمان، إلى هنا نصل وإياكم الى ختام حلقتنا هذه ضمن برنامج "نهج الحياة" فحتى الملتقى في حلقة أخرى دمتم بخير وفي أمان الله ورعايته.