بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين ثم الصلاة والسلام على سيد الخلائق أجمعين محمد وعلى آله الطاهرين المعصومين.. مستمعينا الأكارم سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات وأهلاً بكم أينما كنتم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامج "نهج الحياة" حيث سنبدأ فيها تفسير سورة القيامة المباركة..
محور حديث هذه السورة، أيها الأفاضل، كما هو جلي من إسمها، يدور حول المعاد ويوم القيامة، ففي البداية، طرحت أحداث نهاية هذا العالم الصعبة والثقيلة ومن ثم وُصِفت الوجوه السعيدة والحزينة للصالحين والطالحين؛ كما ضمنت الروايات للذين يداومون على قراءة هذه السورة ويعملون بما جاء فيها، العبور على الصراط والحضور في يوم القيامة بوجه بشوش ضاحك.
أما الآن، إخوتنا الأكارم، نستمع وإياكم الى تلاوة الآيات الأولى حتى السادسة من سورة القيامة المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم.. لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ{1} وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ{2} أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ{3} بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ{4} بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ{5} يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ{6}
إخوة الإيمان، بدأت هذه السورة وكذلك سورة البلد بجملة "لا أقسم" وبناء على قول العديد من المفسرين، فإن حرف (لا) هو للتأكيد ولكن البعض يعتقد أنه للنفي، أي أن الموضوع واضح إلى درجة أنه لا يقسم عليه.
ويمكن أن يكون وجه الشبه بين القيامة والنفس اللوامة اللتين أقسم بكلتيهما هو أنه في عالم وجود الإنسان الصغيرة توجد محكمة باسم النفس اللوامة، وفي عالم الوجود أيضاً ثمة محكمة باسم القيامة.
وقد ورد عن النبي الأكرم (ص) أنه قال لإبن مسعود: (.. أكثر من الصالحات والبر، فإن المحسن والمسيء يندمان، يقول المحسن يا ليتني ازددت من الحسنات ويقول المسيء قصرت، وتصديق ذلك قوله تعالى "ولا أقسم بالنفس اللوامة").
وتشير الآيات إلى أن منكري المعاد أحياناً يطرحون أسئلة لإنكار القيامة، وأحياناً ينكرون القيامة بشكل مباشر وصريح، وفي المقابل يؤكد القرآن العظيم القدرة الإلهية على إحياء الإنسان، ويقول لسنا قادرين على إحياء الإنسان فحسب، بل حتى خلق بصمات إصبعه ليس أمراً صعباً عند الله.
أيها الكرام، في هذه اللحظات، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات السابعة حتى الخامسة عشرة من سورة القيامة المباركة..
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ{7} وَخَسَفَ الْقَمَرُ{8} وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ{9} يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ{10} كَلَّا لَا وَزَرَ{11} إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ{12} يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ{13} بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ{14} وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ{15}
أيها الأفاضل، عندما تنسب كلمة "برق" إلى العين، تعني حالة من الخوف الشديد والوحشة؛ وأما "وزر" يعني ملجأ كالجبل أو القلعة، ويكون بحث الإنسان عن ملجأ يوم القيامة إما نتيجة لخجله واستحيائه من الله، وإما هروباً من الكتاب والحساب، أو من جهنم، أو من الفضيحة، ويمكن أن تكون كل هذه الأمور مجتمعة.
وأما "معاذير" فجمع معذرة وتعني البحث عن شيء لمحو آثار الذنوب، سواء أكان عذراً مقبولاً أم غير مقبول.
ويقول الإمام الباقر (ع) في توضيحه للآية (بما قدم وأخر): (فما سن من سنة ليستن بها من بعده فإن كان شراً كان عليه مثل وزرهم.. وإن كان خيراً كان له مثل أجورهم).
ومن تعاليم هذه الآيات المباركة أولاً: أفضل شاهد على الإنسان في محكمة يوم القيامة هو ضميره؛ وثانياً: حتى الإنسان نفسه لا يؤمن بالأعذار التي يختلقها.
أيها الإخوة والأخوات، ندعوكم الآن، للإستماع الى تلاوة الآيات السادسة عشرة حتى التاسعة عشرة من سورة القيامة المباركة..
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ{16} إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ{17} فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ{18} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ{19}
كما أسلفنا، أيها الأطائب، فقد نزل القرآن الكريم دفعة واحدة على النبي الأكرم، في ليلة القدر، ومن ثم نزل مرة أخرى بالتدريج وفي المناسبات المختلفة خلال السنين الثلاث والعشرين من نبوته (ص)؛ لذا تدل آية (لا تحرك به لسانك) على أن النبي (ص) كان يعلم آيات القرآن من قبل ولهذا السبب يقول الله تعالى لا تعجل بتلاوته واقرأه بعد أن نقرأه نحن (فإذا قرأناه فاتبع قرءانه).
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات البينات أولاً: ثمة آداب للإستماع، وإن تكرار كلام المتحدث ليس أمراً مستحسناً.
ثانياً: القرآن مصون من أي تحريف أو تغيير.
ثالثاً: ألفاظ القرآن هي من عند الله عز اسمه.
ورابعاً: يتعهد الله تعالى تبيين الوحي للنبي وتوضيحه.
إلى هنا، إخوتنا الأكارم، نصل الى نهاية هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى الملتقى في حلقة قادمة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.