سلام عليكم أيها الإخوة والأخوات..
تحية ملؤها الرحمة من الله والبركات نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج وفيه نستكمل البحث عن الإجابات القرآنية عن سؤال عرضناه منذ عدة حلقات هو:
لماذا حصر النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – النجاة من الضلالة بالتمسك بالثقلين معاً أي القرآن والعترة النبوية كما ورد في حديث الثقلين المتواتر.
وقد حصلنا في الحلقات السابقة على أجوبة قرآنية عدة إتضح منها أن هذا الحديث الشريف إنما هو ترجمان نبوي لمفاد العديد من الآيات الكريمة التي تبين أن التمسك الحقيقي بالقرآن الكريم والإستفادة من بركاته لا يتيسران للمؤمن إلا بالتمسك بالذين آتاهم الله علم الكتاب كله وهم محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وفي هذا اللقاء ننطلق للوصول إلى النتيجة ذاتها من الآيات التي أكدت أن الله جل جلاله حافظ كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تابعونا على بركة الله.
قال الله أصدق القائلين في الآية التاسعة من سورة الحجر: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".
وقال عزوجل في الآيتين ٤۱و٤۲ من سورة فصلت:
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{٤۱} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{٤۲}"
وقد استدل العلماء بهاتين الآيتين خاصة على أن الله عزوجل حفظ كتابه العزيز من أن تمسه أيدي المحرفين بالزيادة والنقصان كما جرى مع التوراة والإنجيل.
فثبتت في قلوب المسلمين أن ما في دفتي المصحف الشريف هو كلام الله الذي أنزله على نبيه الخاتم – صلى الله عليه وآله – بلا نقص ولا زيادة، وكل ما يدعى أنه من القرآن غير ما في المصحف المتداول المحفوظ بين المسلمين مردود ثبت أنه ليس من كلام الله عزوجل لمغايرته في النظم والبلاغة لما في هذا الكتاب العزيز.
هذا فيما يرتبط بالتحريف اللفظي للقرآن ونفيه، ولكن ثمة تحريف آخر هو التحريف المعنوي وقد أشارت إلى وقوعه آيات كثيرة في القرآن الكريم نفسه نظير ما ورد في الآية السابعة من سورة آل عمران وهي تصرح بأن الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه من القرآن ابتغاء فتنة الناس وإضلالهم وابتغاء تأويله بغير علم من الله جل جلاله.
فكيف حفظ الله عزوجل قرآنه العزيز من هذا النوع الخطير من التحريف كما وعد خاصة وأن النص القرآني مطلق في تأكيد الحفظ الإلهي للقرآن ولم يخصص بالتحريف اللفظي، فهو يشمل الحفظ من التحريف المعنوي أيضاً؟
نرجع في الإجابة على السؤال المتقدم إلى السنة النبوية فنجدها تصرح بأن مسؤولية أئمة العترة المحمدية وهم الثقل الثاني وعدل كتاب الله العزيز، حفظ الدين وقطبه القرآن من جميع أشكال التحريف المعنوي، جاء في كتاب المعيار والموازنة لأبي جعفر الإسكافي: ويؤثر عنه – صلى الله عليه وآله – [يعني النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله –] أنه قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف من أهل بيتي عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".
ومضمون الحديث مروي في كثير من كتب أهل السنة دون ذكر أهل البيت، وروي تفسير فرات الكوفي وغيبته النعماني وإثبات الوصية للمسعودي عن مولانا الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – عن آبائه عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – أنه قال ضمن حديث: "إن الله عزوجل إختار من كل شيء شيئاً... واختار من الأيام يوم الجمعة واختار من الشهور شهر رمضان واختار من الليالي ليلة القدر واختار مني ومن علي، الحسن والحسين وتكملة إثني عشر إماماً من ولد الحسين تاسعهم باطنهم وهو ظاهرهم.. وهو قائمهم ينفون عن [الدين] تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".
وفي الكافي عن الإمام الصادق – عليه السلام – قال ضمن حديث: "...فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".
أيها الإخوة والأخوات، وإضافة إلى هذه الأحاديث الشريفة توجد الكثير من النصوص الشريفة قرآناً وسنة التي تبين بأن أهل البيت المحمدي – عليهم السلام – هم أهل الذكر الذين أمرنا الله بالسؤال منهم لأنه عزوجل آتاهم علم كتابه كله كما تشير لذلك الآية الأخيرة من سورة الرعد وآية "لا يمسه إلا المطهرون" وآية "التطهير" وغيرها ولذلك فهم المؤهلون لحفظ كتابه العزيز من تحريفات أئمة الضلالة والمنتحلين ما ليس لهم من علم القرآن والجاهلين الذين يفسرون القرآن بآرائهم ولو دون قصد سيء.
ومن المفيد هنا مراجعة ما روي من موقف الإمام الحسن العسكري – عليه السلام – في درء فتنة تأليف الفيلسوف الشهير إسحاق بن يعقوب الكندي كتاباً في تناقض القرآن الكريم.
فقد علم الإمام العسكري – عليه السلام – أحد أصحابه الحجة التي تهدم الأساس الذي ارتكز عليه الكندي في تأليف هذا الكتاب ولما سمعها الكندي عرف خطأه وحرق كتابه وبذلك حفظ الإمام العسكري – عليه السلام – كتاب الله من هذه الفتنة.
ونخلص أخيراً أيها الأفاضل إلى أن أحد الأسرار المحورية لحصر النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – لطريق النجاة من الضلالة بالتمسك بالثقلين معاً هو أن الله عزوجل جعل العترة المحمدية الطاهرة وسيلته وحجته لحفظ كتابه العزيز من تحريفات الغالين والمبطلين المنتحلين وتأويلات الجاهلين.
وبهذا ننهي لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، نشكر لكم أيها الأطائب طيب المتابعة ودمتم في رعاية الله آمنين والحمد لله رب العالمين.