سلام من الله عليكم أيها الأطائب ورحمة منه وبركات..
أطيب تحية نحييكم بها ونحن نلتقيكم في حلقة اليوم من برنامجكم العقائدي هذا..
في هذه الحلقة نستكمل الإجابة – بعون الله – على سؤال سابقيتها وهو: هل أن آيات إكمال الدين وإتمام النعمة تدل على إمامة الإمام علي – عليه السلام – وحده أم سائر أئمة العترة المحمدية؟
فقد عرفنا من التدبر في الآية السابعة والستين من سورة المائدة أن الله عزوجل أمر نبيه الأكرم – صلى الله عليه وآله – أن يبلغ المسلمين في حجة الوداع ما أنزل إليه من ربه.
وهذا الأمر المنزل هو في غاية الأهمية إذ به كمال الدين وقوامه بحيث أن عدم تبليغه يعني عدم تبليغ أصل الرسالة الإهلية فلا يكمل الدين إلا به.
وقد جاء البيان النبوي المحمدي في حديث بيعة الغدير الذي تواتر نقل مضمونه عن أكثر من مئة صحابي من طرق أهل السنة وحدهم وألف في إثباته الطبري صاحب التأريخ المعروف كتاب (الولاية في طريق حديث الغدير) وصرح بتواتره كثير من علماء السنة كالسيوطي والجزري والذهبي وابن كثير وغيرهم.
وقد لاحظنا في الحلقة السابقة أن حديث الغدير إشمتل على إعلان إمامة الوصي المرتضى وخلافته للنبي المصطفى – صلى الله عليه وآله – وكذلك إعلان إمامة أئمة العترة المحمدية – عليهم السلام – من خلال حديث الثقلين الذي مهد رسول الله به لقوله من كنت مولاه فعلي مولاه.
وقد نقلنا ذلك مما صح روايته من طرق أهل السنة وننقل هنا نموذجاً لما روي من طرق مدرسة أهل البيت – عليهم السلام – وهو أوضح دلالة وأكثر تفصيلاً.
أيها الإخوة والأخوات، نقرأ لكم فيما يلي بعضاً مما ورد في رواية بيعة الغدير ما جمعه مؤلف تفسير (كنز الدقائق) في تفسير آية الإبلاغ من المصادر الحديثية المعتبرة عند مدرسة أهل البيت – عليهم السلام – نقلاً عن الإمامين الباقر والصادق – عليهما السلام – وابن عباس وجابر الأنصاري وغيرهما من الصحابة وجاء فيها:
لما رجع رسول الله – صلى الله عليه وآله – من جحة الوداع نزل عليه جبرئيل – عليه السلام – بقوله تبارك وتعالى [يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين] وكان ذلك لما بلغ غدير خم فأمر بأن يرد من تقدم عليه من المسلمين وأن يجتمع إليه من تأخر عنهم ليبلغهم ما نزل إليه من ربه ثم نادى للصلاة جامعة، ثم صلى الظهر وقام خطيباً فخطب خطبة طويلة أخبرهم فيها بنزول جبرئيل بالآية المتقدمة وتلاها عليهم وبين سبب نزولها.. كما تلى عليهم آية: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون] وكذلك آية [وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم] وآيات أخرى مما أنزله الله عزوجل في أهل بيته، لتكون مقدمة وشواهد على ما أمر الله أن يبلغه للناس من جعل الولاية والإمامة في أهل بيته الطاهرين – عليهم السلام – وأولهم الوصي المرتضى الذي أمر الناس بعد الخطبة بمبايعته.
وهذا ما بلغه بتفصيل بليغ في هذه الخطبة البليغة كما تشهد بذلك كل فقراتها ومنها التي نقرأها لكم بعد قليل فابقوا معنا.
كان مما قاله الصادق الأمين – صلى الله عليه وآله – في خطبة يوم الغدير:
"معاشر الناس! إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم، فإن الله عزوجل هو ربكم ووليكم وإلهكم ثم من دونه محمد وليكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر الله ربكم ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم القيامة يوم تلقون الله ورسوله.."
ثم بين – صلى الله عليه وآله – فضائل الوصي المرتضى وقال: "معاشر الناس، فضلوا علياً فإنه أفضل الناس بعدي.. منا أنزل الرزق وبقي الخلق.. تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهاته، فوالله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره.. إلا الذي أنا آخذ بيده – يعني علياً – ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه.. وهو أخي ووصيي وموالاته من الله عزوجل أنزلها عليّ".
ثم قال – صلى الله عليه وآله – عن عموم أئمة عترته الطاهرة: "معاشر الناس، إن علياً والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر والقرآن هو الثقل الأكبر، فكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، هم أمناء الله في خلقه وحكامه في أرضه، ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت".
ثم قال – صلى الله عليه وآله -: "ألا وإن الله عزوجل قال وأنا قلت عن الله ألا ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.. اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيداً أني قد بلغت".
ثم قال: "معاشر الناس! إنما أكمل الله عزوجل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله فأولئك الذين حبطت أعمالهم.. معاشر الناس "آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه".. معاشر الناس: النور من الله عزوجل فيّ ثم مسلوك في علي ثم في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا.."
وقال – صلى الله عليه وآله – أيضاً: "معاشر الناس! إني أدعها إمامة في عقبي إلى يوم القيامة وقد بلغت ما أمرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب وعلى كل أحد ولد أم لم يولد فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة".
أيها الأكارم، وقد وردت في الخطبة النبوية يوم الغدير فقرات عدة بمضامين مؤكدة ومفصلة لمضامين الفقرات التي نقلناها لكم وهي كافية في إثبات أن ما بلغه الرسول الأعظم – صلى الله عليه وآله – يوم الغدير بأمر من ربه تبارك وتعالى شمل النص على إمامة أئمة عترته الطاهرة إلى يوم القيامة.
وبذلك يتضح إستناداً إلى التدبر في آيات إكمال الدين وإتمام النعمة وما صح لدى السنة والشيعة من كلام رسول الله – صلى الله عليه وآله – أن في هذه الآيات الكريمة دلالة قرآنية على الإختيار الإلهي لأئمة العترة المحمدية جميعاً لإمامة الناس إلى يوم القيامة.
وبهذه النتيجة ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) شكراً لكم وفي أمان الله.