السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته..
أزكى تحية طيبة نهديها لكم في مستهل لقاء اليوم من برنامجكم العقائدي هذا وفيه نتابع الأسئلة المرتبطة بأصل الإمامة من أصول الدين الحق.
وسؤالنا في هذه الحلقة هو:
ما هي صفات أو شروط الإمام الحق الذي أخذ الله على نفسه أن لا يخلي الأرض منه في كل زمان كحجة له على خلقه وسبباً لهداية خلقه كما عرفنا ذلك في الحلقات السابقة؟
نبحث معاً عن الإجابة في النصوص الشريفة فتابعونا مشكورين.
مستمعينا الأفاضل، العصمة هي أولى الشروط التي ينبغي توفرها فيمن يختاره الله عزوجل لمنصب الإمامة الإلهية الكبرى، وقد تقدمت الإشارة إليها في حلقة سابقة عند تعريف معنى الإمامة إستناداً إلى الآية الكريمة ۱۲٤ من سورة البقرة قال تبارك وتعالى"وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ".
فالإمامة عهد الله وهذا العهد لا يفوز به الظالم، ومن الثابت قرآنياً أن كل معصية هي ظلم يرتكبه الإنسان بحق نفسه أو بحق الآخرين، كالشرك الذي وصفه الله عزوجل في القرآن بأنه ظلم عظيم.
وقد روي في كتاب أمالي الشيخ الطوسي والمناقب لإبن المغازلي عن إبن مسعود أن النبي إستدل بهذه الآية على العصمة من الشرك فقال – صلى الله عليه وآله - : " في الآية قول الله لإبراهيم: من سجد لصنم دوني لا أجعله إماماً، ثم قال – صلى الله عليه وآله - : وإنتهت الدعوة إلي وإلى أخي علي لم يسجد أحدنا لصنم قط".
وبملاحظة إطلاق وصف الظالمين في هذه الآية الكريمة يتضح بالتدبر فيها يتضح أن عهد الإمامة الإلهية لا ينال كل من صدر عنه ظلم من شرك أو معصية وإن كان في برهة من عمره ثم تاب وصلح، وهذا ما يشير إليه العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان حيث قال في ذيل الآية الكريمة المتقدمة: " وقد سئل بعض أساتيذنا رحمة الله عليه عن تقريب دلالة الآية على عصمة الإمام فأجاب: إن الناس على أربعة أقسام: من كان ظالماً في جميع عمره، ومن لم يكن ظالماً في جميع عمره [وهو المعصوم] ومن هو ظالم في أول عمره دون آخره [أي التائب] ومن هو بالعكس، وإبراهيم عليه السلام أجل شأناً من أن يسأل الإمامة للقسم الأول والرابع من ذريته [أي للظالم في جميع عمره وللظالم في آخر عمره]، فبقي قسمان [أي المعصوم والتائب] وقد نفى الله أحدهما وهو الذي يكون ظالماً في أول عمره دون آخره [أي الظالم التائب] فبقي الآخر وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره".
وهذا القسم الأخير هو المعصوم بالعصمة الإلهية الذي لم يقع في الظلم والشرك والمعصية أبداً كما يشير لذلك النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – بقوله المتقدم: وانتهت الدعوة إلي وإلى أخي علي لم يسجد أحدنا لصنم قط.
الشرط الثاني أو الصفة الثانية للإمام الحق، مستمعينا الأفاضل، هي أن يكون مهتدياً بنفسه بالله عزوجل لا يحتاج إلى هداية من أي من خلق الله تبارك وتعالى، وهذه الصفة هي التي يشير إليها قوله عزوجل في سورة يونس الآيتين ۳٥ و ۳٦ حيث يقول:
" قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{۳٥} وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ{۳٦}"
الواضح من التدبر في هذه الآية الكريمة أن الإمام الحق الذي يجب أن يتبع هو الذي لا يحتاج إلا أن يهديه أحد لكي يهدي الآخرين، بل هو مهتد بالله عزوجل مباشرة، وهاد غيره بأمر الله سبحانه.
وفي الآية ۳٦ من سورة يونس إشارة إلى أن السر في لزوم توفر هذا الشرط وهذه الصفة في الإمام الحق هو أن كل إهتداء بغير الله عزوجل يبقى في دائرة الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً.
ومن هنا نفهم الصفة الثالثة من صفات الإمام الحق وهي (اليقين) بالآيات الإلهية والهداية المباشرة، وهذا ما يشير إليه قوله عزوجل في سورة السجدة الآية ۲٤:
"وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ"
واليقين، أعزاءنا المستمعين، هو من ثمار التأييد الإلهي الخالص الذي يشتمل على رؤية الملكوت الإلهي، قال عز من قائل في سورة الأنعام الآية ۷٤و۷٥: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ{۷٤} وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ{۷٥}"
روي في تفسير علي بن إبراهيم رضوان الله عليه في ذيل هذه الآية الكريمة عن إمامنا جعفر الصادق – عليه السلام – قال: " كشط له عن الأرض ومن يحملها وعن السماء ومن فيها والملك الذي يحملها والعرش ومن عليه، وفعل عزوجل ذلك كله برسول الله – صلى الله عليه وآله – وأميرالمؤمنين عليه السلام".
وفي أصول الكافي روي عن أميرالمؤمنين – عليه السلام – أنه قال ضمن حديث يشير إلى أثر إراءة الله ملكوته لمن إختاره للإمامة في القيام بمسؤولياتها، حيث قال: " فبعظمته عزوجل ونوره أبصر قلوب المؤمنين.. وهو حياة كل شيء ونور كل شيء سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا، فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه.. وليس يخرج عن هذه الأربعة شيء خلقه الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليله عليه السلام.. وبحياته حييت قلوبهم وبنوره إهتدوا إلى معرفته".
مستمعينا الأفاضل، ونخلص مما تقدم إلى معرفة ثلاثاً من صفات الإمام الحق الذي كتب الله على نفسه أن لا يخلي من وجوده الأرض في أي زمان لكي يكون حجة على خلقه وهادياً إليه، وهذه الصفات هي أولاً: أن يكون معصوماً بالعصمة الإلهية.
وثانياً: أن يكون في غنى عن الإهتداء بغيره من الخلق مهتدياً بنفسه بالله عزوجل مباشرة.
والثالثة: أن يكون من الموقنين الذين أيدهم الله بإراءته ملكوته لهم.
والصفات الأخرى تأتيكم بإذن الله، أيها الأحبة، في الحلقة المقبلة من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران جزيل الشكر ودمتم سالمين.