وتعد درجات الحرارة الباردة الشديدة أمرا جديا، حيث لا يستغرق الأمر سوى فترة قصيرة من الوقت في البرد حتى يتأثر الجسم بشكل خطير.
وتبلغ درجة حرارة الجسم الطبيعية نحو 37 درجة مئوية. وعندما ينحرف الجسم عن درجة الحرارة هذه، فذلك إما لأنه يحارب عدوى (مما يتسبب في ارتفاع درجة الحرارة) أو لأنه تعرض للبرد.
وإحدى استجابات الجسم الأولى لانخفاض درجة الحرارة هي الخضوع لعملية تسمى تضيق الأوعية. وهذا يقلل من تدفق الدم إلى المناطق المكشوفة، مثل أصابع اليدين والقدمين، عن طريق تضييق قطر الأوعية الدموية.
وتساعد هذه العملية على الحفاظ على درجة حرارة الجسم الأساسية، ما يحافظ على عمل الأعضاء الحيوية. وفي درجات حرارة أقل من -4 درجة مئوية، يمنع تضيق الأوعية الدموية أيضا تكوين بلورات الثلج في الدم.
وعندما تنخفض درجة الحرارة الأساسية إلى أقل من 35 درجة مئوية، يحدث انخفاض حرارة الجسم. وهذا يعني أن الجسم غير قادر على إنتاج ما يكفي من الحرارة لمواكبة معدل فقده.
ويمر انخفاض حرارة الجسم بثلاث مراحل:
في المرحلة الخفيفة، تنخفض درجة حرارة الجسم إلى ما بين 32 و35 درجة مئوية. وينبض القلب بشكل أسرع، ويزيد معدل التنفس وضغط الدم، وتتوتر العضلات من الارتعاش. وكل هذا يحدث لتوليد الحرارة.
وقد تحتاج أيضاً إلى التبول كثيراً، حيث يقوم الجسم بتحويل الدم إلى الكليتين. وقد يحدث أيضاً الارتباك وانخفاض التنسيق.
وفي المرحلة المعتدلة تنخفض درجة حرارة الجسم إلى ما بين 28 و32 درجة مئوية. في هذه المرحلة، تبدأ جميع وظائف الجسم في التباطؤ وتتوقف الارتعاشات.
في المرحلة الشديدة، تنخفض درجة حرارة الجسم إلى أقل من 28 درجة مئوية وتتوقف معظم أجهزة الجسم عن العمل. وسيكون الغالبية فاقدين للوعي في هذه المرحلة. وتتدهور وظيفة القلب وتفقد الرئتان وظيفتها بسبب احتقانها بالسوائل جراء نقص الدورة الدموية.
وتشير الأبحاث إلى أنه مقابل كل انخفاض بمقدار 5 درجات مئوية في درجة الحرارة، هناك زيادة بمقدار 1.6 ضعفا في خطر الإصابة أو الوفاة. ولا توجد معلومات دقيقة حول المدة التي يمكن للشخص أن يبقى فيها على قيد الحياة في غرفة التجميد، ولكن بناء على معلومات من الحالات السابقة، قد يستغرق الأمر بضع ساعات فقط.
وتتنبأ النمذجة أيضا أن الرجل السليم يمكنه البقاء عارياً في درجة حرارة -20 درجة مئوية لمدة ساعتين ونصف الساعة. ويمتد هذا إلى نحو 15 ساعة عند ارتداء طبقتين من الملابس.
مخاطر البرد
انخفاض حرارة الجسم خطير جدا لأنه يتقدم تدريجيا، حيث يصبح المصاب غير واعي ومرتبك. ويؤدي هذا الارتباك الناتج عن انخفاض درجة الحرارة إلى انخفاض وظائف المخ.
وفي بعض حالات الوفاة بسبب انخفاض حرارة الجسم، يتم العثور على أشخاص عراة أو مختبئين في أماكن صغيرة مغلقة (تُعرف باسم الجحر النهائي) في محاولة للتدفئة. ويحدث خلع الملابس، وهو ما يسمى التعري المتناقض، في المراحل الأخيرة من انخفاض حرارة الجسم، وذلك بسبب فتح الأوعية الدموية للمرة الأخيرة لدفع الدم إلى الأنسجة لتدفئتها، وهذا يجعل الناس يشعرون بالحرارة الشديدة لأنهم يكونون مشوشين ومرتبكين خلال هذه المراحل المتقدمة من انخفاض الحرارة.
ونظرا لقدرة الماء على نقل الحرارة من الجسم بشكل جيد للغاية، فإن حرارة الجسم تُفقد في الماء البارد بشكل أسرع بنحو 25 مرة.
ويمكن أن يؤثر حجم الجسم وشكله أيضا على مدى سرعة بدء انخفاض حرارة الجسم. ومن المثير للدهشة أن الذين لديهم نسبة عالية من الدهون في الجسم هم أكثر عرضة لانخفاض حرارة الجسم. وذلك لأن لديهم مساحة سطحية متزايدة لفقد الحرارة، وكتلة عضلية أقل لتوليد الحرارة من خلال الارتعاش.
وتصاب النساء أيضا بانخفاض حرارة الجسم بشكل أسرع من الرجال.
وعلى الرغم من أن انخفاض حرارة الجسم بسبب الهواء البارد يستغرق وقتا أطول، إلا أن حركة الهواء يمكن أن تؤدي إلى استقراره بشكل أسرع. وذلك لأن الهواء المتحرك باستمرار ينقل دفء الجسم بعيدا عن سطح الجلد.
وهناك أيضا خطر تلف الأنسجة بسبب قضمة الصقيع نتيجة التعرض للبرد. وعند -18 درجة مئوية، تحدث قضمة الصقيع في أقل من 30 دقيقة.
وقضمة الصقيع هي تجمد الجلد الذي يتطور إلى الأنسجة العميقة إذا استمر التعرض للبرد. وهذا يؤدي إلى موت الأنسجة ويمكن أن يؤدي إلى فقدان أصابع اليدين والقدمين.
وقد تكون الحركة مفيدة في المراحل المبكرة من قضمة الصقيع. ولكن مع انخفاض حرارة الجسم، يمكن أن يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية، حيث يقوم بتدوير الدم من الأطراف الباردة إلى القلب، ما قد يؤدي إلى انخفاض أكبر في درجة حرارة الجسم.
والحركة أثناء انخفاض حرارة الجسم المعتدل أو الشديد يمكن أن تزيد من خطر الوفاة بسبب اندفاع الدم البارد إلى القلب.
ويتم علاج انخفاض حرارة الجسم من خلال إعادة التدفئة. وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من انخفاض طفيف في درجة حرارة الجسم، فإن إخراجهم من البرد وخلع أي ملابس مبللة وإعطائهم طبقات إضافية للإحماء يساعد عادة. وقدم لهم طعاما أو شرابا دافئا لمنحهم الطاقة لتوليد الحرارة من خلال الارتعاش.
وسيحتاج أولئك الذين يعانون من انخفاض حرارة الجسم المعتدل أو الشديد إلى الحرارة من مصدر خارجي لأن أجسامهم غير قادرة على توليد الحرارة. ويمكن توفير ذلك على شكل الكمادات الحرارية الكيميائية التي يتم وضعها على الرأس أو الرقبة أو الجذع.
وفي الحالات القصوى، قد يلزم إدخال محلول ملحي دافئ في تجاويف الجسم.
ويجب الحذر من وضع كمادات التدفئة على الأطراف أو غمر الشخص في ماء دافئ، لأن ذلك قد يحرق الجلد أو يزيد من خطر الوفاة بسبب اندفاع الدم البارد إلى القلب.