السلام عليكم أعزائنا المستمعين ورحمة الله طبتم وطابت أوقاتكم بكل ما تحبون، وأهلا بكم ومرحبا في لقاء اليوم من هذا البرنامج وسؤالنا فيه هو: (كيف نعرف الله عزوجل من خلال التفكر فيما حولنا من المخلوقات) وبعبارة أخري فإن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة قد دعتنا إلي التفكر فيما خلق الله عزوجل كطريق لمعرفته عزوجل، فكيف يتحقق لنا ذلك ؟ الإجابة عن هذا السؤال نلتمسها معا من نفس نصوص مناري الهداية الربانية، تابعونا علي بركة الله .
نقرأ أولا من سوؤة البقرة قوله عزوجل في الآية ۱٦٤ "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" . وقال تبارك وتعالي في الآيتين ۱۹۰ و۱۹۱ من سورة ال عمران "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ [١٩٠] الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" وقال عز من قائل في الآيات ٦-۸ من سورة ق "أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ [٥٠:٦] وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [٥٠:٧] تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ [٥٠:٨]" . والأبيات بهذه المضامين كثيرة وهي تجيبنا عن السؤال المتقدم بالتأكيد علي أمرين أساسيين: الأول هو ضرورة الإستفادة ممن نعمة العقل للإنطلاق مما نراه في نظام الخلق من آيات للإستدلال بها علي أصل الوجود خالق لها أولا وثانية لمعرفة أن هذا الخالق جميل الصنع حكيم قادر عليم يشهد له بذلك إتقان صنعه وخلو نظامه الكوني من الفروج والثغرات .
أما الأمر الثاني فهو المستفاد من قوله سبحانه "تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ [٥٠:٨]" ، ففيه إشارة إلي الإستعانة بالبديهات المعرفية التي أودعها الله عزوجل في فطرة الإنسان للحصول علي معرفة الله من خلال التفكر بمظاهر قدرته تبارك وتعالي .
أيها الإخوة والأخوات، وقد جاءت أحاديث الثقل الثاني أهل بيت النبوة – عليهم السلام – بكثير من البيانات التوضيحية التي تعين الإنسان علي اكتساب معرفة الله الصحيحة من خلال التفكر في اثار خلقه وتعلقها والرجوع إلي الفطرة السليمة لتثبيت نتائجها .
قال مولي الموحدين علي أمير المؤمنين – عليه السلام – في نهج البلاغة: بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته وبالتفكر تثبت حجته . وقال – عليه السلام –: الحمد لله المتجلي لخلقه بخلقه .. ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم ..
وقال أيضا: ظهر في العقول بما يري في خلقه من علامات التدبير .. لا تستطيع عقول المتفكرين جحده لأن من كانت السموات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن فلا مدفع لقدرته .
وفي خطبة أخري قال – عليه السلام – في تعظيم الله عزوجل: وأرانا من ملكوت قدرته وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلي أن يقيمها بمساك قوته، مادلنا باضطرار قيام الحجة له علي معرفته فظهرت البدائع التي أحدثتها آثار صنعته وحكمته . ثم قال – عليه السلام -: فصار كل ما خلق حجة له ودليلا عليه، وإن كان خلقا صامتا فحجته بالتدبير ناطقة ودلالته علي المبدع قائمة . وقال – عليه السلام –: وأقام من شواهد البينات علي لطيف صنعته وعظيم قدرته ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له ونقعت في أسماعنا دلائله علي وحدانيته .
وقال – عليه السلام –: تعالي الملك الجبار أن يوصف بمقدار أو تدركه الح.اس أو يقاس بالناس، والطريق إلي معرفته صنائعه الباهرة للعقول الدالة ذوي الإعتبار بما هو عنده مشهود ومعقول .
مستمعينا الأفاضل، وقد ضم تراث أهل بيت النبوة – عليهم السلام – نماذج تطبيقية تعين الإنسان علي معرفة الله عن طريق مخلوقاته، منها ما ورد في خطب أمير المؤمنين – عليه السلام – في نهج البلاغة في تأملات دقيقة في أصناف المخلوقات .
ومن نماذجها الجامعة كتاب التوحيد الذي أملاه الإمام الصادق – عليه السلام – علي المفضل بن عمرو والمعروف بتوحيد المفضل، وكذلك رسالته – عليه السلام – التي أرسلها إليه والمعروفة برسالة (الأهليلجة)، وهما يشتملان علي الكثير من الفوائد المعرفية بهذا الباب ولذلك أوصي العارف الجليل السيد ابن طاووس في كتابه (كشف المحجة) ابنه والمؤمنين بمطالعتهما لمعرفة الله عن طريق آياته في خلقه .
وها نحن نصل مستمعينا الأكارم بتوفيق الله إلي ختام حلقة أخري من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) .
استمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران . تقبل الله أعمالكم ودمتم بكل خير .