السلام عليكم مستمعينا الاطائب ورحمة الله
تحية طيبة نستهل بها لقاء اليوم من هذا البرنامج فأهلاً بكم ومرحباً في هذا اللقاء نستجلي ما تقوله نصوص كتاب الله وأحاديث أهل بيت النبوة- صلوات الله عليهم أجمعين عن سؤال ذي أثرٍعملي مهم للغاية في حياتنا الدنيا وفي مستقبل حياتنا في الآخرة.
هذا السؤال يقول (كيف نتمتع بنعم الله في الحياة الدنيا دون أن تضر بعملنا للآخرة).
نتدبر معاً في النصوص الشريفة التالية التي تجيبنا على هذا السؤال، فتابعونا على بركة الله.
مستمعينا الأفاضل، نجد في القرآن الكريم آيةً جامعة تجيبنا عن السؤال المتقدم ببلاغة كلام الله حيث يقول عزوجل في الآية ۱۷۲ من سورة البقرة: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ".
إذن ينبغي أن يكون التمتع بالطيبات أي بما أحله الله عزّ وجل وطبق الأحكام الشرعية التي تضمن أن يكون التمتع بنعم الله خالياً من الأضرار.
وثانياً أن يكون هذا التمتع مقروناً بشكر الله على نعمائه عزّ وجل وبذلك يصبح هذا التمتع بالنعم الدنيوية عملاً عبادياً يدخر به المتمتع لنفسه ثوابه ولذاته الأخروية إضافة الى لذاته الدنيوية.
هذا هو المستفاد مستمعينا الأفاضل من الآية الكريمة المتقدمة، فما الذي تضيفه أحاديث الثقل الثاني؟ نقرأ لكم بعضها بعد قليل فكونوا معنا.
جاء في كتاب شرح إصول الكافي عن أبي عبدالله الآبي – وهو من علماء أهل السنة، قال: ذم رجلٌ الدنيا بحضرة علي- رضي الله عنه- فقال علي عليه السلام- له: "مالك ولذمها وهي دار غنىً لمن تزود منها ودارعظمةٍ لمن فهم عنها،…وهي مهبط وحي الله ومصلى ملائكته ومسجد أنبيائه ومتجر أوليائه، إكتسبوا فيها الحسنات وأكلوا فيها الطيبات وشكروا لمنعمها".
وروي في الكافي عن يوسف بن ابراهيم أنه دخل على الإمام الصادق- عليه السلام- وقد ارتدى، أي يوسف بن ابراهيم، ثياباً فاخرة فسأله عنها قائلاً:
جعلت فداك عليّ جبة خز وطيلسان خز فما تقول فيه؟
فقال- عليه السلام-: "وما بأسٌ بالخز"؟
فقال يوسف: سدّاه- أي حاشيته- إبريسم.
فقال- عليه السلام-: "وما بأس بأبريسم فقد أصيب الحسين- عليه السلام- [يوم كربلاء] وعليه جبة خز".
ثم قال- عليه السلام-: "إن عبد الله بن عباس لمّا بعثه أمير المؤمنين الى الخوارج… لبس أفضل ثيابه وتطيب بأفضل طيبه وركب أفضل مراكبه فخرج فوافقهم، فقالوا: يا ابن عباس…أتيتنا في لباس الجبابرة ومراكبهم".
قال الإمام الصادق- عليه السلام-: فتلا عليهم هذه الآية "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ".
ثم قال – عليه السلام- ليوسف بن ابراهيم: "فألبس وتجمل فإن الله يحب الجمال وليكن من حلال".
أيها الأخوة والأخوات وثمة شرط آخر تذكره الأحاديث الشريفة للتمتع باللذات الدنيوية، وهو أن يخلو من الأسراف ولايشغل الإنسان عن آخرته.
في نهج البلاغة روي عن مولانا أمير المؤمنين- عليه السلام- قال:
"أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولاأشاركهم في مكاره الدهر أو أكون لهم أسوة لهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة، همها علفها…أو المرسلة شغلها تقممها تكترش من أعلافها… وتلهو عما يراد بها، أو أترك سدىً أو أهمل عابثاً أو أجر حبل الضلالة أو أعتسف طريق المتاهة".
وروي في الكافي أن سفيان الثوري مرّ في المسجد الحرام فرأى الإمام الصادق- عليه السلام- وعليه ثيابٌ حسانٌ فوجده فرصة سانحة للنيل من أهل بيت النبوة –عليهم السلام- فقال في نفسه: لآتينه ولأوبخنه.
فدنا منه وقال: يا ابن رسول الله ما لبس رسول الله مثل هذا اللباس ولا علي ولا أحدٌ من آبائك.
فأجابه الإمام- عليه السلام-: "كان رسول الله- صلى الله عليه وآله- في زمانٍ مقترٍ… وكان يأخذ لقتره… وإن الدنيا بعد ذلك أرخت غزالتها فأحق أهلها بها أبرارها… ونحن أحق من أخذ منها ما أعطاه الله.
ثم بين- عليه السلام- أن هذا التنعم لايشغل المؤمن الحق عن الله حيث قال: ( يا ثوري ما ترى عليّ من ثوب إنما ألبسه للناس".
ثم إجتنب – عليه السلام- يد سفيان فجرها إليه ثم رفع الثوب الأعلى وأخرج ثوباً تحت ذلك على جلده غليظاً فقال: "هذا البسه لنفسي وما رأيته للناس".
ثم جذب ثوباً على سفيان أعلاه غليظ خشٌ وداخل ثوبٌ لين فقال له: "لبست هذا الأعلى للناس ولبست هذا لنفسك تسرها".
وخلاصة ما تقدم أن التنعم بنعم الله والطيبات يكون خيراً للمؤمن إذا كان من حلال وإقترن بشكر الله ولم يشغل عن العمل للآخرة.
وبهذه النتيجة نختم اعزاءنا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبتنا الثقلين) شكراً لكم وفي أمان الله.