السلام عليكم إخوة الإيمان ورحمة الله، تحية طيبة نهديها لكم ونحن نلتقيكم على بركة الله في حلقة اليوم من هذا البرنامج.
في الحلقة السابقة عرفنا أيها الإخوة والأخوات أن الدنيا التي نعيش فيها هي من أعظم النعم التي من الله بها على الخلائق فهي مزرعة الآخرة ومنها يتزود الإنسان بالزاد الذي فيه كماله، وفي الدنيا يبني حياته الأخروية الخالدة. وعلى هامش معرفة هذه الحقيقة يثار السؤال التالي: ما دامت الدنيا نعمة عظيمة ولها هذا الدور المصيري في مسيرة الإنسان، فلماذا إذن ورد كل هذا الذم لها والتحذير منها في الايات الكريمة والأحاديث الشريفة؟ سؤال وجيه ومهم نسعى معا على إجابته من مناري الهداية، كتاب الله وأحاديث أهل بيت النبوة المحمدية – صلوات الله عليهم أجمعين –. تابعونا مشكورين.
نبدأ أحبائنا بالقرآن المجيد فنقرأ قوله عز وجل في الآية ۳۲ من سورة الأنعام "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ".
وفي الآية ٦٤ من سورة العنكبوت يقول جل جلاله: "وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ".
ونتدبر معا في الآية العشرين من سورة الحديد حيث يقول تبارك وتعالي:"اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ".
ونقرأ أحبائنا في سورة النازعات الآيات ۳۷ – ۳۹ حيث يقول أحكم الحاكمين "فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى".
وفي الآيتين ۱٦ و۱۷ من سورة الأعلى نقرأ قوله عزوجل "بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى".
وأخيرا نتدبر في الآية ۸٦ من سورة البقرة وهي"أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ".
إذن – مستمعينا الأفاضل – نستفيد من هذه الآيات الكريمة ونظائرها أن المذموم ليس الدنيا كنعمة أنعم الله بها على الخلق بل إيثار الدنيا على الآخرة أي أن المذموم هو عمل الإنسان الذي لايتخذ الدنيا وسيلة إلى الآخرة يتزود فيها بصالحات الأعمال، فيحولها من نعمة يبني بها الآخرة إلى لعب ولهو وتفاخر بالأموال والأولاد فيقضي عمره فيما دون أن يستفيد منها لبلوغ الكمال والسعادة الحقيقية في الحياة الأخروية الخالدة.
وبعبارة أخرى فإن المذموم هو الإغترار بزينة الحياة الدنيا واتخاذها مزرعة للشر وليس مزرعة للآخرة.. .
لنتأمل معا في بيانات أهل بيت النبوة – عليهم السلام – لهذه الحلقة
تابعونا مشكورين.
قال رسول الله _صلى الله عليه وآله_ في إحدى مواعظه الخالدة: "لاتؤثرن الحياة الدنيا على الآخرة باللذات والشهوات فإنه تعالى يقول"فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا" يعني الدنيا الملعونة والملعون ما فيها إلا ما كان لله". وقال _صلى الله عليه وآله_:"من عرضت له دنيا وآخرة فاختار الدنيا على الآخرة لقي الله عز وجل وليست له حسنة يتقي بها النار".
وقال الوصي المرتضى – عليه السلام –:"من عبد الدنيا وآثرها على الآخرة استوخم العاقبة". وقال – عليه السلام: "إن جعلت دينك تبعا لدنياك أهلكت دينك ودنياك وكنت في الآخرة من الخاسرين، وإن جعلت دنياك تبعا لدينك أحرزت دينك ودنياك وكنت في الآخرة من الفائزين" وقال _عليه السلام_: "أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار فخذوا من ممركم إلى مقركم".
مستمعينا الأعزاء إذن المذموم هو أن يتعامل الإنسان مع الدنيا كدار خلوده فيغتر بها وهي فانية وينسى الآخرة والعمل لها وهي الباقية. ولذلك حذرت الأحاديث الشريفة من حب الدنيا، روي في الأحاديث القدسية أن الله عز وجل قال لحبيبه المصطفى – صلى الله عليه وآله – في معراجه: "يا أحمد، لو صلى العبد صلاة أهل السماء والأرض، ويصوم صيام أهل السماء والأرض ويطوي عن الطعام مثل الملائكة ولبس لباس العابدين ثم أرى في قلبه من الدنيا ذرة أو سمعتها أو رئاستها أو صيتها أو زينتها، فلا يجاورني في داري ولأنزعن من قلبه محبتي ولأظلمن قلبه حي ينساني ولاأذيقه حلاوة محبتي".
وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى الكليم – عليه السلام –:"إعلم أن كل فتنة بذرها حب الدنيا". وقال الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وآله –: "أكبر الكبائر حب الدنيا". وقال أيضا:"حب الدنيا أصل كل معصية وأول كل ذنب". وقال وصيه المرتضى – عليه السلام:"إنك لن تلقى الله بعمل أضر عليك من حب الدنيا". وقال إمامنا جعفر الصادق – عليه السلام –: "رأس كل خطيئة حب الدنيا".
أيها الأحبة، وهنا يثار سؤال آخر هو: هل أن كل حب للدنيا أمر مذموم يمنع الإنسان عن الإستفادة الصحيحة من نعمة الدنيا؟ هذا هو السؤال الذي سنبحث معا عن إجابته في حلقات مقبلة من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) تأتيكم بمشيئة الله من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران. تقبل الله منكم حسن المتابعة ودمتم في رعايته سالمين.