السيد الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
من مشاهير الصادقين واعلام المجاهدين في طريق الله واهل البيت هو العالم الكبير والقائد السياسي المخضرم الامام السيد ابو القاسم الكاشاني رحمه الله.
حينما يجري الحديث عن العلماء المجاهدين والمناضلين في القرن المتأخر، القرن الرابع عشر الهجري، في طليعة هؤلاء يأتي اسم هذا العالم المجاهد والثاقب في نظرياته ونظراته.
يعرف الاخوة في العراق وفي ايران وفي مختلف البلاد الاسلامية، يعرفون جيداً هذا الاسم ودور هذا العالم الكبير وهو السيد ابو القاسم الكاشاني، فهل هذا العالم الشهير هو من كاشان؟ طبعاً سأقول ذلك في ضمن هذه الدقائق المعدودة، طبعاً هو من مواليد مدينة طهران ومن عائلة علمية وعلمائية وعلوية ومنشأه الاساسي المدينة المنورة كما يعرف الجميع لأن اي علوي اينما ولد واينما نشأ واينما ترعرع واينما درس هو بالتالي ينتهي الى آل البيت وآل البيت هم اساساً من مكة المكرمة من الحجاز ولكن نتيجة التشريد والقهر والضغط والمطاردة ... هرب من هرب وتوزعوا في مناطق نائية من العالم بحثاً عن اجواء الامان فالسيد ابو القاسم الكاشاني رضوان الله تعالى عليه هو من العوائل العلمية التي نزحت الى الري والري جنوب طهران وكانت ولادته هناك وبعد حصوله على مبادئ العلوم الاولية تحول الى النجف الاشرف، اذن هذا العالم المجاهد هو من ثمرات الحوزة العلمية في النجف الاشرف وهو جزء من عطاءات حاضرة العالم الاسلامي وهي النجف الاشرف واصبح من التلاميذ المجدين جداً لأستاذين كبيرين في حوزة النجف الاشرف وهما المرحوم الاخوند الخراساني صاحب الكفاية والميرزا حسين الخليلي ونتيجة تطوره السريع ومواهبه واستعداداته اصبح من كبار المراجع ونال اجازة الاجتهاد من المرحومين السيد ابو الحسن الاصفهاني والاغا ضياء الدين العراقي والسيد اسماعيل الصادق وشيخ الشريعة وهؤلاء هم على رأس اساطين الحوزة العلمية في النجف الاشرف.
المرحوم اغا بزرك الطهراني صاحب موسوعة الذريعة يقول كان السيد ابو القاسم الكاشاني زميلي الخاص في درس المرحوم الاخوند ويصفه "وكان مثالاً كاملاً للتقوى والخلق العالي" ويقول "عاشرته سنين طويلة فوجدته قليل النظير في تقيده وعلمه وجهاده" .
طيب نحن والموقف السياسي لهذا العالم الكبير، طبعاً الاحداث تمخضت عن مواقف وحالات مؤلمة جداً مر بها العراق نتيجة احتلال القوات الغازية لجنوب العراق آنذاك وهي القوات البريطانية وكانت لعلمائنا الاعلام مواقف مهمة جداً ومن ضمنها كان الموقف المهيب والمؤثر جداً للامام السيد ابو القاسم الكاشاني في ايام الحرب العالمية الاولى، آنذاك كان المرحوم الاخوند الخراساني صاحب الكفاية يستشيره ويعمل بأبتكاراته وآراءه. كان المرحوم السيد ابو القاسم الكاشاني مع مجموعة من كبار العلماء يثقفون الناس على طرد القوات المحتلة الغازية وآنذاك اصدر كبار المراجع فتاواهم بوجوب التصدي للغزاة المحتلين وكان المرحوم الامام ابو القاسم الكاشاني في الخط الاول يقاتل القوات المحتلة في منطقة الفاو بالبصرة وقد ذاقت بريطانيا آنذاك اشد المرارة من مواقف علماء النجف الاشرف ولذلك روجت المقولة الاستعمارية انه على علماء الدين ان لايتدخلوا في السياسة وان لاسياسة في الدين ولادين في السياسة، هذه من الابتداعات التي ابتدعها الانجليز ونشروها لخلط الاوراق وكانت بعض العناصر المرتبطة بالقوات الغازية توصل الاموال سراً لبعض الافراد لأشاعة وتكييس هذه المقولة التي لاتخدم الا الاستعمار والغزاة.
طيب هذا العالم الجليل من مواقفه الجهادية هو دعمه للحاكم القاجاري لأيران، من هو آنذاك؟ احمد شاه القاجاري واحمد شاه القاجاري هذا معروف بموقفه الرافض للتوقيع على الاتفاقية الخيانية الذليلة بين رئيس وزراء ايران وثوق الدولة والمندوب البريطاني في الشرق الاوسط كوكس وذلك عام 1919 فأحمد شاه القاجاري زار اوربا ولدى عودته من اوربا زار العراق ووصل الى النجف الاشرف واجتمع بكبار العلماء واشادوا كلهم بدوره الوطني الرائع في رفض الاتفاقية وكان في طليعة من شجعه وشكره على هذا الموقف هو الامام ابو القاسم الكاشاني وطبعاً عمل الامام ابو القاسم الكاشاني ممثلاً للنجف الاشرف حينما حمل رسالة موقعة من خمسة عشر من رؤساء عشائر الفرات الاوسط وعززها ايضاً هذه الرسالة او الوثيقة عززها المرجعان الكبيران شيخ الشريعة والميرزا محمد تقي الشيرازي واوصل السيد الكاشاني هذه الرسالة الى القيادة البريطانية وشعر القادة البريطانيون بمرارة وخيبة امل من مواقف السيد الكاشاني والذي كان مفاوضاً عميداً في تصورهم لايفهم لغة التراجع لكن بعد حصول بعض الخروقات وبعض التطفلات عاندت القوات البريطانية واخذت تطارد بعض العلماء خصوصاً المتقدمين في خطوط الجهاد واعلنوا جائزة كبرى لمن يخبر عن مكان الامام ابو القاسم الكاشاني واصبح السيد الكاشاني الهدف الاول للقوات البريطانية المحتلة الا انه استطاع الافلات من قبضتهم وغادر العراق واتجه الى ايران ليستقبل هناك استقبال القادة الابطال واصبح في ايران رقماً عالمياً عالياً في العلم والجهاد حتى ان المرحوم الشيخ محمد الشريعة وجه رسالة او نداءاً الى الشعب الايراني يطلب منه الاستفادة من وجود هذه الشخصية العظيمة. هنا دخل السيد الكاشاني مرحلة اخرى في مواجهة المستعمر وعملاءه وبدأت ضغوط الانجليز تتزايد على رئيس الوزراء آنذاك في ايران وهو سهيلي المعروف وكان المطلوب منه ان يعتقل السيد الكاشاني فأضطر رحمه الله الى ان يختفي بمدينة قم المقدسة ولكن بالتالي قبض عليه وقضى ثلاث سنوات وهو سجين في الحامية البريطانية في مدينة اراك ولاقى هناك ما لاقى من التعذيب والتنكيل ثم اخلي سبيله.
بعد انقضاء فترة تدخل كبار العلماء والحوا عليه بالعودة الى طهران وعاد الى طهران واصبح عضواً في المجلس الوطني ونال اصواتاً عالية.
في اواسط الاربعينيات سافر الى الحج والتقى هناك ببعض القيادات الاسلامية في العالم الاسلامي كالمرحوم الشهيد حسن البنا وغيره وتبادل معه ما يعاني منه العالم الاسلامي من سيطرة الاجانب وكان المرحوم السيد ابو القاسم الكاشاني ذو نظرة عميقة ونظرة منفتحة على التعاون بكل دعاة الحرية والاستقلال في العالم الاسلامي.
لما عاد الى ايران القي عليه القبض وآنذاك كانت ايران تحت الحكم البهلوي الاول فسجن ايضاً فترة طويلة ثم تم ابعاده الى لبنان وهكذا حياة مفعمة بالروح الجهادية الى ان وافاه الاجل في طهران وبعد 74 عاماً من الجهاد وشيع تشييعاً مهيباً ووري الثرى بجوار السيد عبد العظيم الحسني.
تغمده الله بواسع رحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******