السيد الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
من شموع الصادقين الاوفياء لأبي عبد الله الحسين عليه السلام هو الشهيد وابو الشهداء الاربعة عبد الله القفعمي.
عبد الله القفعمي هو من ضواحي البصرة وكان يعمل بالتجارة وقالوا انه من بني تميم وقالوا انه من بني شيبة، على اي حال عبد الله القفعمي رجل طاعن في السن وقد يكون الوحيد بين اصحاب الحسين الذي قدم من الاولاد اربعة شهداء بين يدي الحسين عليه الصلاة والسلام، انا قلت مراراً ان شهداء كربلاء او انصار الحسين عليه الصلاة والسلام فيهم تنوع غريب وفيهم اخوة وفيهم اب وفيهم اب وولد وهناك زوج وزوجة قتلا وهناك اخوان وتتعدد الحالة ولكن الحالة الفريدة بين انصار الحسين وليس من بني هاشم، بين انصار الحسين هذه حالة فريدة كانت وهو عبد الله القفعمي هو واولاده الاربعة.
طيب استشهد هذا الرجل وعمره واحد وثمانين عاماً وله من الاولاد احد عشر ولداً في البصرة وكان هو يدخل البصرة في المناسبات يعني يتبضع، رجل يشتغل بالتجارة ودخل يوم من الايام الى البصرة وكان الوقت شديد الحر واحتاج الى مكان يرتاح فيه لأن لم يكن في ذلك اليوم فنادق ومقاهي وانما كانت بيوت ذوي الشرف تسمى بالدواوين او المضايف فيأتي الغريب يجلس ويرتاح ويستعيد عافيته.
عبد الله القفعمي رجل طاعن في السن اخذته شبه وعكة فجاءوت به الى منزل مارية القبطية في البصرة وهذه كان بيتها مفتوح للضيوف والروايات تقول ان زوجها واولادها راحوا شهداء بين يدي الامام علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه فهي كانت تحمل روح الولاء والمودة للامام امير المؤمنين فرأى عبد الله القفعمي حالة من الازدحام والحزن والتذمر والجزع عند صاحبة هذا البيت او المضيف والحزن ايضاً على من يتردد عليها، احدهم يشكو عدم امتلاكه للسلاح، احدهم يشكو عدم امتلاكه للمال والاخر يشكو عدم رضايت زوجته، احدهم يقول ليست عندي راحلة والى ما هنالك فأستخبر هنا عبد الله القفعمي الخبر فقالوا له الحسين عليه السلام تحرك صوب العراق وكتب الى اهل البصرة دعاهم الى نصرته، الظاهر ان الحسين عليه السلام ارسل الى اشراف اهل البصرة رسائل مع رسوله ابو رزين الذي قتله ابن زياد، آنذاك ابن زياد كان حاكماً على البصرة فكانت هذه المرأة تحرض الناس على نصرة الحسين، تشتري راحلة، تعطي المال، تكلم زوجة لترضيها وهكذا وجد عبد الله القفعمي رضوان الله عليه ونفسه امام مسؤولية وهو يرى بأم عينيها الحسين عليه السلام يستصرخ ضمير المسلمين ويرى بأم عينيه قلة الناصر، ماهو تكليفه الشرعي؟ عنده احد عشر ولداً فرجع الى قريته وجمع اولاده في اجتماع وسبحان الله هؤلاء الاحد عشر بينهم سبعة غير موفقين واربعة هؤلاء واقعاً كما يقول الشاعر:
بأبه اقتدى عدي بالكرم
ومن يشابه ابه فما ظلم
يعني هؤلاء كانوا اولاد مخلصين بارين ليس لأبيهم فقط وانما بارين مع رسول الله، بارين مع امير المؤمنين ومع ابي عبد الله الحسين، سأل هؤلاء الاربعة ابيهم عن وضعه وتصميمه فقال نحن يعني بطبيعتهم العربية، قال امرأة اخذتها الحمية وجالسة تبكي ليل نهار وجالسة عند باب ديوانها وهي تدعو الناس الى نصرة الحسين وهي امرأة ونحن رجال وندين الله بحب النبي واهل بيته فما عذرنا يوم القيامة امام الله، امام رسول الله، امام الزهراء فاطمة ونرى ونسمع ان الحسين يستصرخ الضمائر ونغض الطرف، سبحان الله اربعة من هؤلاء اخذتهم الغيرة وكانوا نعم الاولاد من قبيل "ووالد وما ولد" اما السبعة لم ينسحب عليهم هذا التوفيق ولايدرى ماهو طعامهم، ماهو اكلهم؟ لأن على اي حال التغذية مؤثرة والتربية مؤثرة والى ما هنالك، المعلم مؤثر والبيئة مؤثرة.
فهجرهم عبد الله القفعمي وهجر المنطقة ومعه اولاده الاربعة الى ان وصل الى كربلاء وقبل وصوله الى كربلاء تناهشته كلاب حمراء ولا ادري ان كانت العرب من طباعها تتشائم من اعتراض الكلب الاحمر، لعلي سمعت ذلك في بدايات حياتي، كانوا يضعون اوقات حينما تنهش الكلاب البشر فتشائم والتفت الى اولاده وقال انا مقتول لامحالة يعني هو يريد ان يعطيهم رسالة بأن المسألة احتمال وارد وقوي بأن فيها قتل واذا هؤلاء الاولاد الاربعة، هؤلاء شبان تصرخ فيهم الشهوات والنزوات وهؤلاء في فورة الطاقة وفي سيطرة الطاقة والغرائز على عقولهم، لكن رجحوا عقولهم والحمد لله الجانب الروحي عندهم اعتلى على الجانب المادي فصار الاولاد الاربعة هؤلاء اشد ضراوة من والدهم واكثر جرأة وحماس من والدهم وصاروا يتباهون امامه ايهم يقدم اولاً ثم قالوا لأبيهم نحن نحضر معك بين يدي الحسين على هذا الشرط ان لاتتقدم على القتال حتى ترانا قد استشهدنا، لماذا؟ لأن هذه النكتة واردة ان الشاب على اي حال يعترضه الشيطان وتعترضه الوساوس ربما في اخر لحظة فيقولون لأبيهم عبد الله القفعمي رضوان الله عليه انت لاتتقدم الى الشهادة حتى ترانا نسقط بين يديك، هذا الموقف الحسين عليه السلام كان يتباهى به وكان يشعر بحماس ودفء لما يرى من وفاء ولما يرى من روح التضحية عند هؤلاء.
الروايات تقول ان عبد الله القفعمي لم ير النبي ولا الامام علي ولا الحسين عليه السلام، هذه اول مرة يلتقي بالبيت العلوي، بآل رسول الله، لما وصل الى كربلاء ومثل بين يدي ابي عبد الله الحسين خر الى الارض ولم يتمالك نفسه لما رأى من هيبة ابي عبد الله الحسين والحسين سلام الله عليه احد السبعة الذين شابهوا جده رسول الله، الزهراء سلام الله عليها كانت تداعب الحسين وتقول له انت شبيه بأبي لست شبيهاً بعلي، عبد الله القفعمي لما رأى الحسين عليه السلام انفتحت له ابواب من الرضوان، ابواب من الفيض الالهي فلم يستطع ان يقف فقدم اولاده الاربعة، سلموا على الحسين الواحد بعد الاخر والحسين عليه السلام يرحب بهم وكان لهم اجلى المواقف، تساقطوا شهداء ثم لما سقطوا صاح عبد الله القفعمي الان قرت عيني يا ابا عبد الله فتقدم وقاتل وسقط شهيداً.
اسأل الله لهذا الشهيد البطل ولأولاده الاربعة الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******