بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين ومن بقايا الصادقين المتفانين في مودة اهل البيت عليهم الصلاة والسلام هو العالم الكبير والمقدس المعروف السيد عبد الكريم الكشميري الرضوي اعلا الله مقامه. هذه الشخصية هي من نوادر عالمنا المعاصر ومن ثمرات اانجف الاشرف، السيد عبد الكريم الكشميري هو من مواليد النجف الاشرف عام 1343 هجرية وابوه السيد حسن الكشميري من مشاهير علماء كربلاء المقدسة، كان عالماً ورعاً ومقلداً ويرجع الناس اليه، كثير من الناس. اما امه يعني والدة السيد عبد الكريم الكشميري هي ابنة المرحوم السيد كاظم اليزدي اعلا الله مقامه صاحب كتاب العروة الوثقى والسيد عبد الكريم الكشميري ينتهي نسبه الى المرحوم السيد احمد نقيب قم المقدسة وابن السيد احمد المبرقع ابن الامام الجواد سلام الله عليه فهو من السادة الرضوية. اما سبب شهرة هذه الاسرة بالكشميري هو هجرة العديد من رجالها الى مناطق نائية طلباً للامان بسبب غارات النواصب والوهابية على مدينتي النجف الاشرف وكربلاء المقدسة ولما عاد ابناءهم بعد فترات طويلة صاروا يشتهرون بهذه الالقاب، بأسماء البلدان التي لجأ آباءهم اليها وعاشوا فيها مثل الشيرازي، الاصفهاني، الكشميري، الخراساني، البروجردي هؤلاء كلهم سادة منشأهم الحجاز، المدينة المنورة، نشرهم الظلام الكفرة اعداء النبي واهل البيت. السيد عبد الكريم الكشميري هو الابن الرابع لوالده العلم، طبعاً هو مشهور في العراق، في النجف بأبو الاستخارة، (قضية الاستخارة على حدة) فوالده رزق اولاد اربعة ولكن لما ولد له هذا الولد توسم فيه الخير فسماه بأسم صديقه الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم الذي كان في ذلك اليوم في النجف الاشرف قبل ان ينتقل الى قم ويؤسس الحوزة فيها كان السيد حسن والد السيد عبد الكريم صديقه فسمى ابنه هذا بأسم السيد عبد الكريم الحائري مؤسس الحوزة. السيد عبد الكريم الكشميري رحمه الله ولد في كربلاء، ترعرع في احضان العلم والعلماء من والده الى الى... ثم تدرج علمياً في النجف الاشرف على ايدي اساتذة كبار مثل الشيخ صدرا البادكوبي، مثل الشيخ عبد الحسين الرشتي، الشيخ بهجت، بهجت المعروف، العارف كان ذلك اليوم في النجف الاشرف وبعد ذلك اصبح من كبار تلاميذ الميرزا عبد الهادي الشيرازي والمرحوم السيد عبد الاعلى السبزواري الا انه منذ شبابه انشد الى المرحوم المقدس السيد ميرزا علي القاضي المعروف العالم العرفاني الشهير العابد واصبح من اللصقاء به وتأثر بحركاته وسلوكه الخاص ورياضته العرفانية، بعد ذلك هكذا اقول بأختصار السيد عبد الكريم الكشميري كان احد المتصدين لتدريس الفلسفة في حوزة النجف الاشرف العلمية وبما انه تدريس الفلسفة كان امراً مرفوضاً في الحوزة كان رحمه الله يتكتم في ذلك وبتعتيم خاص وينفرد به عدد خاص يدرسون عنده منظومة السبزواري ثم بعد ذلك ترك رحمه الله هذا نتيجة الضغوط ومن هنا اصبح قوي الصلة وثيق الارتباط بالامام الخميني رضوان الله عليه لما وصل الى النجف الاشرف واصبحت صلتهما حميمية للغاية مع السيد الامام وهو كان في النجف يعد من كبار الاساتذة السيد عبد الكريم الكشميري في الفقه والاصول لكن صحته غير مستقرة فأقتصر على درس او درسين فقط اما علاقاته فكان يحظى بأحترام رحمه الله لدى عموم مراجع النجف الاشرف وكان شعبي الطبع يحيط به دائماً الكسبة والتجار وفي السنين الاخيرة كان اماماً للجماعة في مسجد المسابك، مسجد داخل النجف الاشرف قريب الحرم يعرف بمسجد المسابك وانا كنت هناك، انا الحقير حسن الكشميري أئتم به في الصلاة هناك، ارقى المنبر احياناً بعد الصلاة يكلفني بعض المؤمنين وبعد القراءة كنت اخرج معه وكان يبكي كثيراً لما اذكر مصائب اهل البيت فأصحبه الى الصحن الشريف ونجلس طويلاً ونتحدث بأمور عدة ولاحظت طريقته الخاصة في الاستخارة وعجيب الناس كانوا يراجعوه في ذلك واستخارته مشهورة يعني كثير من سكان مدن العراق كانوا يقصدون النجف لغرض الاستخارة عند السيد عبد الكريم الكشميري فأنا اشتدت صلتي به اضافة الى القربى بيننا، اشتدت صلتي به بسبب اني تأثرت بسلوكه المتواضع وابتعاده عن بهرجة الحياة، هروبه من الشهرة وروح الدعابة التي كان يتمتع بها، روح المرح، كان يفضي الي ببعض همومه ويقدم لي بعض التوجيهات وهذه اقولها ازدادت علاقتي به بسبب الاستخارة بالذات، مثلاً في الستينيات عزمت ان اشتري بيتاً واعجبني البيت بكل مواصفاته وبموقعه ولكن فضلت ان استخير عند السيد عبد الكريم الكشميري، استخار وانا لم اقل له لماذا استخير ولم يعرف ما في نفسي ولم اخبر به احداً فلما اتم الاستخارة قال لي اترك هذا البيت، هذا البيت جزء منه وقف، اتركه فتركته، سبحان الله، اشتريت بيتاً اخر لكن بقيت رغبتي في ذلك البيت، سبحان الله بعد سنين علمت ان جزءاً من ذلك البيت اوقفه صاحبه، صاحب الدار وكان اوصى ان يدفن بذلك البيت في تلك القطعة الوقف لكن اولاده دفنوه في وادي السلام كي لايحول دفنه في البيت دون بيعه، قلت سبحان الله وعلمت سر استخارتي عند السيد رحمه الله. طيب بقينا اصدقاء الى ان تأزمت الامور وتفجرت الثورة الاسلامية في ايران وجن جنون البعث الكافر في العراق وقتل من قتل وعذب من عذب واستمرت موجات التهجير للعلماء والكسبة وانتهى الامر بأعدام الشهيد الصدر الاول فكان رحمه الله قلقاً وبعد ذلك انا غادرت العراق وتركته في حيرة وبعد مدة علمت انه وصل الى مدينة قم وان السيد الامام رضوان الله عليه امر بشراء بيت له وتم ذلك فتوجهت من مشهد الى قم والتقيته فأستبشر بي كثيراً، سألته ما كنت مصمماً انت على السفر، كيف سافرت؟ قال بعد خروجك بأشهر كنت متردداً، ارفع قدم واخر قدم والوضع ضيق والقتل اصبح بالجملة فذات ليلة جمعة وكان من عادته يذهب الى كربلاء يزور الحسين بأبي هو وامي، يقول زرت الحسين وبت هناك، زرت الحسين وزرت العباس ففي باب الصحن وانا خارج من صحن العباس توجهت الى الحرم لأسلم رأيت امرأة نائمة، عربية زائرة نائمة عند الحائط بمدخل الصحن فجأة استيقظت من النوم رأتني لكن اخذت تنظر الي بتأمل ثم صاحت بلهجتها سيد لماذا لاتسافر، اخرج بالعجل، والله اذا بلش بك الظلام لايرحموك وردت نامت، يقول السيد عبد الكريم الكشميري فأدركت حينها انها رسالة وربما ان ملكاً ظهر لي بصورة هذه المرأة " فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا " بالنسبة لمريم " فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً " فقررت السفر بسرعة، يقول انا سافرت وبعد سفري بأيام واذا البعثيين يسألون عني ويترددون وهاجموا المنزل واغاروا على مكتبتي واخذوا كتبي وكل مافيها ولااعرف اين ذهبت. كان السيد عبد الكريم الكشميري يعيش في قم ولكن روحه في النجف وكان يزوره السيد احمد ابن السيد الامام الخميني ويبلغه سلام السيد ويسأله حاجته فقال اريد العودة الى النجف، قال يمكن ان نرجعك ولكن هناك خطورة وكيف تكون في مأمن من بطش عصابات صدام فبقي في مدينة قم مطمحاً للشخصيات يعظ الناس، وكل من يزوره من المسؤولين يزوره بتكتم في منتصف الليل، يقولون له انصحنا، يقول "از خدا بترسيد" "خافوا الله" وسبحان الله هو الخوف من الله بداية المدرسة ونهاية المدرسة. بقي صابراً يتلهف ليل نهار على العودة الى النجف الاشرف حتى تدهورت صحته وتوفي رحمه الله في 20 ذي الحجة من عام 1419 هجرية وشيع تشيعاً مهيباً وصلى على جثمانه صديقه الشيخ بهجت، صديقه من ايام النجف الاشرف وامر الامام الخميني رضوان الله عليه بأن يدفن في حرم السيدة معصومة بجوار المرحوم السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان. اسال الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******