ومن اعيان الصادقين ومصاديق الصادقين الذين ادركتهم وعاشرتهم قليلاً هو العالم المجاهد والخطيب الاديب الشيخ بهلول، الشيخ بهلول بن محمد تقي الكنابادي ونحن نسمع عن شخصيات في التاريخ يحملون هذا الاسم بهلول، هناك البهلول الذي اشتهر بسلوكه الخاص وهذا ايضاً الذي اتحدث عنه، هذه الشخصية الفذة كان لها سلوكها الخاص في الواقع كان هذا الرقم مدهش ومحير الشيخ بهلول الكنابادي محير بصفاته وخصاله، بعطاءه وبكل فصول حياته.
هو من مواليد ايران عام 1311 هجرية درس مبدئياً في بلده ثم انتقل الى مدينة مشهد المقدسة في ايران واكمل هناك المقدمات وبعض السطوح وانتقل بعد ذلك الى النجف الاشرف وحضر دروس المرحوم الاخوند الخراساني والمرحوم السيد كاظم اليزدي وبعد سنين طويلة رحل الى افغانستان ليكون هناك مطمح انظار شيعة اهل البيت وكان الناس في افغانستان بحاجة ماسة الى عالم خصوصاً من النجف الاشرف فأتجه هذا العالم الكبير الى افغانستان وواقعاً اسدى الكثير من الخدمات هناك وعمل على نشر فكر اهل البيت ولكن الحاكم آنذاك كان الملك محمد عمر سخط عليه وطارده فهرب وانتقل الى مشهد المقدسة وهناك اصبح رمزاً جهادياً كبيراً ومدرساً شهيراً.
في ايران ايضاً تتفاقم موجة الفسق والفجور واختفاء المظاهر الدينية وكان البهلوي الكبير يعمل على علمنة البلد ويتجاهل وجود عتبتين مقدستين في ايران، مشهد الامام الرضا ومشهد السيدة المعصومة ثم طبيعة وحضارة الشعب الايراني ولكنه كان اصراراً وتعمداً فأصدر القرارات بألغاء الحجاب ونشر محلات بيع الخمور وتأسيس الحانات والمراقص وغير ذلك فطبعاً هنا ثار علماء ايران في قم، في طهران، في مشهد وحديثنا عن الشيخ بهلول الذي كان هو في مشهد عنصراً ناشطاً في مدينة مشهد فأعتصم كبار العلماء في مشهد احتجاجاً على قرارات البهلوي بألغاء الحجاب ونشر حانات الخمور، الاعتصاام كان في مسجد كوهر شاد وهو ملاصق لحرم الامام الرضا صلوات الله وسلامه عليه وغص المسجد بالناس وكان الشيخ البهلول على المنبر يحرض الجماهير على التظاهر ضد الطاغية وحدثت هناك حوادث، قوات الدرك حاصرت المسجد وقتل عدد كبير من الناس واعتقل عدد غير قليل من العلماء ومن ضمنهم الشيخ بهلول الذي اعتقل وهو على المنبر فبقي في السجن مدة طويلة وبعدها استطاع الهروب من السجن وبقي متخفياً في ايران لفترة حتى ظهر في مصر، انتقل من ايران الى العراق الى سوريا وذهب الى مصر وهناك وفرت له السلطة المصرية وسائل الدعاية، كان يتحدث باللغة العربية والفارسية من الاذاعة المصرية، استمر عدة سنوات ولكن بعد مجيئ محمد رضا البهلوي الابن الى السلطة اتفق الشاه مع الحكومة المصرية على تسليمه لأيران الا ان السلطة المصرية اخرجته وما سلمته فأتجه الى لبنان لفترة ثم قطن الشام وبعدها تحول الى العراق فأستوطن النجف الاشرف، هذا ملخص عن حياة هذا العالم الجليل الجهادية او نسميها بالثورية.
قلت انا عاصرته قليلاً ايام بدايات حياتي، كان الشيخ بهلول عجيباً في وضعه ومظهره، مظهره مثلاً بسيط لباساً وطعاماً وتحركاً، كان رحمه الله نحيف البنية ولكن عقله ومواهبه كانت خارقة للعادة وانا شاهدت كثيراً من الاساتذة في النجف الاشرف في الستينيات يتحدثون بطرائف وحكايات الشيخ البهلول خصوصاً احواله الخاصة، امكاناته الفكرية، هذا الرجل مثلاً الى جانب حفظه للقرآن الكريم بكامله كان يحفظ ادعية طويلة واذكار خاصة مأثورة عن اهل البيت، كان رحمه الله مثلاً يحفظ مئتي الف بيت من شعره الخاص الذي نظمه طوال حياته، كان يردد على المنابر الكثير من شعره، آخر منبر له سمعته منه في مدينة طويريج قضاء الهندية دعاه هناك احد وجهاء مدينة الهندية الحاج محمد حسن الكتبي، كان دعاه لقراءة عشرة ايام فحضرت مجلسه ذات ليلة وانا في طريقي من الحلة الى كربلاء وكان هو على المنبر اتذكر يمثل كومة عظام بالية لكن الالاف من الناس اكتظ بهم الشارع العام على ضفة نهر الفرات وكل ينظر بدهشة الى هذا الرجل النحيف العجوز وهو يتحدث بأسياب ولا تفوته النكتة والشاهد والطريفة والنادرة وغيرها، هذا الرجل كان مدرسة، المرحوم الشيخ بهلول الكنابادي مثل في هذه الدنيا الصورة الطبيعية مثلاُ لبر الوالدين خصوصاً والدته لأن ابوه توفي وهو شاب الشيخ محمد تقي الكنابادي فأخذ على عاتقه خدمتها وارضاها رغم دروسه وانشغالاته ورغم السجون التي مر بها ورغم التهجير هنا وهناك، كان يصحبها معه فهو يعني على رغم ضعف قوته ونحافة جسده وصغر جثته وفق ان يحمل على ظهره امه ويأخذها ماشياً على قدميه من النجف الاشرف الى كربلاء المقدسة اربعين مرة، انا بودي ان يصغي الي الشباب ومن لديهم امهات وآباء، هذا الرجل على صغر جسده ونحافة بدنه اربعين مرة كان يصرح على المنبر ومن باب واما بنعمة ربك فحدث ولاان يتباهى وهو يريد ان يعطي درساً للاخرين اربعين زيارة اخذها معه وحملها من النجف الى كربلاء لزيارة ابي الاحرار ابي عبد الله الحسين (سلام الله عليه).
في الواقع سيرة هذا العالم الجليل الشيخ بهلول مصدر من مصادر الالهام التربوي والروحي ومنبع اخلاقي يتدفق بالدروس والعبر وروضة تعبق بأزهار وطيب مدرسة اهل البيت، اهل بيت العصمة والطهارة وهم اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وطبعاً في اوائل السبعينيات هو عنده كتب انا ارشد الاخوة الشباب اولادنا، اسمه مذكرات الشيخ بهلول طبع باللغة العربية عدة طبعات في بيروت ولاادري الان حتماً توجد نسخ من هذا الكتاب، الذي يقرأه يفهم ما معنى الحياة وكيف ينبغي ان يتعامل الانسان مع هذه الحياة، الله سبحانه وتعالى يقول: «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ» او «عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ» انا وامثالي نعتبر الشيخ البهلول وامثاله حجة علينا ومدرسة تعطينا الانارة الواضحة لكيفية الاستفادة من هذا العمر.
اخيراً استولى عليه الكبر وضعف النظر عاد الى ايران وبقي في مدينة مشهد الشيخ بهلول ووافاه الاجل هناك فدفن بجوار الامام الرضا (عليه السلام).
*******