أراد الشاعر اليماني البرعي أن يحج ويزور البيت الحرام وبينما كان في طريقه لأداء الحج أعاقه المرض من إكمال رحلته وهو كان على بعد 50 ميلا من مكة المكرمة فنظم هذه القصيدة، حتى إذا بلغ البيت الأخير منها لفظ أنفاسه ومات.
يا راحلين إلـى منـى بقيـادي *** هيجتموا يوم الرحيـل فـؤادي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتـي *** الشوق أقلقني وصوت الحـادي
حرمتمُ جفني المنام لبعدكم *** يا ساكنين المنحنى والوادي
فإذا وصلتُم سالمينَ فبلّغوا*** منّي السلام أهيلَ ذاك الوادي
وتذكّروا عند الطواف متيماً*** صبّاً فني بالشوق والإبعادِ
لي من ربا أطلال مكّة مرغبٌ***فعسى الإلهُ يجودُ لي بمرادي
ويلوح لي ما بين زمزم والصفـا *** عند المقام سمعت صوت منادي
ويقول لي يا نائماً جدَّ السُرى *** عرفاتُ تجلو كلّ قلبٍ صادي
من نال من عرفات نظرة ساعة *** نال السرور ونال كل مـرادي
تالله ما أحلى المبيت على منـى *** في ليل عيد أبـرك الأعيـادي
الناسُ قد حجّوا وقد بلغوا المنى *** وأنا حججتُ فما بلغتُ مرادي
حجوا وقد غفر الإلهُ ذنوبَهُم *** باتوا بِمُزدَلَفَه بغيرِ تمادِ
ذبحوا ضحاياهُم وسال دماؤُها *** وأنا المتَيَّمُ قد نحرتُ فؤادي
حلقوا رؤوسَهم وقصّوا ظُفرَهُم *** قَبِلَ المُهَيمنُ توبةَ الأسيادِ
لبسوا ثياب البيض منشور الرّضا *** وأنا المتيم قد لبست سوادي
يا ربِّ أنت وصلتَهُم وقطَعتني*** فبحقِّهِم يا ربّ حل قيادي
باللَه يا زوّارَ قبرِ محمّدٍ *** من كان منكُم رائحٌ أو غادِ
لِتُبلغوا المُختارَ ألفَ تحيّةٍ *** من عاشقٍ متقطِّع الأكبادِ
قولوا له عبدُ الرحيم متيِّمٌ *** ومفارقُ الأحبابِ والأولادِ
صلّى عليكَ اللَهُ يا علمَ الهدى *** ما سارَ ركبٌ أو ترنَّمَ حادِ