ومن اعيان الصادقين او من رؤوس الصادقين ايضاً المتفانين والمضحين في نصرة الحق واعلاء كلمة الاسلام هو مسلم بن عقيل بن ابي طالب (عليه السلام) عم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
طبعاً مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) هو الرسول الرابع للحسين (عليه السلام) للعراق وابوه عقيل ذلك النسابة الشهير والعلامة الكبير كان انسب قريش، كان اعلمهم بأيام العرب لذلك الامام علي صلوات الله وسلامه عليه يستشيره في زواجه من ام البنين والقصة المعروفة ومسلم بن عقيل (سلام الله عليه) هو حجازي التربية ومكي المولد ومدني النشأة وولد بتلك الدار التي ضاعت الان بسبب اعمال التوسعة او اعادة تخطيط البلد، كان معروفاً بدار عقيل وبعد ذلك صارت مقبرة لآل ابي طالب.
المهم ان مسلم بن عقيل ترعرع وتربى وتثقف في جو النبوة وجو الامامة واستضاء بنور تلك المدرسة الزاهرة ونمير تلك المشكاة، انتهل من ذلك المنهل واستمد معارفه واغترفها من تلك البحور الزاخرة لذلك الاديب يقول:
مدينة العلم على انواعها
محمد والآل هم ابوابها
ومسلم علومه من عندهم
لأنها قد نجحت طلابها
رشحه الحسين (عليه السلام) للسفارة فأرسله ممثلاً عنه ونائباً في ذلك الشعب الراقي في فنونه والمثقف التام في آدابه وهو شعب العراق الذي كان يلف بين اواصر يعرب وعدنان وقحطان وحمير فأرسل الحسين (عليه السلام) هذه الشخصية لتمثله بكل جوانب حياته.
مسلم بن عقيل كان من شجعان اهل البيت وكان من قوة مسلم وشجاعته ماظهر للخصوم يوم صفين ولذلك حديث منفصل فكانت له شجاعة حيدرية اقتبسها من عمه حيدر الكرار.
في هذه الدقائق المحدودة اروي لقطات عنه، جاء في الروايات ان بعض الاشخاص الذين احبهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو مسلم بن عقيل والرواية تأتي هكذا، مصدرها ابن عباس، قال:
قال: علي.
قلت: يا رسول الله.
كأنما الامام علي صلوات الله وسلامه عليه جالس الى جنب النبي (صلى الله عليه وآله) فمر بهما عقيل فقال: علي.
قلت: يا رسول الله انك لتحب عقيلاً؟
قال: نعم يا علي، اني لأحبه حبين حباً له وحباً لأبيه ابي طالب.
ثم اردف قائلاً: يا علي وان ولده لمقتول في محبة ولدك الحسين فتدمع عليه عيون المؤمنين وتبكي عليه الملائكة المقربون.
ثم بكى رسول الله حتى جرت دموعه على صدره ورمق السماء بطرفه وهو يقول: «اللهم اني اشكو اليك ما يلقى عترتي من بعدي»اذن فمسلم بن عقيل رقرق عبرات الرسول الغالية واسبل دمعته التي هي ليست برخيصة، النبي لا يبكي الا في حالات خاصة، واستحق بكاء المؤمنين كما استحق الصلاة من الملائكة المقربين، هذه منزلة مسلم بن عقيل عند رسول الله وعند الملائكة وعند الناس وعند كل اهل البيت.
تصلي على مسلم في السماء
ملائكة الله حيناً فحيناً
فكيف تجف دموعي له
وقد كان ابكى النبي الامينا
تحرك مسلم بن عقيل بأمر من الحسين (عليه السلام) من مكة المكرمة في الخامس عشر من شهر رمضان وحين خروجه من مكة صلى بين الركن والمقام وكان معه الحسين (عليه السلام)، صليا هناك وقرر الحسين ان يرسل مسلماً فمر بالمدينة وبقي يوماً واحداً وودع الكل واستأجر دليلين يدلانه على الطريق الى العراق، الى الكوفة.
جانب آخر من الجوانب التي تكشف لنا قيمة مسلم بن عقيل هو رسالة الحسين، الحسين (عليه السلام) زوده برسالة الى اهل الكوفة قال فيها: «اني قد بعثت اليكم ثقتي وابن عمي والمفضل عندي من اهل بيتي مسلم بن عقيل»، لذلك الاديب يقول:
صنعت البطولة يا مسلم
فمنك البطولة تستلهم
وانت الذي قال فيك الحسين
امام الورى ثقتي مسلم
على كل الدليلان ماتا من العطش وبقي لوحده ووصل الى الكوفة وهناك حل ضيفاً في دار المختار بن ابي عبيدة الثقفي، منتصف شهر شوال وصل الى الكوفة واستقبله الناس ورحبوا به ترحيب الضيف الكريم، اكتظت الشوارع بجحافل الهاتفين بتحيات الاستقبال رافعين شعار التهاني والابتهاج بقدومه فنهض مسلم بن عقيل وقرأ عليهم رسالة الحسين (عليه السلام) واجابته الالسن مستجيبة للرسول والمرسل، بايعه ثمانية عشر الفاً لكن العصابات الاموية كتبت الى يزيد بن معاوية بأن الكوفة اصبحت دولة علوية واذا صارت دولة علوية ستنسحب على مناطق اخرى ويتقوض النظام الاموي فزحفت القوى الاموية والمستفيدة منها وتكتب وتقدم التقارير الى يزيد بن معاوية فأشخص بن زياد من البصرة الى الكوفة ووظف عدد ممن يتظاهرون بالثياب القصار واللحى الطويلة ويخدعون الناس بمظاهرهم المقدسة، وظف هؤلاء لخذلان الناس عن مسلم بن عقيل
كان اميراً فغدا اسيراً
ذاك شأن الدهر ان يجوراً
انقطت الاخبار عن الحسين (عليه السلام) ووصل الى منطقة اسمها زرود واذا بأحد راجع من الكوفة او مقبل من الكوفة سأله الحسين في حالة تعطش لأخبار مسلم، ما الذي حدث؟
قال: هل معك شامت؟
قال الحسين: لا.
قال: خلفت مسلماً وهاني يسحبان بالحبال في الاسواق فصاح الحسين رحم الله مسلماً وانشأ يقول:
فأن تكن الدنيا تعد نفيسة
فأن ثواب الله اغلى واجمل
وان تكن الاجساد للموت انشأت
فقتل امرء بالسيف في الله افضل
ونصب الحسين العزاء عليه واصفاً اياه بأنه من اوائل الشهداء في هذه الحركة المباركة.
*******