وبمناسبة الذكرى السنوية الرابعة والثلاثين لرحيل الإمام الخميني(قده)، نظمت وكالة الأنباء القرآنية الدولية (إكنا) حواراً الكترونياً مع رئيس حركة الإصلاح والوحدة اللبنانية "فضيلة الشيخ الدكتور ماهر عبد الرزّاق" حول "تأثير القرآن في المنظومة الفكرية للإمام الخميني(قده)".
وفي بداية كلمته، قال الشيخ ماهر عبد الرزاق إننا نعتبر أن الأمة الإسلامية اليوم كأمة موجودة في العالم يجب أن تكون أمة موحدّة متمسكة بالقرآن والمنهج الصحيح في مواجهة أعداءها، والمشاريع التي تريد أن تنال من قوة هذه الأمة وعزيمتها.
وأكد أن قوة الأمة تتمثل في تماسكها ووحدتها، لذلك نحن دائماً ندعو إلى حوارات بناءة لتذليل كل العقبات وتفويت الفرصة على أعداء الأمة لأن الأعداء يتربصون بنا ويريدون أن ينالوا منا، كما يريدون أن يزرعوا بيننا الفرقة ويضعّفوا عزيمتنا ويسلبوا منّا قوتنا، لأن العدو يعلم أن قوة الأمة تتمثل في تمسكها بالقرآن وتعاليم النبي محمد (ص).
فيما يلي نصّ الحوار:
كيف تقيمون تأثير القرآن في المنظومة الفكرية للإمام الخميني(رض) في المجالات الأخلاقية، والسياسية، والإجتماعية؟
طبعاً نؤكد أن القرآن كان في فكر الإمام(قده) كما يكون في فكر الكثير من القادة والعظماء للأمة الإسلامية على أنه منهج الحياة.
الإمام الخميني(قده) كان يعتقد في كل خطاباته ومحاضراته وتوجيهاته أن القرآن هو المنهج الذي إذا تمسكنا به فإننا نعيد الأمة إعتبارها والقرآن مشروع متكامل عند الإمام الخميني(قدس سره) باعتباره مشروع حياة سياسية وإجتماعية وأخلاقية، كما أنه مشروع عبادة.
الإمام(قده) كان يشدّد ويركّز على أن القرآن يعالج كل قضايا الأمة ولذلك ما نراه اليوم من تقدم وتطور في إيران على كل الأصعدة سواء في المستوى الأخلاقي، والاجتماعي، والقرآني هو قد حصل بفضل مشروع القرآن.
وكان الامام الخميني(قده) يعتقد أن القرآن هو حبل النجاة الذي يخرجنا من ظلمات الجهل أي جهل الاخلاق إلى نور الإيمان والأخلاق ونور الحياة الطبيعية، كما قال الله سبحانه وتعالى: "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" كما قال تعالى "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً".
الامام(قده) كان يركز على تربية المسلم على أساس القيم الأخلاقية في القرآن وآدابه وعلى التعامل مع بعضنا البعض من خلال القرآن، طبعاً لأن الامام الخميني(ره) كان يدرك أن الأمة في بعض جوانب الحياة هجرت القرآن ضمن المشروع الامريكي الصهيوني في عالمنا العربي والاسلامي وقد استطاع العدو أن ينال من المجتمعات الإسلامية.
الإمام(قده) كان يؤكد دوماً على العودة الى القرآن، والأخلاق، والايمان، والحياة الإجتماعية المتماسكة والمترابطة حيث نحن اليوم بحاجة الى الأخلاقيات العامة والإجتماعية والثقافية كما أن الأمة اليوم تحتاج الى الفكر والكلمات التي تثبت هذه المفاهيم الصحيحة في قلوبنا.
ما هو الحكم القرآني المنشود في فكر الامام الخميني(رض) وسيرته العملية؟
نحن نعتبر أن الإسلام كما اعتبره الإمام الخميني(قده) في سيرته عندما أسسّ الدولة وفكراً منهجياً للحكم على الارض أكد أن الأصل هو أن نطبق الحكم على واقع الأرض. اليوم نرى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعدّ نموذجاً لهذا الحكم(القرآني) بحيث تتميز عن باقي دول العالم، وذلك بفضل منهجية الإمام الخميني (رض) حيث قد حققت هذه الثورة المباركة المساواة والعدل والانصاف ونصرة المظلومين ونصرة الأمة المحقة والتربية العلمية على الارض والتقدم العلمي والمساواة في العطايا.
الثورة الاسلامية الايرانية اليوم تعتبر نموذجاً في الحكم والمطلوب أن نكرّس هذا المفهوم في كل عالمنا الإسلامي لأننا نعتبر أن الإمام(ره) هو مدرسة أرست مفاهيم وقواعد الحياة الطبيعية الصحيحة ضمن المنهج القرآني والمفهوم الإسلامي لذلك الجمهورية الاسلامية الايرانية اليوم هي تحاكي نظرة الامام الخميني(رض) للحياة وعلينا أن نعمّم هذه المدرسة وننشر ثقافة الامام الخميني(قده) في هذا المجال.
كما تعلمون أن الامام الخميني(قده) كان رائداً من روّاد الوحدة والتقريب بين المذاهب الاسلامية، كيف تقيمون فكرة التقريب والوحدة لدى الامام؟
وفي الوقت الذي بدأ الامام(قده) مسيرته النضالية الثورية الدعوية كانت تعاني الأمة الاسلامية أزمة التكفير والتفكك حيث هناك عدو زرع بين كيانات الامة وحوّلها الى كانتونات مذهبية وطائفية وكان يسعى الى زرع الفتنة والبغضاء بين الامة الاسلامية.
وكان منهج الامام الخميني(رض) التقريب بين المذاهب باعتباره أفضل وسيلة لجمع الامة وتوحيد رايتها وكلمتها وأصدر مفاهيم حتى تعالج بعض القضايا المهمة عبر الحوار والتلاقي، فالتقريب بين المذاهب هو أحد انتصارات الإمام(قده) في عالمنا الإسلامي لأنه أسس لمرحلة الوحدة الإسلامية وجمع الامة رغم أن هناك خلافات يمكن أن تسوى باللقاءات والحوارات وعبر التركيز على القواسم المشتركة بين الأمة والعمل على الإجابات والتقليل من الخلافات والسلبيات.
إن مفهوم التقريب بين المذاهب كان خطوة مباركة مهمة جداً على صعيد الأمة الإسلامية ومازلنا إلى الآن نرى هذا الاستثمار المبارك وفي هذا الاطار، تنعقد مؤتمرات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفي كل أنحاء العالم الإسلامي حول محور التقريب بين المذاهب الاسلامية ووحدة الأمة.
إن تأسيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية يكون من انجازات الثورة الاسلامية الايرانية بحيث قد أصبح هذا المجمع حالياً مؤسسة ضخمة تعمل على مستوى الأمة الاسلامية فتكون له جهود مباركة كما أن هذه المؤسسة قد حطمت الخلافات وقد جمعت الأمة وحاربت التعصب المذهبي والفكري والفكر التكفيري وقد جعلت وضع الأمة على الطريق الصحيح.
نحن نعتبر أن فكرة الإمام الخميني(قده) في التقريب بين المذاهب الاسلامية هي احدى عوامل الإنتصار الكبير الذي حققه الامام(قده) في ثورته وعلى مستوى العالم.
لماذا أولى الإمام الخميني (قده) إهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية وأطلق على آخر جمعة من شهر رمضان يوم القدس العالمي؟
الإمام الخميني(قده) كان يعلم أهمية القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى في حياة الأمة لاسيما أن المسجد الأقصى هو أحد أعظم المقدسات للأمة الاسلامية وكونه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
وقد واجه الإمام(قده) العدو الأمريكي وكان على علم أن الأعداء يضعون ثقلهم لدعم الكيان الصهيوني في قلب الأمة و خاصةً عندما ينتهكون المسجد الأقصى ويعتدون عليه.
القضية الفلسطينية كانت بفكر الإمام(قده) من أولوياته حيث كان يستحضر محاضراته حولها لأنها قضية أمة فكان ينقلها بين دولة وأخرى نقلاً نوعياً حتى أصبحت اليوم تعني كل الأمة.
وفي كل خطاباته ولقائاته كان يركز بعد الجمهورية الاسلامية الايرانية على دعم القضية الفلسطينية ودعم المقاومين والمجاهدين كما كان يؤكد على تحرير المسجد الأقصى، فلذلك اليوم ما تقوم به الثورة الاسلامية الايرانية هي تكملة لما بدأه الإمام(قده) وما أرسى له من قواعد وأسس وفكر ومنهج.
إننا نعلم أن الدولة التي تحمل اليوم القضية الفلسطينية هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة، كما أن إيران تدفع اليوم فاتورة كبيرة بسبب دعمها للقضية الفلسطينية.
لقد وضع الإمام(قده) هذه القضية أمانه في أعناق الأمة وفي الحقيقة نحن نقرأ دائماً حديث النبي(ص): "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" ونحن عندما رأينا مسيرة الإمام(قده) مع قضايا الأمة المحقة ونصرة المظلومين ودعم المقاومين و الوقوف الى جانب الأمة و نصرتها وإعلاء كلمة الحق فعلاً نحن نقرأ في سيرة الإمام الخميني(قده) انه المجدد لأمر هذا الدين و هو الرجل الذي يستحق من الأمة كل التقدير والاحترام.
ما هي رؤية الإمام الخميني(رض) بالنسبة الى مشاركة النساء في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية؟
الإمام الخميني(قده) كان يرى في المرأة أنها شريكة في تحمّل المسؤولية وأداء الواجبات وكان دائماً يذكر في مقالاته وكتبه بقول الله "إني جاعل في الأرض خليفة" قال إن الخليفة يعني رجل وامرأة وكان يقول دائماً "ولقد كرّمنا بني آدم" والمقصود من التكريم الرجل والمرأة، وفي معرض اشارته الى قوله تعالى "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" قال الإمام(رض) إن المقصود من الإنسان ذكر وأنثى، فالإمام(قده) أعطى للمرأة دوراً كبيراً لذلك أطلق على يوم ولادة السيدة الزهراء(س) بعيد الأم ويوم المرأة.
والامام الخميني(قده) كان يعتقد أن المرأة تتحمل المسؤولية وهي نصف المجتمع، والمربية للنصف الآخر، ووراء كل رجل عظيم إمرأة عظيمة كما كان يعتبر أن المرأة لها دور كبير في تربية الأجيال على المنهج الصحيح كما يكون لها دور عظيم في الدعوة والسياسة والحكم واستنهاض الأمة في وحدتها.