ومن الصادقين، من الصحابة المحبين لرسول الله والثابتي القدم الى اخر حياته، هذا من الصحابة الصادقين المحبين لرسول الله قيس بن عاصم المنقري سيد اهل الوبر.
لا اعرف ماذا يعني اهل الوبر، الظاهر الوبر هذا هو شعر النياق والجمال يسمونهم قبيلة الوبر، هذا زعيمهم، هذه القبيلة تسكن احدى ضواحي المدينة المنورة وهذا الرجل قيس بن عاصم من الذين اسلموا قبل رحيل رسول الله من الدنيا بسنة او نقول في نفس السنة فعاش مع النبي قليلاً لكن بعد ذلك كمل المشوار مع الامام علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه.
قيس بن عاصم المنقري جاء مع وفد من قبيلته سنة تسعة للهجرة وهم فخذ من تميم، هذا الرجل تميمي. قيس ذاتياً كان مهذباً، كان على دين الجاهلية لكن كان معروفاً بالحلم والشمم والثبات حتى انه يقول المؤرخون ان الاحنف بن قيس وهو الذي اشتهر بالحلم لما سؤل من أين لك هذا الحلم؟
قال: تعلمته من قيس بن عاصم المنقري، كيف؟ 
قال: كنت عنده ذات يوم وهو يتحدث في ديوانه مع رجل فدخل عليه جماعة واخبروه بأن اخاه في المكان الفلاني اسر وابنه قتل، يقول الاحنف بن قيس: والله رأيته لم يهتز واستمر يتحدث مع ذلك الرجل بكل هدوء حتى اكمل حديثه ثم التفت بتوأده وببرودة الى ولده الاكبر وقال له بني قم وابحث عن عمك وفك اسره واعمد الى اخيك فأدفنه ثم قال اعط لأم اخي يعني المقتول مئة من الابل ليهدأ حزنها فتعجب الناس لرباطة جأشه وكان يردد شعره هذا:

اني امرئ لا يعتري

خلقي دنس يفنده ولا افن

فيقول الاحنف بن قيس رأيت نفسي لا شيء امام حلم هذا الرجل.
هذا قيس بن عاصم وفد على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) مع جماعة من قومه واسلموا جميعاً على يد رسول الله. قيس بن عاصم هكذا تفرس ان النبي يعيش الايام الاخيرة من حياته فرغب هكذا هو والذين معه ان يسمعوا بعض التوجيهات من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فيقول للنبي عظنا يا رسول الله. 
فقال النبي: نعم يا قيس، ماذا يقول النبي (صلى الله عليه واله)؟ وقول النبي هو نبي الاقوال، ماذا يقول النبي؟ يا قيس لابد لك من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وانت ميت فأن كان طيباً لا تستأنس الا به وان كان سيئاً لا تستوحش الا منه، ثم يقول: يا قيس لا يحشر معك الا هذا ولاتبعث الا معه ولا تسأل الا عنه فلا تجعله الا صالحاً فأنه ان صلح انست به وان فسد لاتستوحش الا منه، قيس والذين معه قالوا من هذا؟ 
قال النبي: هو عملك. 
الشاعر يقول: 

يا من بدنياه اشتغل قد غره طول الامل

الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل

قيس بن عاصم قال: يا رسول الله ما احسن ما وعظتنا به، ليت كلامك هذا كان في شعر لأن العرب كانوا يستعذبون الشعر والادب وهو جزء من وجودهم وحياتهم فيقول للنبي: يا رسول الله ليت كلامك هذا كان شعراً نتفاخر به على من يلي بنا من العرب وندخره ذخراً، يبدو مثل زماننا هذا المسلمين والاسلام تلوا بالعرب الاذلاء الذين يستجدون الابتسامة من الصهاينة القتلة في اسرائيل، تراه ذليلاً بلا داعي لكن عقوبة من الله في الدنيا ان الله يذلهم، تراه في هذا عمره ولحيته يلزم شمعون بيريز من كتفه ويقدمه امامه وهذا في كل شعرة من شعرات بدنه قاتل الالاف من العرب، واقعاً بلينا وابتلي العالم الاسلامي والمسلمون بهؤلاء الاذلاء، هؤلاء الصغار امام الاعداء حقراء لكن اسود على شعوبهم وضعاف على اممهم "اسد علي وهو في الحروب نعام" نعم اسد علي ولكن في الحروب نعامة.
قيس بن عاصم رضوان الله عليه يقول: كم كان جميلاً لو كانت هذه النصائح كانت في شعر، هنا فكر النبي بأحضار حسان بن ثابت وكان شاعراً آخر حاضراً وهو الصلصال بن دهمت فنظم ارتجالاً هذه المواعظ والنصائح من رسول الله بشعره قائلاً:

تخير خليطاً من فعالك انما

قرين الفتى في القبر ما كان يفعل

ولابد قبل الموت من ان تعده

ليوم ينادى به المرء ليقبل

فأن كنت مشغولاً بشيء فلا

تكن بغير الذي يرضى به الله تشغل

فلن يصحب الانسان من بعد

موته ومن قبله الا الذي كان يعمل

الا انما الانسان ضيف لأهله

يقيم قليلاً بعدهم ثم يرحل

النبي (صلى الله عليه واله) يخاطب المسلمين:

الا وان احدكم في الدنيا

ضيف وان الضيف لراحل

فلن يصحب الانسان من بعد

موته ومن قبله الا الذي كان يعمل

قيس بن عاصم والذين كانوا معه دخلوا على النبي شيء وخرجوا عن النبي شيء آخر لأن كلام النبي كلام يدخل الى الاعماق وكم وكم من انسان كان شبه وحش وبكلمة واحدة من الامام علي او من رسول الله (صلى الله عليه واله) تحول الى شكل اخر، تقول الروايات لما رجعوا الى منازلهم وقومهم اصحابهم رأوا ان هؤلاء تغيروا والله سبحانه وتعالى امر المؤمنين، «فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه» الانسان موظف عقلياً وخبروياً ووجدانياً ان يصغي الى الكلمة التي تنقذه، الكلمة التي تبدله من مكروه الى محبوب، تبدله من قبيح الى جميل، تبدله من خبيث الى طيب وهذا لا يحرز الا في ادب اهل البيت.
واحدة من كفران النعمة هو تجاهلنا لأدب اهل البيت، توصيات اهل البيت، كلمات اهل البيت، كلمات الرسول، كلمات امير المؤمنين هذه ما وجدت في الكتب لتبقى مخزونة بين الصفحات، هذا ظلم للعلم وظلم لثقافة اهل البيت.
الواحد منا اذا كلمة كل اسبوع يحفظه او حديث يتحول الى عالم ومهذب والى جوهرة. قيس بن عاصم المنقري ظل يتردد على النبي وكان يعرف بأنه من اعاظم اصحاب رسول الله.

*******