ومن الصادقين الذين وظفوا السنتهم ومشاعرهم لخدمة اهل البيت ولنشر فضائل اهل البيت هو العالم الكبير والشاعر الموفق، نعم اقول الموفق هو السيد رضا الهندي النجفي المولد والمدفن، ولد في النجف الاشرف ودفن في النجف الاشرف.
السيد رضا الهندي لا اعتقد ان هناك من محبي اهل البيت لم يسمع او يقرأ القصيدة المعروفة والمشهورة بالقصيدة الكوثرية، هذه القصيدة اشتهرت يوم كنت طفلاً والى الان، اشتهرت هذه القصيدة بسلاستها ووزنها الخفيف ومضامينها الرقيقة والوجدانية، مشهورة ومعروفة بالقصيدة الكوثرية وطبعاً اشتقاقاً من هذا المعنى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ضمن الابيات فسميت بالقصيدة الكوثرية، هذه القصيدة تتلى في الاعراس وفي مناسبات الولادات، انا خمسة عشر عاماً اقرأ عند اللواتية في مسقط في عمان لاحظت هناك في الاعراس يواظبون على قراءتها التماساً للبركة. هذه القصيدة هي من بواكير نظم السيد رضا الهندي مطلعها:
أمفلج ثغرك أم سكر
ورحيق خضابك أم عنبر
قد قال لثغرك صانعه
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ
فسميت القصيدة اشتقاقاً من هذا المعنى، من جملتها:
سودت صحيفة أعمالي
ووكلت الأمر إلى حيدر
هو كهفي من نوب الدنيا
وشفيعي في يوم المحشر
هل يمنعني وهو الساقي
أن أشرب من حوض الكوثر
أم يطردني عن مائدة
وضعت للقانع والمعتر
هذه النجف الاشرف، مستحيل تحصل في كل الدنيا مثل هذا الشاعر يحمل هذا النفس وهذا الانسياب وهذا الانطلاق زائداً انه في خدمة الولاء لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم. السيد رضا الهندي كان عالماً فاضلاً اديباً شاعراً من الطبقة الاولى، هو من مفاخر النجف الاشرف ومن اوسمة النجف الاشرف، اشتهر بأنه مرتاض يعني هؤلاء الذين يهجرون الدنيا ويزهدون فيها، هناك كتاب يسمى الطليعة، صاحب الطليعة يقول في وصفه يقول: هو عالم اديب فاضل وشاعر وقد عثرنا على بيتين بخط يده، يقول:
مَن ذُخرُهُ ومالُه وفي الورى جمالُه
محمدٌ وآلُه كيفَ يسوءُ حالُه
اتصور انه وظيفة كل واحد يود اهل البيت ان يحفظ هذين البيتين:
مَن ذُخرُهُ ومالُه وفي الورى جمالُه
محمدٌ وآلُه كيفَ يسوءُ حالُه
هذا العالم الجليل قطن سامراء لفترة من الوقت لأن انتشر في النجف الاشرف مرض الطاعون، يقولون ان النواصب جاءوا بشيء ونشروا هذا المرض، على اي حال فراحت ضحايا كثيرة لأن هذه المطرقة من قديم من القتل والابادة في النجف لأتباع اهل البيت فهاجر الى سامراء وعاش بجوار العسكريين سلام الله عليهما، ثلاثة عشر عاماً هو كان مجاوراً للإمامين العسكريين فكان هو في سامراء يتمزق شوقاً الى النجف الاشرف كما نحن الان نتمزق شوقاً اليها فكانت من اوائل ما ينظم هناك في سامراء يقول:
يا أيها النجفُ الأعلى لك الشرفُ
ضَمِنت خيرَ الورى يا أيها النجف
فيك الامامُ أميرُ المؤمنين ثَوى
فالدُرُّ فيكَ وما في غيرك الصدفُ
الله اكبر، رحمة الله عليه، والله في كل حرف يستحق الرحمات:
يا أيها النجفُ الأعلى لك الشرفُ
ضَمِنت خيرَ الورى يا أيها النجف
فيك الامامُ أميرُ المؤمنين ثَوى
فالدُرُّ فيكَ وما في غيرك الصدفُ
يا سائرين إلى أرض الغريِّ ضُحىً
نَشدتُكم بأميرِ المؤمنينَ قِفوا
قرأت له بيتين في هذه الفضيلة الكبرى للامام امير المؤمنين (سلام الله عليه) لما اختارت السماء له الكعبة او بطن الكعبة مكاناً للولادة، لأن هذا عبد الباقي العمري، هذا موصلي من اهل الموصل، هذا الرجل من ابناء السنة لكن يقول للامام علي:
أنت العلي الذي فوق العُلى رفعا
ببطن مكة وسط البيت قد وضعا
ففي هذا المجال لنرى ماذا يقول السيد رضا الهندي، بيتين جميلين واعتقد جدير بالخطباء والأدباء أن يحفظوا هذين البيتين، ماذا يخاطب الامام علي:
لمّا دعاك اللهُ قِدماً
بأن تولَد في البيت فلَبَّيتَه
جَزيتَه بين قريش بأن
طهّرتَ من أصنامِهم بيتَه
من طهر الكعبة والبيت الحرام من الاصنام غير الامام امير المؤمنين مع رسول الله صلى الله عليه واله، طبعاً هنا اذكر ان التطهير للكعبة يعني الكعبة خضعت لحالتين، عمليتي تطهير، الاولى قام بها نبيان، ابراهيم وابنه اسماعيل «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ» اما المرة الثانية من قام بتطهير الكعبة؟ نبي ووصي وهما رسول الله وامير المؤمنين لذلك النبي لما يقول «علي مني بمنزلة هارون من موسى» هذا المعنى يضمنه رحمه الله السيد رضا الهندي:
جَزيتَه بين قريشٍ بأن
طهّرتَ من أصنامِهم بيتَه
هذا العالم الجليل السيد رضا الهندي كان يتمتع بروح شعبية، هو العالم، هو الكاتب، هو الشاعر، هو االفقيه، لن يتغيب عن اجواء البسطاء والضعاف مثلي وامثالي، كان بينهم، كان يأنس بهم، سافر الى الحج عن طريق بيروت ومن هناك بالباخرة الى جدة وكان معه مجموعة من العلماء ومن الكسبة وكانت الرحلة طويلة، رواح ومجيء اربعة اشهر، يقول رفاقه الذين كانوا معه بأن السيد رضا الهندي كان عاملاً مهماً في تخفيف عناء السفر لما كان يتمتع به من أريحية وروح شعبية وطبع طريف، كان يروي القصص والنكات والمواعظ نثراً وأدباً وقصصاً وحكايات.
فاتني لما كنت أتكلم عن القصيدة الكوثرية أحد اساتذتنا في النجف الأشرف وهو من العلماء الأولياء السيد صادق ياسين الحميري قال لي أيام كنت أدرس عنده في النجف رحمة الله عليه قال لي: تتبعت هذه القصيدة الكوثرية رأيت أكثر من واحد وعشرين شاعراً نظم ويجاري هذه القصيدة في وزنها وفي قافيتها. على كل حال يقولون السيد رضا الهندي في هذه السفرة لما وصل الى المدينة ورأى قبة النبي قال قصيدة ومن جملتها:
جاشَت النفسُ بالهُمومِ ولكن
سكنَتْ عندما وردنا المدينة
كيف لا تَسكُن النفوسُ ارتياحاً
عند من أُنزِلَت عليه السكينة
لأننا عندما نزور النبي نقول السلام على صاحب السكينة، السلام على المدفون في المدينة.
هذا الرجل واحدة من زاده وذخائره عند الله هذه القصيدة المليئة بالحكمة والموعظة والتي في التالي يقول فيها عن الحسين:
أرى عمُري مؤذِناً بالذهاب
تمرُّ لياليه مرّ السحاب
فمن لي إذا حان مني الحمام
ولم أستطع منه دفعاً لما بي
ثم يكرر:
من لي من لي من لي...
إلى أن يتخلص ويقول:
فهل تحرقُ النارُ عيناً بكَت
لرزء القتيل بسيفِ الضّبابي
هذا العالم قصائده تستعرض في الخليج، شعر السيد رضا الهندي وقصائده خصوصاً في الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
هذا العالم الجليل السيد رضا الهندي توفي عام 1362 هجرية بالمشخاب وشيع في النجف الاشرف تشييعاً مهيباً وصلى على جثمانه السيد ابو الحسن الاصفهاني وعاشت النجف يوماً حزيناً كئيباً لفقد هذه الدرة الفاخرة التي كانت من مفاخر ومباهج النجف الاشرف.