ومن الصادقين الاوائل وحفظة الشرع الحنيف هو مولانا العالم المتبحر محمد بن يعقوب الكليني الرازي البغدادي المشهور بثقة الاسلام الكليني قدس الله سره.
الحديث عن هذا الرجل او هذا الجندي الوفي لآل الرسالة وللامام الصادق عليه الصلاة والسلام ليس بالسهل وقد كتبت عنه الكتب وترجمته المصادر ولكني خلال هذه الدقائق اتكلم بما يتسع البرنامج آملاً بأن يصغي الي الاخوة بدقة عن هذه الشخصية المهمة وعن عطاءها الثري والثمين في فترة كانت هي من اشد الفترات العصيبة التي عصفت بطائفة الامامية او بمحبي اهل البيت.
هذا الجندي الوفي لآل الرسالة والرسول محمد بن يعقوب الكليني ثقة الاسلام هو من الاعاظم المتقدمين في نشر فقه اهل البيت وهو من الاعمدة الضخمة في صناعة الفقه المحمدي الاصيل يعني هو من بناة السنة النبوية الشريفة. لما نقصد بالسنة النبوية يعني ما ورثناه من النبي واصحابه الذين لم يحدثوا بعده من اهل البيت والذي منه او استند اليه فقهاء الامامية فأستنباط الفتاوى هذه هي السنة النبوية، السنة النبوية الناصعة السليمة من التلاعب والمداخلات وحالات التغيير وحالات التزوير. سنة النبي او سنة اهل البيت، سنة الرسول (صلى الله عليه وآله)، السنة النبوية في الواقع جاءت بعد دماء عزيزة اريقت وبعد سجون امتلئت بالرجال وبعد اعواد للمشانق اكلت من شرف الرقاب واعظمها، انا دائماً اركز في منابري وفي مقابلاتي على النقاط المهمة واحدة منها ان نعرف ان الذي وصلنا وما هو موجود بين ايدينا الان من تراث اهل البيت ومن السنة النبوية الناصعة لم يصلنا بطريقة سهلة وانما وصلنا من خلال انهار من الدماء وصفقات من الاعدامات وقوافل الرجال الذين اكتضت بهم باحات السجون. هذه السنة النبوية الشريفة او مدرسة اهل البيت احد بناتها واحد واضعي اسسها ونطفتها هو المرحوم ثقة الاسلام الكليني محمد بن يعقوب.
محمد بن يعقوب الكليني احد المحمدين الثلاثة الاوائل في تاريخ الامامية على هذا التسلسل، واحد محمد بن يعقوب الكليني الذي اتحدث عنه الان، الثاني محمد بن جعفر بن قولوويه القمي والثالث محمد بن الحسن وهو شيخ الطائفة ابو جعفر الطوسي اعلا الله مقامه.
الشيخ الكليني رضوان الله تعالى عليه جاهد وجهد منحنياً بقلمه طوال عشرين عاماً فدون كتابه الكافي وهو احد ما تعرف بالكتب الاربعة، الكتب الاربعة ما هي؟ اعتقد ان هذا واجب او تكليف شرعي لكل انسان مؤمن يدين الله بفقه آل البيت ان تكون لديه هذه الخلفية، ما هي الكتب الاربعة؟ الكتب الاربعة هي المنبع الاساس للحديث الموثق في فقه اهل البيت وهي كالآتي حسب التسلسل، واحد الكافي بقسميه الاصول والفروع، هذه الموسوعة تشتمل على ستة عشر الف وتسعة وتسعين حديثاً، الكتاب الثاني من لايحضره الفقيه وهو لأبي جعفر الصدوق يشتمل على تسعة الاف واربعة واربعين حديثاً، الكتاب الثالث هو كتاب التهذيب لشيخ الطائفة ابي جعفر الطوسي رضوان الله تعالى عليه محمد بن الحسن ابو جعفر الطوسي مؤسس الحوزة العلمية في النجف الاشرف، قبل الشيخ الطوسي كان وجود علمي ايضاً في النجف الاشرف، طبعاً كتاب التهذيب يشتمل على ثلاثة عشر الف وخمسمئة وتسعين حديثاً، الكتاب الرابع الاستبصار وهو ايضاً لشيخ الطائفة الطوسي ويشتمل على خمسة الاف وخمسمئة واحد عشر حديثاً. عموماً مجموع الاحاديث في هذه الكتب الاربعة هي اربعة واربعين الف ومئتين واربعة واربعين حديثاً، هذه صورة مقتضبة واجمالية عن الكتب الاربعة والتي تشكل السنة النبوية السليمة والتي هي احدى الدعائم الاربعة لأستنباط الفتاوى الشرعية لدى الامامية.
الكتاب الاول في هذه السلسلة من الكتب وهي الكتب الاربعة هو كتاب الكافي بقسميه الاصول والفروع يصفه العديد من العلماء ويشيد بأهميته مثلاً المحدث القمي اعلا الله مقامه او الامين الاسترآبادي رحمه الله يصفون هذا الكتاب يقولون ان هذا الكتاب من اجل الكتب الاسلامية ومن اعظم مصنفات الامامية.
محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله هو من مواليد ناحية الري في ايران وفي ذلك اليوم هذه المنطقة لم يكن فيها غير من يتكلم العربية ولم نعثر على تاريخ دقيق لولادته رحمه الله لكن ما كتبت عنه المصادر وهي عديدة انه ظهر من ايام طفولته ببراعة عالية ومؤهلات وكان لديه الاستعداد الخارق وتدرج الى ان اصبح من رؤوس علماء الامامية في عصر الغيبة الصغرى يعني بالتحديد في عصر النائبين الاخيرين الثالث والرابع وهو عثمان بن سعيد العمري والحسين بن روح اعلا الله مقامهما واصبح الذراع الناهض بفقه الامامية الاثنى عشرية في القرن الثالث من التاريخ الهجري وللعلم المرحوم الكليني كان مستوعباً لمعظم المذاهب الاسلامية مما جعله مرجعاً ترجع اليه كل الطوائف لأن آنذاك كان ينبغي والضرورة تقتضي ان العالم الشيعي يلم بفقه المذاهب لكي لا يظهر بأنه متفرداً انه مرجع للامامية ويكون هذا سبباً لأستهدافه من قبل الكيانات التي قضت على تراث اهل البيت ووجود اهل البيت لذلك كان علماء الامامية بهذا المستوى في تلك الظروف وحتى في زماننا المعاصر يلمون بهذه المذاهب.
على اي حال الشيخ الكليني خلال تحقيق وتدوين استمر عشرين عاماً استطاع ان ينجز اول كتاب لفقه الامامية وهو هذا الذي اشرت اليه ولديه مؤلفات اخرى من قبيل كتاب الرد على القرامطة، كتاب رسائل الائمة، كتاب الرجال، تفسير الرؤيا وكتابه السادس وهو ما قيل من الشعر في الائمة ويجدر ان اذكر هنا ان جهداً كهذا ليس بيسير في زمانه لأن بين واحد من الشعر يشكل جناية قد تؤدي الى القتل في تلك الظروف فكيف بمن يجمع هذا الشعر ويبحث عنه وعن ناظميه.
توفي هذا العالم الجليل ثقة الاسلام الكليني في بغداد عام 328 هجرية ووري الثرى في بغداد بمنطقة تعرف انذاك بباب الكوفة وقد خضع قبره لفترات مختلفة فقد اندثر لفترة من الوقت ايام الحكومات المعادية لأهل البيت ثم شيد ثم اندثر وهكذا الى عهد طاغية العراق الذي عمل وجهد على ان يخرب كل اثر يرتبط بأهل البيت فأختفى قبر الشيخ الكليني حيث انقطع عنه الناس خشية القتل والابادة لكن آثاره موجودة.
*******