من الشهداء الصادقين ومن الاوفياء ومن حملة اسرار الامام امير المؤمنين (عليه السلام) هو جويرية بن مسهر العبدي.
له موقع خاص عند الامام امير المؤمنين (سلام الله عليه)، هو من اهل الكوفة والكوفة معدن مهم لأتباع واحباء اهل البيت وامير المؤمنين (سلام الله عليه) بالذات ولذلك صب الطواغيت والظلمة جام غضبهم على هذه المنطقة انتهاءاً بطاغية العراق.
جويرية بن مسهر العبدي هو من اهالي الكوفة، تعشق الامام علياً لكن عن حب وفهم ليس تعشقاً طائشاً وتعشقاً نابعاً عن تعاطف لا، عن حب وفهم تام لشخصية الامام امير المؤمنين حتى صار له موقعاً خاصاً لدى الامام صلوات الله وسلامه عليه فكان الامام علي يسره بأشياء ومعلومات لم ينشرها لأي من اصحابه، كان الامام يضع معلوماته واطلاعاته واسراره درجات عند اصحابه، له اصحاب كثيرين، له احباء كثيرين، لكن اي واحد لن يستوعب اسرار الامام، كل واحد حسب حالة استعداده وحالة نضوجه ووعيه وعلى اي حال تختلف النفسيات وتختلف المشاعر لذلك اسرار الامام علي (سلام الله عليه) الدقيقة ما كان الامام يعطيها الا لنفرات قليلين حتى ان بعضهم يسأل الامام لم يجيبه من قبيل «تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» يعني قلت ليس كل في صدر الامام ينشر بكل سهولة، جاء في كتاب معادن الحكمة ان امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام دعا كاتبه عبيد الله بن ابي رافع يوماً من الايام وقال له: ادخل علي عشرة من ثقاتي، ادخل علي عشرة من ثقاتي فجمعهم فلما استأذنهم في دخوله عليه قال عد لي اسمائهم لأن الامام كان يريد ان يتكلم كلاماً ولا يريد ان يكون مع العشرة احداً ليس بمستوى هذا الكلام فلما عد اسمائهم اخذ يعدها وكان من جملتهم جويرية بن مسهر العبدي الكوفي وهنا الامام رحب بهم ودخلوا عليه.
الامام امير المؤمنين بالنسبة الى جويرية علمه علم المنايا والبلايا، ووراء كل تعبير حديث طويل، الشيخ المفيد اعلا الله مقامه يروي ان جويرية بن مسهر العبدي جاء يوماً من الايام يسأل عن الامام علي صلوات الله وسلامه عليه وكان الامام مضطجعاً وعنده جماعة فظن جويرية ان الامام نائماً فصاح ايها النائم استيقظ فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك، طبعاً كان قد سمع هذا من الامام نفسه لكن اراد بذلك الفات نظر الحضار، هنا الامام كان مضطجعاً فتبسم الامام علي، قال: واحدثك يا جويرية بما يحدث لك وما يكون من امرك، والذي نفسي بيده لتعتلن الى العتل الزنيم فيقطعوا يديك ورجليك وليصلبنك تحت جذع كافر وفعلاً كان هذا من امره ان صلبه زياد بن ابيه، طبعاً معاوية جعله اخاً له، صلبه بعد ان قطع رجليه ويديه على جذع نخلة بجانب جذع نخلة ابن مكعبر، الظاهر هو هذا صاحب النخلة الكافر.
في هذا الاطار تقول السير ان الامام امير المؤمنين ناداه يوماً: يا جويرية الحق بي، تعال معي، يا جويرية الحق بي فأني اذا رأيتك هويتك، هنيئاً له، هل هناك سعادة اعظم من هذه فأصطف جويرية مع الامام واقبل الامام يحدثه ويسره وكان جويرية يستمع بأصغاء حتى قال له الامام يا جويرية، هذا الحديث مهم، قال له الامام: يا جويرية احب حبيبنا ما احبنا فأذا ابغضنا فأبغضه وابغض بغيضنا ما ابغضنا فأذا احبنا فأحببه، هناك من يغفل، هناك من يخدع واخر عمره تراه يستبصر ويتحول الى موالي لأهل البيت فلا تتعامل معه بالحالة الماضية، احب حبيبنا ما احبنا فأذا ابغضنا فأبغضه، اذا تحول الى مبغض لنا فهذا لاتحبه، وابغض بغيضنا ما ابغضنا فأذا احبنا فأحببه وانا ابشرك وانا ابشرك وانا ابشرك ثلاث مرات قالها.
فيقول جويرية: يا ابا الحسن للاسف اني رجل نساء.
فقال له الامام: اذن اعيد عليك الحديث لتحفظه، طبعاً للامام هدف ان جويرية وامثاله ينشرون هذه الثقافة ويتوارثها الناس وتتوارثها الاجيال.
بأقتضاب ثقل على معاوية بن ابي سفيان وجود شخصيات مثل هذا الرقم المبارك من اصحاب الامام عليه وذلك لأنكارهم المتواصل على اعماله الشنيعة وما شرع من تشريعات واتخذ من قرارات لاتمت الى الاسلام بصلة ثم ما يقوم به جويرية وامثاله من بث تراث اهل البيت ونشر فضائل اهل البيت وفتح عقول الناس وقلوبها على معرفة الحقائق، طبعاً معاوية اخذ يلاحقه تحت كل حجر ومدر فأمر عامله زياد بن ابيه ان يلغ في دماغ المسلمين وفعلاً صار يتبع هذه الشخصيات العملاقة فأحضر جويرية بن مسهر العبدي وطال الرد والجدل وكان جويرية يدافع وبالتالي يقول له محبتي لعلي وهذا الخط ليس مسألة مزاج، انما احببته في الله وابغضت مبغضه في الله وهذا هو الجوهر الذي يريده الله سبحانه وتعالى، يريد من الانسان ان لا يكون عاطفياً، يتحرك بموجب العواطف، بموجب الفئوية، بموجب الحزبية، بموجب التكتل العرقي انما يكون تحركه وقناعاته نابعة عما يتصل بالله فيحب في الله ويبغض في الله وهذا هو ما يركز عليه النبي (صلى الله عليه واله) واهل البيت.
اخيراً كان مصير جويرية بن مسهر العبدي هو نفس مصير بقية اصحاب اهل البيت، قطعت يداه ورجلاه وصلب على جذع نخلة وهدموا داره واحرقوها واحرق ما فيها من تراث وبقي لفترة مصلوباً الى ان اتى جماعة سراً، نفراً من المؤمنين رفعوا جثمانه ليلاً وبسرية بالغة ومضوا به على دابة من قرية الى قرية في سبيل ان لايحفر قبره وينبش ودفنوه في منطقة في خوزستان وفي محلة تسمى قرماط واليوم له بناء يزار.
*******